الوطن

الدعوة لمؤتمر دولي حول لبنان 
حقيقة أو لهزّ العصا…؟

} علي بدر الدين

لم تتلقف المنظومة السياسية الحاكمة في لبنان، أو معظمها على الأقلّ، الإشارات التخفيفية للمبادرة الفرنسية، التي اختصرها ما تضمّنه بيان وزيري خارجيتي أميركا وفرنسا المشترك، لجهة الشروط التي وردت في المبادرة الفرنسية، أقله في ما يتعلق بتأليف الحكومة، لأنها لم تلقَ التجاوب المطلوب من كثير من القوى السياسية، التي رأت في بعض شروطها فخاً للإيقاع بها، خاصة ما يتعلق منها بإقرار إصلاحات حقيقية على أيّ حكومة تشكل تنفيذها.

 البيان الأميركي الفرنسي أوحى بداية بالتفاؤل الحذر والإيجاببة المقنّعة، حتى وصل الأمر إلى تحديد بعض المتفائلين، موعد الولادة، الذي قد لا يتعدّى الشهر الحالي على أبعد تقدير، لأنّ اللبنانيين الذين فقدوا ثقتهم بهذه المنظومة منذ زمن، يعوّلون اليوم على توقف صراع المصالح الدولية والإقليمية، والتفاهم والتوافق على إراحة بعض الدول الصغيرة والفقيرة والضعيفة والتابعة والمرتهنة والفاقدة لقرارها طوعاً أو قسراً، ومن اعتمادها منصات أو جسور عبور لتوجيه الرسائل المتعددة الأهداف، وتدفيعها وشعوبها أثماناً باهظة من استقلالها وسيادتها واستقرارها واقتصادها، لأنّ حكامها المتعاقبين منذ عقود همّهم الوحيد السلطة والمال ومتفرّعاتهما، ولبنان واحد منهم.

«الإيجابية» التي طفت على الساحة السياسية الداخلية، وطغت على المشهدية الحكومية، تمثلت بتجميد السجالات واتهامات العرقلة بين الرئاسة الأولى والرئيس المكلف، والمكاتب الإعلامية لقصري بعبدا وبيت الوسط ونواب كتلتي «لبنان القوي» و»المستقبل» والمستشارين، في هدنة غير معلنة من الطرفين، بانتظار ما ستؤول اليه المبادرات المحلية، ومن أهمّها وابرزها وأكثرها قبولاً واستحساناً وجدية، مبادرة رئيس مجلس النواب نبيه بري التي يعوّل عليها كثيراً، لتسهيل الطريق أمام عملية التأليف، وربما الخروج من نفق الأزمة الحكومية التي طالت، وقد تأخد البلد إلى الأسوأ والأخطر، وهي تلتقي مع مبادرات أخرى سبقتها أو تلتها داخلية وخارجية.

غير انّ هذا لا يلغي وجود عقبات وعقد وشروط مسبقة، تسبق وضع التأليف على السكة الصحيحة، وتؤخر الولادة الطبيعية او القيصرية لهذه الحكومة العصية والمترنّحة على عتبة المصالح والتحاصص في الحقائب عدداً ونوعية، كما بإصرار البعض للحصول على الثلث المعطل فيها، عل التخلي عنه في خضمّ التقاسم يمنحه امتيازات إضافية كجائزة ترضية.

المؤشرات الداخلية، لا تزال تنحو باتجاه السلبية، لغاية اليوم، من أبرزها موقف المجلس السياسي للتيار الوطني الحر في ما يتعلق بالتفاهم المبرم مع حزب الله، وكأنه يوجه رسالة خاصة، يقلل فيها من نجاح التفاهم في بناء الدولة، مع \أانه يريد القول انّ الحزب يتبنّى موقف الرئيس المكلف، في محاولة ضغط من «التيار»، لتحسين شروطه الحكومية خاصة والسياسية عامة في الآتي من الأيام علّ وعسى يحقق ما يريده من التفافه المفاجئ على التفاهم، أو بداية إعلان التنصّل منه، في عملية قضم ممنهجة.

ربما كان هذا السيناريو سابق لأوانه، وليس وقته، ولكنه لا يخفي تحصيل مكاسب بالقطعة، أو بداية تدحرج كرة الثلج.

 المبادرات الداخلية والخارجية التي تتالت، يبدو أنها لم تصل إلى الرئيس المكلف الذي لا يزال يشرق ويغرب من دون معرفة الأسباب والغايات لغاية الآن أو ما هي الفائدة من جولاته المتكررة، خاصة أنّ المبادرات المقترحة المطروحة، قد تفي بالمطلوب، وقد تسهم بفتح أكثر من ممر عبور إلى تأليف الحكومة، وقد أدلى المعنيون بدلوهم وأفصحوا عن مواقفهم وآرائهم، ويمكن اعتمادها كقاعدة لانطلاق قطار التأليف، وفتح المجال لحلحلة العقد الداخلية بالتراضي، وبلا غالب أو مغلوب، إلا اذا كانت هناك قطب مخفية، ولا مصلحة لأحد في الكشف عنها وفكفكتها، وإلا لماذا لم يقطع الرئيس المكلف جولته الخارجية، والعودة إلى لبنان، الذي فيه ومن أجله وشعبه تتألف الحكومة، أو انه يدرك انّ هناك ضغوطاً كثيرة تتعدّى المصالح الداخلية الخاصة، وعلى علاقة بمصالح إقليمية ودولية، لإبتزاز لبنان المحاصر والمعاقب، وشعبه الفقير والجائع ومسلوب الإرادة والحقوق، والضغط عليه للتنازل عن حقوقه وثرواته النفطية، وإرغامه للقبول بما لا يمكن التخلي عنه من ثوابت وطنية وقومية ومن سيادة واستقلال.

لا تفوتنا، دعوة البطريرك بشارة الراعي الذي قال في عظته أمس «انّ جميع دول العالم تعاطفت مع لبنان، إلا دولته، فهل من جريمة أعظم من ذلك، وهذا يستوجب ان نطرح قضية لبنان في مؤتمر دولي خاص برعاية الامم المتحدة».

هل هذه الدعوة هي لتخويف المعنيين من السياسيين بتأليف الحكومة والطبقة السياسية الحاكمة برمّتها، ام أنه ينطق باسمهم وبالنيابة عنهم لما ستؤول إليه الأوضاع وانزلاقها بإتجاه الخطر الحقيقي على المصير الوطني برمّته؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى