أولى

أية مصالحة وطنيّة نريد في ليبيا؟

 د. محمد سيّد أحمد*

بدعوة كريمة من الأخ والصديق العزيز وزير الخارجية والتعاون الدولي الليبي عبد الهادي الحويج شاركت هذا الأسبوع في أعمال الندوة التي نظمتها وزارة الخارجية والتعاون الدولي الليبية بالتعاون مع المجلس العالمي للتسامح والسلام تحت عنوان حول «أيّة مصالحة وطنية نريد؟» مع نخبة من الرموز الفكرية والسياسية من بعض الأقطار العربية.

وكانت مداخلات المشاركين مبنية بالأساس على تجربة المصالحة الوطنية التي تمّت في بلدانهم في أعقاب أحداث عدم استقرار وطني أثرت بشكل أو بآخر على النسيج الاجتماعي في هذه البلدان. وبالطبع جاءت مداخلتي مختلفة إلى حد كبير فمصر لم تمر في تاريخها الحديث والمعاصر بحالة تهدّد وحدتها الوطنية، فعلى الرغم من محاولات عديدة على مدار ما يزيد على قرن من الزمان لضرب الوحدة الوطنية وتفكيك النسيج الاجتماعي المتجانس والمتناغم في المجتمع المصري، ومحاولات إثارة النزاعات المؤسّسة على التنوّع الديني بين المسلمين والمسيحيين إلا أنّ كلّ هذه المحاولات قد باءت بالفشل، خاصة في مراحل عدم الاستقرار الاجتماعي والسياسي، حيث كانت اللحمة الوطنية كبيرة أثناء الاحتلال البريطاني وسعي مصر للاستقلال فرفع شعار «عاش الهلال مع الصليب» أثناء ثورة 1919، وهو ما حرص عليه الرئيس جمال عبد الناصر بعد ثورة يوليو 1952 وخلال مرحلة حكمه المليئة بالتحديات والمعارك مع الإمبريالية العالمية، ومع موجة الربيع العربي المزعوم في مطلع العام 2011 ومحاولة زعزعة الأمن والاستقرار الداخلي رفعت الشعارات القديمة نفسها مضافة إليها الكلمات الخالدة للبابا شنودة الثالث، بابا الاسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية وسائر بلاد المهجر «مصر وطن يعيش فينا وليس وطناً نعيش فيه»، لذلك لا تملك مصر تجربة مشابهة في المصالحة الوطنية كما حدث في بعض البلدان العربية التي شهدت نزاعات داخلية أثرت على وحدة نسيجها الاجتماعي على غرار ما حدث في لبنان والجزائر والمغرب سابقاً على سبيل المثال، وما يحدث حالياً في سورية واليمن وليبيا.

وفي محاولة الإجابة على السؤال الرئيس المطروح في الندوة وهو أيّة مصالحة وطنية نريد في ليبيا العربية؟

جاءت الإجابة أنه من الضروري في البداية التأكيد على أنّ ما شهدته ليبيا العربية على مدار العشر سنوات الأخيرة هو عدوان غربيّ سافر استهدف ليبيا العربية أرضاً وشعباً ونظاماً، بهدف تفكيك وحدتها والاستيلاء على ثرواتها، ضمن مشروع الشرق الأوسط الكبير، ونجحت المؤامرة على ليبيا في إشاعة الفوضى، وانتشار السلاح، وتفكيك مؤسسات الدولة، وضرب النسيج الاجتماعي في مقتل بإثارة النزعة القبائلية والمناطقية، وتمّ جلب الميليشيات المسلحة من الجماعات التكفيرية الإرهابية من كلّ بقاع الأرض للحرب بالوكالة على الأرض العربية الليبية، ولم تعد ليبيا تحت سيادة نظام سياسي وقيادة سياسية موحّدة، فشهدنا برلماناً وحكومة وجيشاً في الشرق، وحكومة وميليشيا مسلحة في الغرب، ونزاعات على السيادة والسلطة، هذا إلى جانب الاحتراب الأهلي.

وبحثاً عن الحلّ وبعيداً عما يتمّ من تدويل للقضية فأيّ حلّ لا بدّ أن يبدأ بالمصالحة الوطنية، وهنا يُثار أيّة مصالحة وطنية نريد؟ والإجابة القاطعة أنّ المصالحة الوطنية التي نرغبها في ليبيا العربية هي مصالحة وطنية شاملة لكلّ المكوّنات الاجتماعية للشعب العربي الليبي من دون أيّة محاولة لتجاهل أو إقصاء مكوّن من مكوناته، ولا بدّ أن تتمّ هذه المصالحة تحت رعاية عربية بعيداً عن الرعاية الغربية المسبّب الرئيس في المؤامرة على ليبيا، والمفترض أن تكون المصالحة تحت مظلة بعض الدول العربية التي يتداخل أمنها القومي بشكل مباشر مع الأمن القومي الليبي، وهنا تظهر مصر بثقلها الإقليمي ومعها الجزائر وتونس والمغرب.

وبإنجاز المصالحة الشاملة ننتقل للمرحلة التالية وهي المرحلة الأكثر إجرائية والمتمثلة في إعادة بناء مؤسسات الدولة وأول مؤسسة تجب إعادة تشكيلها هو الجيش الوطني الليبي الموحد الذي يكون هو وحده المنوط به حمل السلاح للدفاع عن التراب الوطني، خاصة مع إيماننا بأنّ الجماعات التكفيرية الإرهابية التي جاءت إلى الأرض العربية الليبية لن تخرج طواعية وعبر المسارات السياسية التي تطرحها المنظمات الدولية الغربية، لذلك لا بدّ من جيش وطني موحّد يخوض الحرب للقضاء على هذه الجماعات الإرهابية.

ومع إنجاز المصالحة الشاملة وتجفيف منابع الإرهاب على الأرض الليبية، تصبح مهمة بناء باقي مؤسسات الدولة سهلة ويسيرة. هنا يمكن الحديث عن المسار السياسي عبر توافق على دستور للبلاد، ثم إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية، وبذلك تعود ليبيا كما كانت دولة عربية موحّدة وقوية وقادرة على مواجهة الأخطار التي تحيط بها، اللهم بلغت اللهم فاشهد.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى