الوطن

الحكومة تائهة
 بين الثوابت
والشروط واللاءات…

 

} علي بدر الدين

لم يفاجأ اللبنانيون، ولم يشعروا بالصدمة الإيجابية المنتظرة، باللقاء السادس عشر بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والرئيس المكلف سعد الحريري في قصر بعبدا، بعد غياب ومقاطعة ورشقات من الاتهامات وتحميل المسؤوليات من العيار الثقيل وصل صداها إلى خارج الحدود، من دون أثر أو مفاعيل، أو استجابة من دول صديقة أو شقيقة، قريبة أو بعيدة، وفق المثل الشعبي «تيتي تيتي مثل ما رحتي متل ما جيتي». وفي المقابل، «على حطة إيدك»، يعني بصراحة «حركة بلا بركة» وتعقيدات وتأزّم أكثر، وانسداد الأفق أمام أيّ مخرج أو حلّ للأزمة الحكومية المترنحة والمتفاقمة، إلى حدّ لا يمكن التوقع بعد اللقاء الأخير، بانه سيتكرّر ويشتغل العداد حتى الوصول إلى الخواتيم السعيدة.

هذا اللقاء الذي لم يكن مثمراً ولا منتجاً، وهذا ما كان متوقعاً منه، لكنه نجح شكلاً وصورة ومشهداً عابراً في سياق عدم الثقة المتبادلة، والثبات على المواقف والمصالح والحصص والصلاحيات، وفق الاجتهادات القانونية والدستورية والعودة إلى نصوص اتفاقي الطائف والدوحة، علها توفر الغلبة لأحد الفريقين، في هذا النزاع على جنس ملائكة الحكومة العصية على التأليف وفكفكة ألغازها، وكشف مستورها، رغم كثرة المبادرات المحلية والخارجية، ومن أهمّها وأبرزها المبادرة الفرنسية، التي بلغت رتبة القداسة والمغطاة أميركياً، ولكنها بقيت عاجزة عن تحريك مياه الحكومة الراكدة، او التقدّم خطوة واحدة لحلحلة عقد التأليف، وإعادة الثقة المفقودة بين قصري بعبدا وبيت الوسط.

 قيد الأنملة الوحيد، الذي يسجل للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ونجح فيه، انه في زيارة الحريري السابقة أمّن التواصل الهاتفي بين الرئيسين، وبعد هذه الزيارة التقيا، من دون أن يكون لديهما أيّ جديد، سوى المعلن عنه، من شروط ومطالب ضجّ بها العالم الإقليمي والدولي، من دون أن يذوب ثلج أيّ مسؤول، ويظهر مرج الأمل والرجاء والتفاؤل. ويبدو أنّ الرئيسين في لقائهما على عجل بعد عودة الرئيس المكلف من جولته الخارجية، والذي كانت محطته الأخيرة على طاولة عشاء الرئيس الفرنسي، اتفقا على إرضائه والاستجابة لطلبه، بعقد هذا اللقاء المكمّل للقاءات السابقة، «أحسن من بلاش» حتى لا يُقال إنّ ماكرون غير قادر حتى على تأمين لقاء بين الرجلين، أو يعود الرئيس المكلف خالي الوفاض.

كان الشعب اللبناني يتمنّى عدم حصول هذا اللقاء في هذا التوقيت الفارغة جعبه من أية إيجابية، ولأنّ سلبياته الكثيرة طغت على المشهد السياسي العام، وساهمت بطمس الحكومة والحقيقة، وعقدت الأزمة، وأطاحت بكلّ انفراج وأمل وبولادة الحكومة التي أصبحت في عالم الغيب والنسيان والأفول، حتى زمن آخر قد يطول كثيراً، وربما الى ما بعد الاستحقاقين الانتخابيّين، النيابي والرئاسي المهدّديْن بعدم حصولهما، وقد يكون التمديد هو الأوفر حظاً، على الأقل نيابياً

زاد طين الحكومة بلة، ما صدر من مواقف إثر اللقاء الذي فاحت منه رائحة المقاطعة، وانعدام اللقاءات، أقله في المدى القريب، واستمرار كلّ طرف بالتمسك بما أعلنه على مدى أشهر، حيث بعبدا مُصرّة على ثوابتها وصلاحياتها وشروطها التي لن تتنازل عنها، وكذلك بيت الوسط مُصرّ أيضاً على لاءاته المتمثلة، بحجم الحكومة، ورفض الثلث المعطل، وان تكون الداخلية والعدل من حق رئيس الجمهورية.

على حلبة تأليف الحكومة، يتواصل الكباش الرئاسي الثنائي أو الثلاثي من دون أيّ أفق لنهايته، إلا إذا حصلت تنازلات متبادلة، لصالح البلاد والعباد، وليس لمصلحة أحد اياً كان موقعه وسلطته ونفوذه، خاصة انّ البلد ينهار ويتهاوى، والشعب يفقر ويجوع، ويفتك فيه وباء كورونا، والمبادرة الفرنسية فشلت لغاية اليوم في ترجمة ولو القليل من مضمونها، ويبدو انّ الرئيس ماكرون أصيب بعدوى سياسة التراضي اللبنانية ولا يريد أن «يزعل» منه أحد الرئيسين، ولن يكون ملكاً أكثر من اللبنانيين، الذين عليهم الاتفاق على مخرج من نفق الأزمة الحكومية وغيرها، و»من طلع القرد ع الشجرة ينزلو وينزل معه».

في المحصلة لا ولادة للحكومة التائهة بين ثوابت بعبدا ولاءات «بيت الوسط». ويبدو أنّ أوانها لم يحن بعد، ولن تبصر النور قبل توافق المصالح على مستوى الداخل والخارج…!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى