الوطن

الأميركيّون لا يريدون الآن حكومة لبنانية

 

} د. وفيق إبراهيم

إذا كان الأمر على هذا المنوال، فماذا يفعل رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري في قطرولماذا يتحضّر لمزيد من الزيارات الأوروبية والروسية والعربية.

الإجابة الفورية تصدم السامع وهي أن السعد يدور في فراغ غير مفيد من دون ان يستطيع اصابة الهدف وهو زيارة السعودية، فهل من المعقول ان يكون سعد الحريري عند وزير خارجية قطر ولا يتجرأ على الاقتراب من حدود السعودية، في ما السفير السعودي البخاري يزور دار الفتوى ويستقبله مفتيها دريانهل تراه لم يسأله عن موضوع الحكومة مكتفياً ببعض الهدايا لدار الإفتاء أم أنه سمع ردوداً لم تعجبه حول الموضوع الحكومي فاستبطنها لأنها ليست للتداول وقد يؤدي الكشف عنها الى غضب سعودي قابل للتصاعد.

بذلك يتضح أن هناك رغبة فرنسية وروسية لحكومة جديدة في لبنان مقابل رفض أميركي سعودي يصرّ على إرجاء عملية التأليف.

لماذا؟ يعتقد الاميركيون أن تأليف الحكومة الآن يمنح حزب الله دوراً كبيراً فيها لاعتبارات داخلية يشكل فيها الحزب القوة الأساسية كما أن الوضع الإقليمي هو حالياً لصالح الحلف السوريالايراني الموالي لسورية.

داخلياً تبدو الاحزاب اللبنانية من دون علاقاتها الخارجية ضائعة تكاد تعجز حتى عن إدارة شؤونها الداخلية، تجيد الكلام والخطابة إنما من دون القدرة على التنفيذ، فها هي هذه الأحزاب سلمت مقادها للبطريرك الراعي وصمتت، فيما يتولى الراعي مهاجمة الحزب ويصوّره ساعياً للسيطرة على جزء من الدولة اللبنانية فيما يتركز الصراع في هذا الموضوع بين الموارنة والسنة للاستحواذ على الدولة أو جزءاً منها بشكل واضح بين السنة والموارنة.

لكن المتعمقين في التحليل يرون أن هناك صراعاً ثلاثياً مارونياً عبر ما يصرّ عليه الرئيس عون وسنياً يظهر واضحاً في مشاريع الشيخ سعد الذي يعتقد أن الفرصة سانحة لاصطفاف سني في قلب الدولة اللبنانية يعيد إحياء النفوذ الذي بناه رفيق الحريري بين 1990 و2005 وكاد فيه ان يسيطر على لبنان بأسره.

من جهة حزب الله فهو يعرف انه يحوز على القوة الأساسية التي تجعله يمسك بكامل لبنان لكن دون ذلك أسباب عدة: أولها «اسرائيل» التي تستطيع أداء دور معرقل بالعديد من الوسائل العدوانية وهناك الأميركيون الذين لن يعجزوا عن العثور على وسيلة للعرقلة، لأن لبنان بالنسبة اليهم عامل هام بين «اسرائيل» وسورية أي الوسيلة التي تواصل الحروب في الشرق الاوسط.

أخيراً ان دولة لبنانية يسيطر عليها حزب الله تثير أيضاً أوروبا والخليج ومعظم منظومة الدول المحسوبة على النفوذ الغربي العام.

هذا يعني أن الوضع في لبنان مفتوح على غاربيه لتعذر إيجاد حلول ويعني أيضاً انه الساحة المفضلة للمحور الغربي للإبقاء عليه ساحة صراع مع المحور الإيراني السوري.

اما الحل الذي يظهر بين الفينة والأخرى تحت وطأة الحاجة الداخلية، فهي تسوية تجمع بين القوى اللبنانية وتضم حزب الله علناً او التفافاً لكنها حلول لا تستقيم إلا لأشهر عدة ولا تمتلك القدرة على إنجاز مسائل عميقة. فتبدو هذه القوى ممثلة لطوائفها من ناحية وأحزابها بشكل أعمق وليست إلا وسائل للسطو على المال.

هذا هو لبنان الحقيقي الذي لم يخرج عن أداء هذا الدور وبرعاية غربية من دون اي خروج عن النص المرسوم.

يبدو الآن ان الغرب يقود لبنان نحو النص المرسوم من دون أي احتمال لتغييرات بسيطة وهذا ليس إمساكاً غربياً بالقواعد، بل تمسك غربي بدور لبنان يلعب فيه كما يريد الغرب والخليج دور الصراع مع سورية وإيران، وهذا يتطلب انماطاً من القوى اللبنانية تعمل في سبيل الخارج والخارج فقط، ويخدم الصراعات في الإقليم لحاجتين العرب والخليج.

ماذا يفعل سعد الحريري اذاً في قطر؟ غداً قد تراه في دول عربية وافريقية اخرى، فيبدو كفارٍّ من بلاده يبحث عن إبرة في كومة من القش وهو لن يجدها أبداً الا بعد صدور القرار الأميركي السعودي بالعثور عليها.

المهم هنا ان السعد وبخطوة لافتة ركب عجلة القطار الأميركي معتقداً انه قد يصل من خلاله الى البعير السعودي، لكنه لم يصل حتى الآن.

لبنان اذاً في دوامة الصراعات الإقليمية والدولية ولا قدرة له على الانسحاب منها، ويبدو واضحاً انه متوجه الى ثلاثة حلول برعايته وغايته:

حكومة على الطريقة التقليدية يختفي فيها حزب الله خلف مستقلين أو حكومة تقليدية فيها كل الأطراف وخصوصاً حزب الله، أما المفاجأة الباهرة فتتعلق بمحاولة إيجاد حل نهائي للازمة اللبنانية وذلك بتطبيق نظام ثلاثي ماروني سني شيعي يحافظ على الدولة ويحول دون انهيارها وهي محاولة جريئة لكنها تصطدم بالعراقيل الخارجية من أوروبا الى الخليج.

فكيف يمكن تطبيق هذه المعادلة لإنقاذ فعلي للبنان؟ الوحيد القادر على التطبيق هو حزب الله لكنه يعطي البعد الاقليمي الخاص به اولوية على اي مسألة اخرى، وهذه مشكلة لا تقل خطورة عن مشاكل لبنان الأخرى، فلو منح الحزب اولوية في اعماله القتالية لمهمة مشاركته في الدولة اللبنانية لكنا رأينا وضعاً جديداً يدفع باتجاه بناء دولة لبنانية مقبولة ترتكز على معادلة حكم قوية جداً.

هذا لا يعني أن مجابهة الحزب لـ»إسرائيل» عامل ثانوي بل على العكس من ذلك لأنه تمكن من دحر «إسرائيل» من الجنوب مشكلاً قوة دفاع كبيرة عن لبنان مقابل انكفاء كامل الاحزاب اللبنانية الاخرى، لكن الجمع بين الدور داخل الدولة والدور القتالي الشعبي يجعل حزب الله مهيب الجانب، يصيب الأعداء مرهباً المنافقين ومدافعاً عن لبنان والمنطقة بدور قد تحتاج هذه المعادلة الى ادوار روسية وصينية، وهذا ليس بعيداً عن المنطق لأن مرحلة ما بعد كورونا مفتوحة على كل الاتجاهات، لما قد تحدثه من تغييرات سياسية واقتصادية وجيوبوليتيكية.

المشكلة الوحيدة هنا أن العرب بدلاً من العمل على مرحلة ما بعد كورونا يجهدون للعمل على انتظار المرحلة الأميركية الغربية.

لبنان اذاً في مرحلة انتظار كعادته. وقواه تحترب لصالح الغرب والشرق، فهل يفكرون في حلول تنقذه نهائياً ام يستمرون بالتجاذب الداخلي؟

يبدو ان الكاردينال الراعي لا يزال يعتقد بإمكانية استيلاد لبنان ماروني جديد ومعه الرئيس عون وجبران باسيل. لكن تطورات الأحداث في الإقليم تؤكد أن عليهما البحث عن حلول اخرى تحمي لبنان مما يحيطه من أخطار.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى