أخيرة

في سورية..
للحب حكاية فريدة!

} ليلى صعب

ينتصف شهر شباط، وتبدأ بشائر الربيع بالتسلل إليّ، تنبئ برحيل الشتاء، أحاول جاهدة إقناع نفسي بميزات الفصل البارد، لكن عبثاً، الصقيع وقلة الضوء والشجر العاري يخطف روحي، فأعاني الاكتئاب الشتوي، بخاصة وأنا أداري نباتاتي وأراقبها وهي تعاني مثلي كي تحافظ على روح الحياة حتى بداية الربيع.

أهبط الجبل، أقترب من مشارف المدينة أجتاز الشوارع التي تستر برد روحها بغلالات حمراء، ألعاب ودببة وأزهار كلها تشتعل باللون الأحمر وتشتعل معها جيوب اللاهثين وراء المشاعر، في زمن بات فيه كل شيء معلباَ مستورداً.

من قال إن الحب تحكمه أيام وأعياد ومناسبات؟

ومن قال إن الوردة الحمراء المستوردة، التي فقدت عبيرها وحدَها رسول المحبين؟ أليس النرجس الأبيض بأحداقه الصفراء الذابلة أشدّ توهجاً؟

بيني وبين الرابع عشر من شباط حكاية تحكى، لكن لا علاقة لها بالحب بمعناه الشائع الملوّن بالأحمر.. هذا اللون الذي كوى قلوبنا وحياتنا وخطف أحبتنا على مدى سنوات؟ فصار رمزاً لمن يعشق حبيبته الأرض فيهديها دمه.

منذ أكثر من عشر سنوات كنت أطلّ على الشاشة في هذا اليوم وعبر محطات مختلفة، كي اقدّم فقرتي الفنية الجميلة التي تتوجّه للأسرة والطفل والشابة، فأحاول إيقاظ المواهب والمشاعر، وكنت أقدّم اقتراحاتي لهدية رمزية تشغَل بحب وتقدَّم بحب ولا تحوّل المناسبات السعيدة الى كابوس. كنتُ أحذّر من ثقافة الاستهلاك، ومن فقدان الألفة والتعاضد بين أفراد الأسرة والمجتمع ومن ثم الوطنولكن صوتي أخرسته تيارات العواصف التي اقتلعت حقولنا.. وقمحنا وزيتوننا وعادت تصدِّر إلينا علبها الجاهزة التي لا تشبهنا.

في الرابع عشر من شباط في السنوات الأخيرة كان يشغلني مشهد هو الحبّ بأسمى صوره، هو الحب الحقيقي، الذي لا يعرف الرياء، ولا الألوان ولا الأيام، الحب الذي جسّده أهلنا في الجولان لأرضهم، هؤلاء الذين أعادوا للحب معانيه وكبرياءه وهم يمرّغون جبهة المحتل الغاصب، ويرفضون هويته الملوّثة بدم الأبرياء.

تأسرني تلك الرهبة التي كانت تلفّ المنزل ونحن نتسمّر أمام الشاشة أطفالاً نتابع أخبار الإضراب، نشهد العشق الحقيقي في أعين أهلنا الدامعة فخراً وكبرياء، وهم يشهدون معركة الكرامة التي يخوضها أهل الجولان وهم عزّل من كل سلاح إلا من انتمائهم الوطني، وإرثهم النضالي، وهم يرفضون التهجير ويقاومون المحتل في محطة على درب نضالاته المغرقة بالعراقة.

يستمر الإضراب وتسقط ارادة العدوان، يمزقون الهوية الصهيونية، تنسج الأمهات أعلام الوطن بخيوط من نور، يتضوّر الأطفال جوعاً، ويُستشهد الكبار مرضاً ومعاناة، لكن لا بديل عن الهوية العربية السورية.

فأيّ عشق بعد هذا العشق وأيّ حب يرتقي الى هذا الحب؟..

تشمخ قامات الشهداء تمتشق الشمس وتهدي الضياء للكون..

ردّوا أزهاركم المستوردة فأرضي تصدّر الحب للكون، في الفصول كلها، والأيام كلها.

لمّوا هداياكم واتركوا لي حذاء شهيد أو رسالة أسير.. أو علماً حاكته أمّ مناضلة على ضوء الشمع.

تعالوا كي تفتحوا مدرسة للحب.. وتتعلّموا كيف يكون العناق وكيف يزهر الحب على أرضنا وربانا وجبالنا

كل عام وأنتم الحب

كل حب وأنتم العيد

كل آن وأنتم راية المقاومة وثقافة الانتماء..

# المقاومة_ثقافة_وانتماء

# الجولان_عربي_سوري

# القدس_العاصمة_الأبدية_لفلسطين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى