مقالات وآراء

ناشطون برتبة عملاء

 شوقي عواضة

عندما تتحوّل خيانة الوطن والأمة إلى وجهة نظر يوهن الوطن ويضعف، وعندما يصبح التجسّس حرية رأي وتعبير يرفعونه عنواناً ليستبيحوا به لبنان وشعبه، ويشرعوا الأبواب للمزيد من العقوبات والإعتداءات عليه، تتحوّل الديمقراطية إلى عملية ارتزاق، ويتحوّل الوطن إلى سلعة يعرضونها للبيع بالمزاد العلني على أبواب السفارات لمن يدفع أكثر ويعطيهم امتيازات أكبر، مستثمرون في كلّ شيء، في الحروب والدم والمواقف والفتن، وفي لقمة الفقراء والمسحوقين تختلف وجوههم وتتعدّد صفاتهم، لكنها تحمل ملامح واحدة هي ملامح العمالة للعدو والتآمر على الوطن.

اعتلوا ثورة الفقراء وأغلبهم لا يعرف وجهاً للفقر ولا طعم ولا لون، أعلنوا الحرب على الفساد وهم أكثر الناس فساداً وإفساداً حوّلوا بعض الإعلام إلى أبواق تضليل وتجهيل فاغتالوا الثورة والإصلاح وداسوا على أمل الفقراء واغتالوا أحلامهم البسيطة، أبهروا الناس بديمقراطيتهم وهم الأكثر ديكتاتورية والأكثر عنفاً وحقداً على لبنان وشعبه ومقاومته وهم الأكثر استثماراً للدم عند إفلاسهم، وإذا ما انطفأت شعلة حريتهم الكاذبة أوْقدوها بالدم لتأجيج حضورهم ولتحقيق مكاسبهم وعدم خسارتهم لامتيازاتهم وهباتهم من السفارات، فلم يتركوا منبراً أممياً إلا اعتلوه تحريضاً على حزب الله، كما عقدوا اجتماعات ولقاءات حتى مع بعض قيادات العدو الاسرائيلي بحجة إنقاذ لبنان الذي دمّره العدو الاسرائيلي ولا يزال يطمع بأرضه ونفطه، أطماع اصطدمت بصلابة لبنان القوي وبمقاومته التي أذلت أرفع نخبة من جنوده وضباطه

إذا أجرينا قراءة في تاريخهم الأسود لاستثماراتهم في الوطن لوجدنا أنّ الوطن بالنسبة إليهم ليس سوى مصنع إسمنت وتعهّدات والتزامات بأجندات أميركية وإسرائيلية ودولية للقضاء على ما تبقى من الدولة المحاصرة بفضل عبقريتهم واجتهاداتهم الخيانية التي كانوا يرفعونها كاقتراحات تغيير للسفارة الأميركية وغيرها، تحت اسم حقوق الإنسان ومنظمات المجتمع المدني (ngos) وحوار الأديان فتكاثرت شركات الاستثمار باسم الدين والإنسان لتدمير لبنان وإثارة الفتن والنعرات الطائفية ودسّ الدسائس. كلّ ذلك كان بالنسبة إليهم عملية تغيير ديمقراطية الهدف منها إسقاط الدولة والمقاومة معاً، وتجريد لبنان من كلّ عناصر القوة والتلويح بالبند السابع الذي أصبح جزءاً من تاريخهم المهزوم تنفيذاً لرغبة مشغلهم الأميركي الذي ارتأى بناءً على دراساتهم وتقاريرهم فرض العقوبات على لبنان وشعبه حلاً بعد إفشالهم لعملية الإصلاح السياسي والاجتماعي من خلال محاولة تجيير أحلام الفقراء وثورتهم التي قضوا عليها وفي ظلّ عجزهم النيل من المقاومة وسلاحها في لبنان الذي كان ولا يزال منارةً للتنوع والحريات والديموقراطية التي لم ولن تراها جمعيات الـ ngos إلا في حال إرضاخ لبنان للأجندة الأميركية الاسرائيلية. فلبنان الذي هزم جيش العدو الاسرائيلي في عامي 2000 و 2006 بثلاثية صموده الجيش والشعب والمقاومة، ودحر العدوان الإرهابي والتكفيري وهزمه شر هزيمة بتضحيات شهدائهأفقد أيتام السفارات صوابهم في ظلّ تراكم الانتصارات مقابل تنامي هزائمهم وتفتت مشروعهم لا سيما (شيعة السفارة) الذين يشتمون ويحرّضون على حزب الله من بيوتهم ومكاتبهم المنتشرة في الضاحية الجنوبية والجنوب والبقاع، وعلى رأسهم (الناشط) لقمان سليم الذي نستنكر جريمة قتله التي شكلت استثماراً جديداً للدم سواء كانت الجريمة على خلفية جنائية أو سياسية مخابراتية للتخلص منه بعد فشله في خلق بيئة معادية للمقاومة التي كانت عدوه اللدود وفقاً لمعتقداته، وإذا أردنا إيجاز إنجازات لقمان سليم (الناشط المدني) و(الشيعي المعتدل)! وفقاً لما نقلته وثائق ويكيليكس لوجدناها كالآتي:

1 ـ شكل لقمان سليم المصدر الدائم للمعلومات وفقاً لتصريحات السفارة وكان الحاضر الأكبر للإجابة على كلّ الأسئلة وتقديم كلّ ما هو جديد.

2ـ استطاع سليم المقيم في الضاحية الجنوبية لبيروت أن يعمل تحت غطاء عناوين بريئة كناشط في المجتمع المدني ورئيس لجمعية (هيا بنا) غير الحكومية المموّلة من الحكومة الأميركية أو كانت مهمته الأساسية خلال عامي 2008 ـــ 2009 تتراوح بين الإخبار وتقديم النصح للأميركيين في خططهم السياسية، وتجميع معارضين لـحزب الله وحركة أمل وربطهم بالسفير الأميركي.

3 ـ وفقاً للبرقية ذات الرقم (08BEIRUT919) اقترح سليم في عام 2008 تأسيس «التجمع الشيعي الأعلى» برئاسة المعمم علي الأمين، «بهدف مواجهة» المجلس الشيعي الأعلى الذي كان يطمح لرئاسته، وطالب سليم «بتقديم كلّ الدعم للأمين وتجمعه بغية تمكينه من توفير خدمات اجتماعية لمنافسة حزب الله في المناطق.

4 ـ اجتماعه بمستشار رئيس الحكومة الصهيونية بنيامين نتنياهو في واشنطن، وقد كشفت البرقية التي تحمل الرقم (08BEIRUT750) أنّ سليم يتوق لمتابعة الحوار بشأن العرض الإسرائيلي مع معهد أسبن الذي عرض توفير الشق العملاني من فكرة اللقاء.

5 ـ أنجز سليم انعقاد حلقة نقاشية تحت عنوان فكّ شيفرة حزب الله بتمويل أميركي وبالتعاون مع مركز الإمارات للسياسات بحضور جوقة السفارات.

6 ـ شكلت تقارير (الناشط المدني) لقمان سليم قاعدة للأميركيين في عملية فرض العقوبات على لبنان وبعض السياسيين وكان له حصة الأسد في تقديم المعلومات.

7 ـ حرّض سليم على القتل الجماعي من خلال دعوته لتشكيل حلف عسكري للقضاء على حزب الله وبيئته.

بالرغم من كلّ تلك «الإنجازات» التي قدّمها سليم لم يستسغه جيفري فيلتمان ولم يحظَ بالرعاية الأميركية التي كان يتمناها في ظلّ وجود أشخاص أثبتوا ولاء أكبر للسفارة، ثم لم يجنِ منها سوى الإفلاس والهزيمة التي مُني بها بحياته قبل موته بعد تخلي الداعمين له عنه، والسؤال هنا: لماذا استبقت جوقة السفارات وإعلامها التحقيقات وتوجيه الاتهام لحزب الله؟ وقبل ذلك لماذا لم تستدعِ الدولة وفقاً للقانون لقمان سليم ومن معه من (ناشطين) ولم تحاسبهم على لقاءاتهم بمسؤولين إسرائيليين وفقاً للمواد المنصوص عليها في قانون العقوبات بشأن التواصل مع العدو؟ حتى شكل التراخي في تطبيق القوانين حافزاً للبعض من أجل التواصل مع العدو، وفي هذا الإطار لا بدّ من التذكير بقضية العميل عامر فاخوري وما حصل فيها، كذلك قضية المعمم علي الأمين الذي التقى بالحاخام الأكبر للكيان الصهيوني شلومو عمار في البحرين، وسُجلت بحقه دعويان مدنية وعسكرية منذ سنة ونصف السنة، لم تفتح القضية، ولم يخضع للمساءلة والقضاء، لأنه يعتبر نفسه فوق القانون والقضاء؟ أمام ذلك لا بدّ من العودة إلى تطبيق القوانين والحدّ من التمادي في الاستفزاز الذي يمارسه هؤلاء وإثارة النعرات والتحريض الداخلي والخارجي ولا بدّ أن يشكل مقتل لقمان سليم محطةً لإعادة اعتبار المحاكمات واستكمال التحقيق، والكشف عن القاتل ومحاكمته، لكن هذا لا يعني بأن تسقط عن لقمان سليم تهمة الخيانة والتحريض على القتل والتواصل بالعدو الاسرائيلي، فما لقيصر لقيصر وما لله لله.

أما المقاومة التي قدمت الشهداء وحرّرت الوطن وصانت الأرض والعرض والتي لم ولن تدخل في حروب أو عمليات مشبوهة فهي أرقى وأنقى وأطهر من كلّ الذين يحاولون تشويهها وشيطنتها ومن الغباء أن لا يدرك البعض أنّ المقاومة التي دحرت جيشاً بمستوى جيش العدو الاسرائيلي وسحقت إمارات داعش والإرهاب ودافعت عن الكنيسة كدفاعها عن المسجد لن يهزمها أذناب صنّاع داعش وغيرها، وعليهم أن يقرأوا تقديرات القيادات السياسية والعسكرية النخبوية الأميركية و«الإسرائيلية». وعليهم الإدراك أنّ المقاومة التي بُنيت على عقيدة وفكر عميق لا يمكن أن تُهزم مهما تآمروا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى