أولى

صراع الديكة… إلى متى؟

بشارة مرهج*

 

لو كانت الوزارة، في شرع الفئات الحاكمة موقعاً للخدمة العامة وتنمية المجتمع وتحسين سمعة البلاد لتسابقت تلك الفئات على التفاهم في ما بينها لتأليف الحكومة وتهيئة كلّ الظروف التي تمكّنها من الانطلاق وأداء مهامها الاستثنائية، لا سيما في فترة المحنة والانهيار التي تشهدها البلاد اليوم.

لكن، لما كانت هذه الوزارة في شرع هذه الفئات الحاكمة موقعاً لصرف النفوذ وبلاطاً للتسلط ومنصةً لمراكمة الثروات فمن الطبيعي أن يكون الخلاف في ما بينها سيد الموقف، ومن البديهي أيضاً أن يتنافس هؤلاء للإمساك بهذه الوزارة الدسمة أو تلك، بصرف النظر عن الخسائر الفادحة التي يمكن أن تلحق بالبلاد وأهلها واقتصادها جراء هذا الصراع الذي أصبح ماركة لبنانية مسجلة ومعروفة في العالم كله، وموضوع تندّر بين الناس المتابعين لصراع الديكة اللبناني، هذا الصراع الذي فاق بضراوته وإثارته صراع الديكة المكسيكي.

وهنا لا مشكلة في الدماء الغزيرة التي تهرق، ولا مشكلة في الأموال الوفيرة التي تهدر. المهمّ تحقيق الانتصار ولو على أرض محروقة.

أما الأدهى من كلّ ذلك فهو شعور كلّ فريق بأنّ من حقه، في حمأة المعركة، المغامرة والمقامرة بكلّ شيء وكأنّ البلد بمؤسّساته ملك خاص يتصرّف به كما يشاء، ودائماً تحت غطاء دستور يئنّ ويترنّح جراء دراسات متضاربة واجتهادات متناقضة.

أما مجلس النواب الذي احتفظ لنفسه بحق تفسير الدستور فهو لا يجد ضرورة الآن لطرح تفسيره الذي يحسم الأمر بين الأطراف المتصارعة داخل السلطة التنفيذية. فالمجلس غير مستعجل لطرح هذا التفسير الحيوي مثله مثل لجنة المال والموازنة التي تعتبر أنه لم يحن الأوان بعد لاستدعاء حاكم مصرف لبنان ومساءلته عن امتناعه، عن الإفراج عن حسابات البنك المركزي وكلّ الحسابات التي باشر الغرب باسم سويسرا التدقيق فيها. علماً بأنّ الجميع أصبح في الداخل كما الخارج مقتنعاً بأنّ التدقيق المحاسبي الجنائي هو الطريق الى المعرفة وهو السبيل الى الإصلاح وهو المدخل لإنقاذ بلد يموت ألف مرة في اليوم.

أخيراً صدق من قال: إنّ من لا يعرف التنازل تجاه بلده فهو حكماً غير مؤهّل لإدارة شؤونه. فليس المهمّ ان تتحصّن بنصف الحقيقة وإنما المهمّ أن ترى الحقيقة بتفاصيلها كلّها.

*نائب ووزير سابق.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى