أولى

الدولار سياسي بامتياز

 

 يخلط بعض المحللين الاقتصاديين بين الحاجة للإضاءة على السياسات التي أسست للعبث بالاقتصاد اللبناني وبالودائع وسعر الصرف، وبين كون هذا العبث سياسياً ويديرون نقاشات تأكيديّة للقول إن تحذيراتهم من الانهيار الحتمي كانت في محلها، متجاهلين أنه في ظل الشروط الاقتصادية ذاتها ونتائج السياسات المالية كانت قدرة لبنان على إدارة الأزمة تستطيع تجنبيه الانهيار لو لم تتدخل السياسة بصناعة الانهيار.

عندما بلغ لبنان مرحلة التعاظم في الفجوة في ميزان المدفوعات منذ العام 2012، أي توقف السياحة وتحويلات الاغتراب والودائع الجديدة للأجانب عن تغطية العجز في الميزان التجاري البالغ 17 مليار دولار، كان ممكناً على خلفية النتائج الموروثة ذاتها من السياسات المالية السيئة رسم خريطة طريق للإنقاذ، لولا القرار السياسي بأخذ لبنان إلى الانهيار.

عندما استنفدت قدرة الألاعيب المالية لتوظيف عجز ميزان المدفوعات من خلال الهندسات المالية التي حوّلت الأزمة الى مصادر لتحقيق مصالح للمصارف على حساب ودائع اللبنانيين، كان لا يزال ممكناً على خلفية النتائج الكارثية التي يعيشها الاقتصاد وتعيشها الحالة المالية اتباع سياسات جديدة تمنع الانهيار لولا وجود قرار سياسيّ بالذهاب بوعي نحو الانهيار.

عام 2018 كانت احتياطات المصرف المركزي من دون الذهب تعادل 35 مليار دولار ومع الذهب تقارب الـ 50 مليار دولار، وقد أظهر ما جرى العام 2020 من دون سياسة مدروسة لمؤسسات الدولة السياسية والمالية، سهولة انكماش الاستيراد من 20 مليار دولار الى 12 مليار دولار، مقابل تحويلات بـ 7 مليارات و3 مليارات تصدير، ليقتصر عجز ميزان المدفوعات على ملياري دولار هي قيمة الفيول الذي يؤمنه مصرف لبنان للكهرباء.

بلغ العجز في ميزان المدفوعات عام 2020 أكثر من 10 مليارات دولار لأن هناك 8 مليارات دولار تمّ تهريبها الى الخارج بعلم وربما بتشجيع السلطات المالية والسياسية أو لحساب رموزهما، لغير أغراض الاستيراد، فمصرف لبنان قام بتمويل الاستيراد المدعوم من دولارات وردت من التصدير أو من التحويلات، ولو منعت هذه التحويلات باللجوء المبكر للكابيتال كونترول لكنات حدود العجز سنوياً هي قيمة الفيول حصراً، وكان هذا العجز الى تناقص مع تراجع الاستيراد وتزايد التصدير وتنشيط التحويلات التضامنية اجتماعياً من الاغتراب مع المقيمين.

كان ممكناً منذ 2018 تأمين فاتورة الفيول والقمح باتفاقات مؤجلة الدفع من دولة الى دولة، وإدارة الأزمة بطريقة تتيح السيطرة على مفاعيلها، وجعل سقف سعر الصرف 3000 ليرة، وهو الرقم الذي يعادل تراجع الدورة الاستهلاكية وفاتورة الاستيراد الى النصف، وكان ممكناً تشكيل مجلس للنقد يمنع طباعة الليرة إلا بما يعادلها من احتياط بالعملات الأجنبيّة والذهب لمصرف لبنان، ما يفرض على الدولة تمويل موازنتها بغير الاعتماد على طباعة مصرف لبنان للعملة ونتائجها التضخمّية للكتلة النقدية على الاقتصاد وسعر الصرف.

الارتفاع الحالي لسعر الدولار خلال شهرين بنسبة 30% ليست له أية أسباب مالية مستجدّة، وهو ترجمة لقرار سياسي للذين يريدون صناعة مشهد الفوضى وتبرير رفع شعارات التدويل والحياد ورحيل رئيس الجمهورية خدمة للأجندات ذاتها التي كانت وراء تحويل الأزمة إلى انهيار لفتح ملف سلاح المقاومة، «وكل الطرق بتودّي عالطاحون».

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى