الوطن

الإمام الخميني
تراث أم معاصرة؟

} د. محمد طي

أقام الإمام الخميني نظاماً سياسياً جديداً هو نظام الجمهورية الإسلامية، ولم يقم نظام الخلافة أو السلطنة أو الإمارة، كما لم يقم نظام الدولة العلمانية على الطريقة الغربية. فما الذي فعله؟

من المعلوم أنّ العرب والمسلمين عامة وأمم أخرى في العالم الثالث تعيش نظرياً في متاهة البحث عن نظام سياسي، هل تنسخ نظم الغرب، أم ترجع إلى تاريخها فتنبش مؤسساته وتعيدها وتفرضها؟

وفي بلادنا، ما زلنا نواجه المعضلة نفسها. وقد عرفنا ما أطلق عليه تسمية «فكر النهضة» منذ أواخر القرن التاسع عشر. لكننا أقمنا أنظمة سياسية، في الأعمّ الأغلب، منسوخة عن نظم الدول الغربية التي كانت تستعمرنا، فيما بقيت أنظمة قليلة قائمة على المؤسسات القديمة، من حكومات تغلب، ممالك وإماراتقامت بشكل عام على القهر والغلبة. لكن الانفصام بقي قائماً في العمق بين فكر «النهضة» وبين الأنظمة الحاكمة التي كان همّها الإمساك بالسلطة ولو من يوم ليوم معتمدة على القوة.

في أوروبا التي تطوّرت، بدأوا نهضتهم، ردّة فعل على الأفكار والمؤسسات الكنسية التي كانت تكبّلهم في المجال الفكري والعلمي والفني، بالعودة إلى الزمن القديم l’Antiquité الإغريقية الرومانية التي كانت لها الهيمنة في المناطق التي أسّست فيها الدول الأوروبية، وبنوا عليها فكرياً وأدبياً وفنياً. وساعدهم على الصعيد المادي اللجوء إلى الأساليب التجريبية، فأنجزوا اكتشافات واختراعات تدرّجت وتسارعت وصولاً إلى ما نشهده اليوم.

أما المسلمون وشعوب العالم الثالث، فإما أنهم تحجّروا في الماضي، وإما أنهم انقطعوا عن جذورهم وضاعوا وانخرطوا في لعبة تغيير الأنظمة بالانقلابات العسكرية غالباً متردّدين بين تجارب «رأسمالية» أو «اشتراكية» مع التشويهات التي كان لا بدّ من أن تلازمها كونها تقتلع من بيئة وتغرس في بيئة غريبة بالنسبة إليها. لكن المراوحة استمرت والتخلف تأبّد إلا في دول محدودة لها ظروفها الخاصة، كنمور آسيا، مثلاً التي تقدّمت اقتصادياً بشكل ملحوظ.

ما أتى به الإمام الخميني أمر جديد، فهو استوعب التراث الاسلامي في قواعده وتجاربه الناجحة، لا ليكرّسها ويتبناها، بل ليبني عليها، على قاعدة أن الثوابت الفكرية المتعلقة بالأساس هي ثابتة، وتتغيّر الأشكال بحسب الظروف والإمكانيات العلمية والتكنولوجية والظروف الموضوعية المادية والروحية.

أقام الإمام جمهورية، وبهذا يستجيب لمعطيات العصر الحديث، لكن على أساس تطبيق لمبادئ الاسلام مكيفة في الأشكال والتفاصيل مع متطلبات العصر. بهذا استطاع أن يكسب الجمهور المسلم، وحتى غير المسلم المتديّن عموماً وأن يبني دولة قوية عادلة قادرة على التقدم فتمكنت في ظرف ثلاثة عقود، ورغم محاربة القوى الإمبريالية الاستكبارية الشرسة لها، من أن تنتصر على آثار حرب ثماني سنوات، دمّرت الكثير من بناها التحتية، وأن تنجز ما أنجزته أوروبا خلال قرون.

 إنّ ما تتمتع به إيران اليوم من قوة عسكرية ومن تقدّم علمي وصناعي وتكنولوجي، يشعّ على قوى الحرية والتقدّم في المنطقة، يضاهي ما تتمتع به الدول المتقدمة، ولولا الثورة لكان مستواها كمستوى دولنا العربية التي تضاهيها حجماً سكانياً وجغرافياً أو تفوقها من حيث الثروات الطبيعية، التي ما زالت بحاجة لشراء الكثير من منتجات التكنولوجيا العالمية وأحياناً من أبسطها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى