أخيرة

كيف سنخرج من بيوتنا؟

} زاهر العريضي

لا مقدّمات لهذا الصباح، وحده الموت يتكاثر. العصافير تزقزق والشمس مشرقة، الأشجار لا تجرؤ على المشي. ومخيلتي في حرب شعواء. أن تخرج مدمراً من حلم الأمس. الحلم الذي لا تتذكر منه شيئاً. لكن رواسب الفيلم الذي شاهدته ما زال يتفاعل. كيف يعمل الكون؟ هذا أمر في غاية الصعوبة على عقلي، قبل ذلك، كنت غارقاً في متابعة أمر آخر، كأنني في رحلة غامضة، «الأطفال الهجينة»، لم يكن ذلك خيالاً علمياً، أعتقد أصبح حقيقة في مكان ما وعلينا التعامل معه بكل جدية. اطفال من دون مشاعر، أطفال بلا خوف أو عواطف. أطفال لهم لغتهم وثقافتهم، التكنوبشرية. أما نحن بشر الدرجة الثانية. لن يكون لنا فرصة للتواصل مع كائنات فضائية، من الحواسيب الرقمية الى الحواسيب الكمية، مرة أخرى عقلي لا يستوعب كل ذلك.

ربما مفهوم «قن الديكة» في رواية «النمر الابيض» (الرواية / فيلم) أقرب الى الاستيعاب وكأننا لا نستطيع الخروج من هذا القن الا للذبح. تتراكم الصور في صباح صامت. كأنك تنتظر دورك في رحلة الموت على درب الجائحة، لست بحاجة أن تضيف شيئاً سوى أنك لبناني وتعيش في ما يُقال أنها الدولة اللبنانية. أهلاً وسهلاً بكم الى بلاد الأرز بكل ما تحمله من كوابيس خضراء. ترى هل أنت بحاجة الى التوقف هنا والاكتفاء بهذا المشهد السوريالي؟

آخٍ من سطوة احلام اليقظة كأنك تنحت الوجه الغامض من ظل المعنى. هل لديك القوة لتفتح باب بيتك وتخرج دون سلاحك وأقلها الكمامة، أصلاً لستَ بحاجة الى التنكر في هذا السيرك. اللعبة مكشوفة وادواتك التكنولوجية ليست بحاجة إلا لتكبس أزرارها عذراً لمسها فقط. أتخيّل ذلك اليوم كومضة حين ترى طفلتك تكبر وتكبر الى هذا الحد، وتخاف من تلك اللحظة حين تتجاهل غمرتك الوحيدة المتبقية لك، كأنك لستَ سوى كائن من الدرجة الثانية، وأنت تتوقع أن تركض اليك وتقبّلك وتعبث في شعرك وتحمل يدك الى وجهها وتتمعن في ملامحك وتسألك عن سنوات العمر وكيف لعبت وعن الجرح قرب عينك اليمنى وأصدقاء طفولتك. أي هلوسة…! تلك التي تبوح بها. مهلاً مهلاً.

الواقع يترنّح في بلاد الأرز، الجوع والفقر لا لقاح لهما. أن يسرق من مخيلتك الحلم، ومن فمك الصوت.

أي انفصام هذا الذي يقف خلف بابك، وفي الشوارع والساحات، في الحانات والبيوت. أخرج الآن من جرحك وقل أنت ألم، أخرج الآن من قبيلتك وقل أنت حرٌ. أخرج الآن من طائفتك وقل أنت مواطن، أخرج من حزبيتك العمياء ومن اعتقادك ومن يأسك ومن عصبيتك ومن انفصامك، انفصامك نعم. ومن كل قيودك ومن قن الديك، من سجن الخوف ومن علب الأيديولوجيا ومن صناديق العادة ومن منطق التأقلم. لم يعد الوقتأو بالأحرى حان الوقت. لتحرق مساحات من الأوهام ودفاتر من الوعود وغيوم من الخيبات، حان الوقت أن ترى ما لم تكن تراه، أن تتأمل في الوجه الآخر، من الزاوية التي لم تجرؤ أن تصل اليها، أن تستخدم كلمة كانت من المستحيلات، قل الآن «لا». العجز ليس قدراً، والخنوع ليس درباًصحيح، سيأتي الموت في أي لحظة، لكن كفانا انتظاره كالعجائز خلف النوافذ. كفانا مخاطبته في لغة الاستسلام، كفانا أرضاعه لأطفالنا، في بلاد الأرز، يتكاثر الموت، يسقط المعنى، موت في السياسة، وموت في كل زاوية، يتكاثر الفقر، ويتكاثر الاستزلام، وتتكاثر الطوائف، وتتكاثر الأصنام، في بلاد الأرز، تموت الكلمة وتموت المخيلة والهلوسة، ويموت الانسان. فكيف سنخرج من بيوتنا؟  هنا يكمن السؤال.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى