أولى

حوارات القاهرة وحقائق الواقع…

 سعادة مصطفى أرشيد*

 

في جلسة جمعت لفيفاً من السياسيين والمثقفين المشتغلين بالشأن العام في الضفة الغربية المحتلة، لم يستطع هؤلاء تعداد كامل فصائل العمل الوطني الأربعة عشر، التي شاركت في حوارات القاهرة منذ يومين، إذ إنّ بعضاً من تلك الفصائل قد غاب عن الذاكرة بسبب غيابه عن الفعل، وأصبحت من لزوم ما لا يلزم، وعبئاً على فلسطين وأهل فلسطين، أخذ الانتماء إليها لا يعدو أن يكون بيروقراطية كسولة وغير منتجة. هذه الفصائل، كانت ضرورة عند أطراف الحوار الرئيسة (فتح وحماس) من أجل (الديكور)، افترض الفلسطيني أنّ الحوارات تهدف لبحث ما تحتاجه فلسطين في هذه المرحلة الدقيقة والحرجة، إلا أنّ الحديث ذهب في اتجاه آخر ووحيد، وهو الانتخابات، فالمتحاورون يرون أنها القضية الأهمّ وأنها التحدّي الأهمّ والأخطر الذي تجب مواجهته، وانه يفوق في أهميته تحدّي الاحتلال والاستيطان والضمّ، والانقسام وما يعانيه النظام الفلسطيني من ترهّل، وما تمرّ به منظمة التحرير من هزال وتهميش، وما تعانيه المسألة الفلسطينية من تآكل في المكانة والاهتمام، سواء عند عرب التطبيع أو عند بعض من أهلها.

بذلت مصر قصارى جهدها لعقد هذا اللقاء، ولتحديد مخرجاته والتحكم بها، رئيساً ومخابرات، وذلك أنّ لديها من الأسباب ما يدعوها لذلك، منها ما يتعلق بإدراكها ضرورة استرداد دورها الفلسطيني الذي أخذت قطر وتركيا تنازعانها إياه، ومنها ما يتعلق بتعزيز مكانتها أمام الإدارة الأميركية الجديدة والتي لا تنظر لها بعين الرضا، ومنها ما هو مرتبط بخصومتها مع جماعة الإخوان المسلمين والذي ينسحب ولا بدّ على جناح الجماعة الفلسطيني (حركة حماس)، ومصر تبدي قلقا مشتركاً مع الأردن من احتمال فوز حركة حماس بالانتخاباتوهو على ما يبدو تقدير الأمن المصري والأردني، الأمر الذي دعا مديري المخابرات الأردني والمصري لزيارة رام الله الأسبوع الماضي ولقاء الرئيس عباس، معبّرين له عن مخاوفهم من نتائج الانتخابات وواضعين تصوّراتهما لتعزيز قدرة فتح الانتخابية.

بدت وجوه المتحاورين باسمة حيناً، ووقورة وجادة حيناً آخر، وانتظر الفلسطيني أن تأتي النتائج بحجم الانتظار، تمنى الفلسطيني أن تبحث اللقاءات، مكامن قلقة، وأن تجيب على أسئلته، أن تنهي الانقسام البالغ من العمر أربعة عشر عاماً، وهي مسألة على طول عمرها ليست صعبة، ويمكن إنجازها بأقلّ وقت إنْ توفرت النيات وخلُصت. تمنى الفلسطيني أن يتمّ التوافق على إستراتيجية ولو متواضعة للوقوف بوجه الاحتلال، أو على الأقلّ أن يتمّ تقديم حساب عما تمّ إنجازه من ما قد توافقوا عليه في بيان لقاء الأمناء العامين الذي عُقد في بيروت في أيلول الماضي، واشتمل على وقف التنسيق الأمني والعمل باتفاق باريس الاقتصادي، وذهب إلى إطلاق انتفاضة سلمية وتشكيل غرف عمليات، وكلّ ذلك لم يتحقق منه شيء، لا بل وإنما حصل ما يعاكسه، كما كان يحصل دائماً في التعامل مع قرارات المجلس المركزي.

صدر البيان الختاميّ من خمسة عشر بنداً، ولم يخرج عن نمطية البيانات التي تصدر في العادة باستثناء مقدّمته المحكومة بالجغرافيا، إذ أرسل التحايا وأزجى الشكر لمصر رئيساً ومخابرات، أما في البنود ففيها ما يؤكد على الانتخابات فقط، وجاءت البنود وكأنها لوائح انتخابية، فيما تمّ ترحيل كامل الملفات الخلافية الأخرى إلى مراحل لاحقة، أولها في آذار المقبل، لمناقشة إعادة تشكيل المجلس الوطني الفلسطيني، حيث يتربّص شيطان الخلاف الحقيقي، ويهدّد بنسف كلّ ما سبقه، كما تمّ ترحيل مسألة خلافية مهمة أخرى، وهي المحكمة الدستورية، التي تعمل في خدمة السلطة التنفيذية، وتملك من الصلاحيات أن تتدخل في صلب العملية الانتخابية ترشيحاً ونتائج.

افترض لقاء القاهرة أنّ الانتخابات هي المفتاح الذهبي القادر على فتح الأبواب لحلّ كلّ المشكلات، وعلى رأسها الوحدة الوطنية، والبرنامج السياسي الجامع، وإعادة بناء منظمة التحرير، انه وضع العربة أمام الحصان، فالانتخابات تبدو أنها ستعزز الانقسام وتعمل على تجذيره عبر إدارته، ليصبح كلّ طرف من طرفي الانقسام بما لديه فرحاً ومكتفياً، وتهدف في ما تهدف إلى تجديد شرعيات قيادات موجودة، انتهت صلاحية شرعيتها بفعل تقادم الزمن، واستبدال من غادر عالمنا الأرضي بسبب الشيخوخة وانتهاء الأجل بمن يقوم مقامه ويؤدي دوره، ولعلّ الأهمّ هو أنّ تجديد هذه الشرعيات مطلوب للعودة للتفاوض، الذي هو عقيدة سياسيّة راسخة في عقل القيادة المتنفذة في السلطة ومنظمة التحرير.

تجاهل البيان الختاميّ كثيراً مما لا يجوز تجاهله، والأهمّ أنه قفز عن حقائق موجودة على واقع السياسة، أهمّها الاحتلال الجاثم على الأرض، والذي هو صاحب الكلمة الأخيرة في السماح بإجراء الانتخابات، وتبدي حكومة الاحتلال ومنسّقها في الضفة الغربية حتى الآن تجاهلاً وصمتاً مريبيْن في عدم التعليق لا إيجاباً ولا سلباً إنْ كانت تؤيد أو تعارض الانتخابات، وكأنّ الأمر لا يعنيهم.

أودّ الإشارة إلى أنّ صديقاً اقترح عليّ أثناء كتابة المقال، بأن أقرأ مقالاً نشر في صحيفة محلية أورد منه ملاحظة، إذ يقترح كاتبه على المتحاورين المتصالحين، أن يكملوا عملية تصالحهم بالتصالح مع شعبهم ومع مواطنهم الحائر، الذي يدفع الثمن

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

*سياسي فلسطيني مقيم في جنينفلسطين المحتلة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى