آخر الأخبارالوطن

هل دخلت الجامعة الثقافية على خط مساعي التهدئة والتأليف ودقّ ناقوس الخطر؟

} علي بدر الدين

السياسات الخاطئة المعتمدة من الطبقة السياسية الحاكمة منذ الاستقلال، ومن العهود والحكومات والسلطات المتعاقبة، على إدارة شؤون البلاد والعباد، جرّت لبنان شعباً ودولة ومؤسّسات، إلى الانقسام والتشرذم والانهيار والإفلاس المالي وتعميم الفساد والتحاصص بكلّ صغيرة وكبيرة، حتى وصل الأمر، إلى التجرّؤ على مصادرة أموال المودعين من اللبنانيين المقيمين والمغتربين في المصارف، من دون وجه حق، أو وكالة من أحد، وكأنها أموال سائبة، مجهولة المصدر والأصحاب، الذين عانوا كثيراً في اغترابهم، من أجل تحسين أوضاعهم الاقتصادية والمالية والاجتماعية والمعيشية، والتزاماً بمقولة «القرش الأبيض لليوم الأسود».

هذا السواد الذي أصبح واقعاً، يخيّم في الوطن والاغتراب، بفضل حكام، فضلوا مصالحهم الشخصية والسلطوية والمالية على أحقية الشعب في ماله وحقوقه، حيث هم ازدادوا ثراء، وهو تفاقم فقره وجوعه ووجعه.

رغم الظلم الذي أصاب المغتربين اللبنانيين، بحرمانهم من أموالهم المودعة في المصارف، والمجهولة المصير، والذلّ الذي طاول بعضهم، على أبواب المصارف في الوطن الأمّ «لتشحيدهم» مبلغاً من أموالهم الذين تعبوا كثيراً لجنيها، فإنهم لم يفكوا عروتهم الوثقى معه، ولم يتخلوا عن شعبهم، ولم يعلنوا حيادهم عنه، بل ظلوا على تماس مباشر معه أينما كانوا، لأنهم يدركون جيداً وأكثر من غيرهم، أنهم «الخرطوشة» الأخيرة في جعبة لبنان، لن يطلقوها في الهواء أو للكيدية أو انتقاماً أو ثأراً، او رداً على ما تعرّضت له أموالهم المودعة في المصارف المفروض أنها بأمان، ولا على مواقف سلبية واجهتهم على أبواب المصارف وفي داخلها، وهذا تماماً ما حصل مع المقيمين.

يدرك المغتربون أقله المخضرمون والمتابعون لمسيرة الاغتراب، أنّ الجامعة اللبنانية الثقافية في العالم، رغم استهدافها والتصويب عليها من أكثر من فئة، سعت إلى تقويض أسسها ووجودها وطمس حقيقة دورها الوطني وقانونها ونظامها الأساسي، واستجرارها إلى سياسات طوائفية ووفئوية، ولكنها فشلت في كلّ محاولات تقسيمها أو ضرب موقعها، لأنّ الحرصاء في الاغتراب والجامعة وعلى الوطن والمغتربين، كانوا بالمرصاد، ونجحوا في وأد ما كان يخطط لها.

الجامعة التي تعاقب على رئاستها بعض عمالقة الاغتراب وحرصائه، أحمد ناصر، والأمين الراحل مسعد حجل، وبيتر الأشقر، والرئيس العالمي الحالي عباس فواز، ومن الأسماء التي لا يمكن نسيانها أو طي صفحاتها البيضاء في تاريخ الجامعة عميد الاغتراب السفير فؤاد غندور، والكاتب والإعلامي الكبير الراحل الأمين منصور عازار، ومنذ أسابيع قليلة خسر الاغتراب والجامعة عميد الجالية اللبنانية في الكونغو برازافيل ورئيس اتحاد الأدباء والمثقفين المغتربين اللبنانيين الكاتب والروائي الراحل طلعت العبدالله، والعشرات غيرهم مما لا يتسع المجال والمقال لذكرهم.

الجامعة اللبنانية الثقافية في العالم، منذ مؤتمرها السنوي العالمي الأخير، وانتخاب عباس فواز، رئيساً لها بالإجماع، وهي تحصد المزيد من النجاحات وتحقق الكثير من الإنجازات، وتفتح الأبواب التي كانت مغلقة على مصراعيها، لوحدة الصف والجامعة وتحشيد المغتربين، ولنسيان مرارة الماضي، لأنّ لبنان الوطن في محنة كبيرة وخطيرة، لا يمكن تركه يتهاوى على مرآى عيون أبنائه أينما حلوا وارتحلوا، وقد ترجم فواز والهيئتان الإدارية والعامة للجامعة أقوالهم إلى أفعال ميدانية، منها ما أعلن عنه، ومنها ما تمّ تنفيذه، وبعضه يأخذ طريقه إلى التنفيذ من دون همروجات إعلامية وإعلانية ولكن على القاعدة الإيمانية «.. واقضوا حوائجكم بالكتمان».

ورغم طغيان كورونا وخطرها وتداعياتها، فإنّ الهيئة الإدارية للجامعة برئاسة فواز واظبت على اجتماعاتها الأسبوعية، لمتابعة شؤون الجامعة والمغتربين وعمل المجالس القارية والوطنية في العالم، وتوّجت كلّ هذه النشاطات والأفعال والحرص، في قيام فواز وأعضاء الهيئة الإدارية للجامعة، بزيارات شملت لغاية الآن، رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، ورئيس مجلس النواب نبيه بري، والرئيس المكلف تأليف الحكومة سعد الحريري، حيث تمّ اطلاعهم على نشاطات الجامعة، وخطوات إنجاز وحدتها، ومشاريعها الآنية والمستقبلية، وفق ما أدلى به الرئيس فواز، الذي أمل من المسؤولين، باسم المغتربين اللبنانيين، أهمية المحافظة على الوطن والدولة والمؤسسات، وهذا واجب ومسؤولية الجميع، وبتضافر الجهود من المقيمين والمغتربين على حدّ سواء.

لا بدّ من التأكيد على أنّ جولة رئيس الجامعة عباس فواز والهيئة الإدارية، لها أهمية قصوى، ولها رمزية ودلالات، وقد نجحت في توقيتها، وتحفيزها لمن يعنيهم الأمر، وتوجيه رسالة، بأنّ حال لبنان لا تسرّ ومستقبله لا يطمئن، ولا مجال لتضييع الوقت واستمرار التجاذبات والسجالات والخلافات، على حصة من هنا وحقيبة من هناك، لأنّ الأولوية يجب أن تعطى لتأليف الحكومة، والقيام بإصلاحات حقيقية، لتعزيز ثقة المغتربين بالدولة والمؤسسات على أنواعها حتى بالمصارف.

 كأني بوفد الجامعة الاغترابي يريد أن يبلغ رسالته إلى المسؤولين همساً وعلناً، على أمل أن تصل وتفعل فعلها ويكون صداها إيجابياً، قبل فوات الأوان.

إنّ توقيت زيارة وفد الجامعة الثقافية كان موفقاً وفي محله وأوانه، هو بمثابة «ضربة معلم» لدقّ جرس الإنذار قبل السقوط في المجهول المدمّر.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى