أولى

البوكمال مجدداً

في الجغرافيا العسكرية والاستراتيجية لمحور المقاومة، وسورية في قلبها تمثل البوكمال مضيق باب المندب ومضيق جبل طارق ومضيق هرمز معاً، ومنذ سنوات تختصر البوكمال كل المضائق لأنها مضيق المقاومة ومعبر أنابيها وممر الروح بين مكوّنات محورها، وعلى البوكمال تنتصب جبهات الحروب الكبيرة والصغيرة، ويبدو أن أمن الشرق الأوسط سترتسم هويته من هذه المدينة الصغيرة.

لم يكن من الفراغ أن يذكرها بالاسم كل رئيس أميركي وأن يبدأ الرئيس الجديد أول عمل عسكري باستهدافها، لأنها أهم من خليج الخنازير الذي رسم أمن العلاقة بين واشنطن وموسكو يوم أزمة الصواريخ في كوبا، فقبل ثلاثة أعوام ونيّف عندما حقق الجيش السوري وقوى المقاومة المشاركة من الجهتين السورية والعراقية انتصاراً تاريخياً بدخول المدينة الواقعة على الحدود السورية العراقية، وتواصلوا مع الحشد الشعبي المتمركز في القائم، قامت قيامة الأميركيين وقاموا بقصف الجيش السوري تمهيداً لعودة داعش إلى المدينة.

عندما تجدّد الهجوم وكان الدعم الجوي الروسي حاسماً قال الأميركيون لن نسمح بأن يتم تحت شعار تحرير البوكمال من داعش بتحويلها لنقطة وصل بين إيران وسورية وحلفائها في لبنان وخطاً لإمدادهم بالسلاح. وحاولوا مناقشة الأمر مع الروس على اعلى المستويات، وبسبب البوكمال فشلت ترتيبات لقاء الرئيسين بوتين وترامب في فييتنام يومها.

اليوم حاول الأميركيون افتتاح عهد رئيسهم الجديد بغارات على البوكمال لرسم خطوطهم الحمراء بعدما أعادوا الحياة لتشكيلات داعش، وهم ينظمون جماعتهم في التنف والأنبار لتوفير ظروف هجوم جديد على البوكمال تحت غطاء ناري أميركي إسرائيلي. وها هي قوى المقاومة تحتشد نحو البوكمال لأنها المعركة الفاصلة للأمن الإقليميّ ومنها وبحصيلتها سترسم موازين المفاوضات والتسويات والمواجهات وتحدّد سقوف الطروحات والمواقف.

الموقف الروسي الحاسم حاضر أيضاً ويختصره مشهدان، الأول كلام الوزير لافروف التحذيريّ للأميركيين من مخاطر تعرّض غاراتهم لنيران الدفاعات الجوية السورية المتطوّرة، والثاني مشهد هذه الدفاعات في الأسبوع الأخير بفاعليتها النوعيّة ومنظوماتها الحديثة، ما أكد الإدراك الروسي لأبعاد المواجهة الدائرة حول المدينة، استراتيجياً وعسكرياً، وبالتالي سياسياً، لصلتها بمصير القوات الأميركية في سورية ومصير الدويلة الكردية كواجهة للاحتلال الأميركيّ.

تدرك سورية وتدرك قوى المقاومة وتدرك إيران وتدرك روسيا أن خريطة الطريق نحو السياسة تبدأ من حسم عسكريّ يثبت البوكمال وهويتها الواضحة كمضيق لقوى المقاومة يرسم حوله خط أحمر كبير، فسورية هي قلب المقاومة النابض والبوكمال هي صمام هذا القلب.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى