أولى

مستقبل العلاقات الأميركيّة السعوديّة بعد نشر تقرير خاشقجي…

 د. جمال زهران*

 

 

أصبح موضوع تقرير المخابرات المركزية عن جريمة قتل واغتيال الكاتب السعودي المعارض (جمال خاشقجي)، عاملاً حاسماً في تقرير العلاقات الأميركية السعودية في عهد بايدن. فهذا التقرير أعدّته المخابرات الأميركية وعرضته على الرئيس الأميركي السابق ترامب، منذ عامين، إلا أنه رفض نشره واكتفى بإحاطة الكونغرس الأميركي، بل وأعلن براءة محمد بن سلمان من ارتكاب هذه الجريمة، وإن لم ينفِ علمه بها، على سبيل ذرّ الرماد في العيون!

وأصبح ترامب بالتالي، شريكاً في الجريمة بتستّره على المجرم الحقيقيّ لهذه الجريمة وهو محمد بن سلمان وشركاؤه الإقليميون، كما ينشر الآن من تعليقات بالصحف الأميركية، أهمّها جريدتا (واشنطن بوست ونيويورك تايمز).

وكما هو واضح فإنّ إدارة بايدن، ترى أنّ استمرار فتح ملفات ترامب أمام الرأي العام الأميركي لفضحه، والتصعيد معه إلى حدّ احتمال تقديمه لمحاكمة عن جرائمه التي ارتكبها حال رئاسته لأميركا، قد تودي به إلى السجن ومنعه من ممارسة العمل السياسي!

والسؤال: الذي يفرض نفسه على الجميع، ما هي حسابات الإدارة الأميركية الحالية لفتح هذا الملف الحساس، الذي قد يُعيد تشكيل الإقليم الذي نعيش فيه؟

الإجابة على ذلك مثار جدل كبير، لم يحسم بعد مثل هذا الجدل. فالتصريحات الصادرة عن إدارة بايدن، بأنّ الرئيس قرّر نشر التقرير، وأنه يقرأه جيداً، وفور استخلاصه برؤية لهذا التقرير، خلص إلى أنّ الاتصال بمحمد بن سلمان خارج اهتماماته أو خياراته، لأنه المسؤول الأول عن الجريمة، وأنه يصل بالملك سلمان وأبلغه بأنّ ولي العهد الحالي، هو مَن قام بالجريمة وارتكب فعلاً فاضحاً بما فعله باغتيال جمال خاشقجي. ورغم معرفة بايدن، بأنّ الملك سلمان الذي تعدّى التسعين عاماً، غير مدرك وغير قادر على ممارسة سلطاته، وأنه أطلق يد نجله محمد بن سلمان في كلّ شؤون الدولة، الذي بدوره قام بالسيطرة الكاملة على كلّ مفاصل الدولة السعودية. وقام بإطلاق مبادرة (20 ـ 30)، لتحديث المملكة والخروج من «الوهابيـة القديمة»، وإطلاق المبادرات بإدخال الأغاني والديسكو والملاهي والسينما، وقيادة المرأة إلخ

بل قام بدور المحلل لتطبيع العلاقات بين الكيان الصهيوني وبين دول خليجية (الإماراتالبحرين)، بالإضافة إلى السودان والمغرب، والتقى محمد بن سلمان، بنتنياهو في منطقة نيوم، وبمشاركة وزير خارجية أميركا السابق، تمهيداً لتأسيس العلاقات السعودية الصهيونية بعد نجاح ترامب، حسب تقديرهم. ولكن جاءت العواصف بما لا تشتهي السفن، وسقط ترامب، وأصبحت السعودية في مهبّ الرياح نتيجة خيارات محمد بن سلمان الفاشلة.

بل إنّ المعلومات المتداولة والصادرة عن إدارة بايدن، طبقاً لما نشرته كبريات الصحف القريبة من الرئاسة والمخابرات الأميركية، تؤكد أنّ الرئيس بايدن، قرّر عدم الاتصال نهائياً بمحمد بن سلمان، لعدم اعترافه بولايته للعهد، وأنه من الضروري إعادة ترتيب مقاعد الحكم والسلطة في المملكة. وطرح في هذا السياق إعادة أحمد بن عبد العزيز إلى الصدارة مرة أخرى، وكذلك محمد بن نايف، وهذا الأمر خطير للغاية وصادم للملك سلمان ونجله محمد (ولي العهد الحالي)… فإذن العرش الحالي مهدّد في المملكة، وقد تكون له تداعيات خطيرة بلا شكّ على توازنات الإقليم.

ويمكن بلورة دوافع إدارة بايدن، على انتهاج هذا الخيار الذي يتركز في نشر التقرير الذي يتضمّن فضح جريمة محمد بن سلمان، ومن ساعده من رؤساء أو ملوك في الإقليم في تنفيذ الجريمة، ثم رفض الاتصال بولي العهد الرسمي، متهماً إياه بأنه غير شرعي ومجرم في حق العدالة باغتيال عمدي لجمال خاشقجي، وكذا المطالبة بإعادة المستحقين لمناصب الحكم في المملكة سواء على مستوى الملك أو على مستوى ولي العهد، في ما يلي:

أولاً: اهتمام إدارة بايدنفي إطار إدارة الوقت أمام الرئيسفي الداخل الأميركي لإعادة التوحد، ومواجهة شاملة مع فيروس كورونا الذي اجتاح نحو نصف مليون وفاةحتى الآن، و(30) مليون إصابة، ونسبة شفاء تتجاوز النصف بقليل! وبالتالي فإنّ أول تحدٍّ لهذه الإدارة، هو تقليل انتشار الفيروس وتقليل الوفيات، وزيادة نسبة الشفاء، وعودة الاقتصاد الأميركي إلى دورته الطبيعية، على الرغم من تصريحات بايدن الصادمة، التي أعلن فيها أنّ كورونا مستمرة في أميركا حتى نهاية العام المقبل، وأنه يسعى للسيطرة والمواجهة.

ثانياً: الاستمرار في فضح وتوجيه اتهامات لترامب عن أفعاله الإجراميّة في حق أميركا، ومن بينها التستر على مجرم، تابع لأميركا، ارتكب جريمة حمقاء في حق الإنسانيّة، ويستدعي ذلك محاكمته، ومحاكمة كلّ من اشترك في الإعداد والتخطيط والتنفيذ لها، وفي مقدّمتهم محمد بن سلمان (ولي العهد غير الشرعي في المملكة) على حسب تقديرات إدارة بايدن.

ثالثاً: سعي إدارة بايدن، لتبييض صورة الولايات المتحدة وحزبها الديمقراطي، وذلك بغسل يدها من مساندة المجرمين والحكام المستبدّين في العالم وفي مقدّمتهم الإقليم العربي والشرق أوسطي. ومن ثم تأتي أولوية بايدن، في نشر التقرير وفضح النظام السعوديّ.

رابعاً: إعطاء الأولوية في الإقليم، للملف النووي لإيران، وخلق الآليات لعودة أميركا إلى الاتفاق النووي الذي سبق أن وقعه أوباما الديمقراطي في يوليو 2015. وقد يسبّب ذلك خللاً لبعض الوقت في العلاقات الأميركية مع الكيان الصهيوني، والمملكة السعودية. وجميع المخرجات عن إدارة بايدن، تؤكد العودة، ورفع العقوبات عن إيران.

خامساً: لجوء إدارة بايدن، لإطلاق يد الشركاء الأوروبيين في الإقليم، لتخفيف الأعباء عن أميركا في هذه المرحلة. ولذلك فإنه من المتوقع حصول تنسيق عالٍ بين الطرفين الأميركي والأوروبي.

فأميركا حسب تقدير بعض الخبراء، لها ثلاثة أهداف في المنطقة، البترول، والاستقرار، والحفاظ على الكيان الصهيوني. وقد تراجعت أهمية العنصرين (البترول والاستقرار)، وبدأت أميركا في الانسحاب التدريجيّ من المنطقة خاصة سورية والعراق، والإقليم في حالة مخاض كبير من الآن ومستقبلاً. لذلك فإنني أرى أنّ الإقليم يرقد على صفيح ساخن وفي طريقه للتحوّل وإعادة الهيكلة، وأنّ العلاقات السعودية الأميركية في طريقها نحو الأزمة. ودعونا نرقب وننتظر لنرى.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، والأمين العام المساعد للتجمع العربي الإسلامي لدعم خيار المقاومة، ورئيس الجمعية العربية للعلوم السياسية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى