أولى

لن ينطفئ قنديل طلعت العبدالله
فارس الوطن والاغتراب والأدب

علي بدر الدين

ترجّل الأديب والمفكر والروائي طلعت العبدالله عن صهوة إبداعه وتميّزه ونجاحه، ولم يسقط، أو تطوى صفحاته العابقة بالفخر والاعتزاز والعطاء، والمواقف الشجاعة المؤثرة التي تنبض بالحياة وتنضح بالثقة، وتدوم وتثمر رغم غياب الجسد.

إنّ طلعت العبدالله، ليس شخصاً عادياً عبَر الدنيا، أو جفّ فيها وجوده وحضوره، أو انتقل إلى عالم النسيان، وأفل نجمه وغابت شمسه وانطفأ قنديله وهو الذي حفر النجاح بإبرة الإيمان والصبر والارادة، وأنبت زرعه خيراً وفيراً، كمّاً ونوعاً، لأنّ البذرة المؤصّلة أنتجت أصالة ورقياً واحتراماً، وعائلة وأبناء أصلاء مؤمنين مقدّرين، انتهجوا دروب الصدق والحق والخير والعطاء، ولم يحيدوا عنها ولو قيد أنملة.

إنّ طلعت العبدالله الذي وافته المنية جراء مضاعفات كورونا، كان رائداً من رواد الاغتراب، ومن كبار رموزه الناجحين في مجال الأعمال والتجارة والصناعة، وهو السبّاق في إطلاق الأدب المهجري الأفريقي، وقدّر له أن يكون أوّل من زرع بذرته، وسقاها ونمّاها من مخزونه الثقافي والمعرفي والقيَمي، الذي تجسّد بإصدار الروايات والقصص التي صدرت توالياً خلال السنوات العشر الماضية، والإصدار السادس توقف مع جائحة كورونا، ولكن نجليه سلام ومنح سيصدرانه قريباً.

هذا النتاج الأدبي والنوعي، لم يكن وليد صدفة، أو مجرد هواية، وليس الغاية منه تسطير حكايات وسردها لتحكي عن تجارب شخصية، عاش فصولها، على مدى عقود من الغربة، ولم تكن للتباهي بنجاح أصابه في مجالي المال والأعمال في أفريقيا وفرنسا ولبنان، وحصد منهما، شهادات تقدير وجوائز عالمية مذهّبة من باريس 2005 وفرانكفورت 2009 وماسية في لندن 2011.

الهدف من الانكباب على  الكتابة والعودة إلى الجذور، أراده رسالة إنسانية وجدانية وأخلاقية، معمّدة بالآلام والآمال، وعبَر من خلالها عن رحلة الإنسان اللبناني وكفاحه المستمرّ منذ البدايات الأولى لرحلة الهجرة والعذاب.

أراد لإبداعاته وتجاربه بنجاحاتها وإخفاقاتها، ان تحيا في بطون الكتب علّ الاجيال المتعاقبة التي تنشد الهجرة والارتحال تقتفي أثرها وتستفيد منها وهي تعبر جسور الجلجلة.

 كان إبناً وفياً، مطيعاً لوطنه واغترابه وبلدته الأحب على قلبه الخيام ولناسها الطيّبين، وقد أنجز الكثير في مجالات العمل والإبداع الفكري والثقافي، وحمل اسم لبنان إلى العالمية وقد ترجمت بعض رواياته إلى الانكليزية والفرنسية، كما استحقّ جوائز مذهّبة وماسية من دول أوروبية كفرنسا وألمانيا وبريطانيا وكذلك في أفريقيا.

ألم يكن العبدالله يستحقّ التكريم والتقدير والأوسمة والدروع من وطنه، وهو في قمة عطائه، وفارساً مقداماً على صهوة جواده؟

انّ الكبار أمثالكم أيها الراحل لا يموتون، وبفضلكم لن يموت الوطن، لأنّ صفحاتكم االناصعة ستبقى دائماً مفتوحة على نهج العطاء والإبداع والكلمة الطيبة والموقف الوطني الشجاع، ولأنّ جيلكم، هو جيل الأصالة والخير والصدق.

ستبقى حياً، حاضراً رغم غيابك، ورمزاً لكلّ الحالمين بالعودة، التائهين من هذا الوطن المنكوب منذ ولادته، الذين ضاقت بهم مشارق الأرض ومغاربها، يدفعون باهظاً بسبب النظام السياسي الطائفي والمذهبي والسلطوي والتحاصصي، الفاشل والعاجز، وهم يبحثون عن رزق مأمول أو مجهول.

رحلت، وقد أدّيت قسطك للعلى، لكنك ستبقى كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى