أولى

من يجرؤ؟

 د. علي اليسوعي

من يجرؤ أن يرفع علم هذا الوطن؟! منذ أكثر من مئة عام نتقاتل لبقاء الأوصياء، ونتقاسم ما هو مقسم! مبشرين بالجهل والسخافة! لنعلن جهاراً أنّ الاستعمار تعبير عن حسن الضيافة، ونستجدي حكم الانتداب! مردّدين أنّ مفهوم الاستقلال والسيادة خرافة. عشنا لأكثر من عصر مفتشين عن وصي أو عراب! لنتدافع بخنوع وهلع زاحفين على بطوننا، مستجدين التبعية.. سخّرنا كلّ الأقلام وشهرناها كالخناجر لطعن المفاهيم الوطنية! وارتدينا عباءة المرجعية المذهبية والقبلية وحتى العائلية، خرسنا لمئة عام عن الكلام، خائفين من الحروف! التي تستّرت برداء السكوت المبهم، حيث الكلمات تنطقها الأفواه الببغائية! المصابة بلعنة أجنبية! ولكنة فرنكوفونية! اغتصبنا خوف الموت والجوع، واتخذنا من الصعلكة مأوى لنعيش اليوم لغد لا يُحتسب في روزنامة العيش قبل أن يأتي!!! خزّنا دموع الماضي في خوابي الأحزان المنسية.. لمئة عام ونحن نردّد الأناشيد الببغائية التي لم نفهم معناها لقرن بكامله، وحفظنا كلّ الشعارات التي كتبت بأيادٍ خفية! خطفتنا الأزمات ورمتنا في غياهب التغرّب والتشرّد، لتحمّلنا العواصف إلى حروب الإلغاء والإبادة! في دويلات المذاهب المسلحة، هذه التي لا تحتاج إلى استقلال أو سيادة. حكمنا باسم الدين، وتقاتلنا باسم العبادة! مئة عام من جفاف الإيمان واختفاء الفكر! وطمس الثقافة! وسرقة الحقائق! وغطرسة الأقوياء! وقحط الأخلاق! وتجارة الدماء! وبيع الشرف! وسلب الأوطان! وتزوير هوية الانتماء! كلّ الرؤوس أجبرت على الانحناء. لمئة عام عشنا زمن التشويه والتضليل، مئة عام أدمنّا على قتل أبطالنا وعقلائناتعوّدنا على وراثة الوعود المكتوبة بأيادي الأوصياء السوداء! وقبلنا الخيانة والعمالة باسم الحياد! وتقزمنا لقرن بلا حياءمن مئة عام وفي كلّ صباح نفيق لنسمع ما سمعناه في أحلامنا المقهورة والمغدورة!! منذ أكثر من مئة عام لُقّحنا بالانحطاط والجهل، لُقّحنا بالخيانة والوصولية، لتزداد مناعتنا ضد منطلقاتنا الوطنية! مئة عام وقوتنا خبز الفردية، والذات العشائرية، الطائفية والمذهبية وجنون الأصولية المدمرة!

مئة عام والحياة ما زالت مسرحاً كبيراً، هل من تغيير؟!

 الأمر أننا سكرنا! ونعتنا هذا العصر بالسكير!

عشنا لنسكر بأناشيد المحميات المتصارعة فوق ملعب جغرافية الارض، المرمى واحد، والحكم أميركي كتب على سترته «سيدي عبري»… وقبل بداية المباراة اتفقوا على قتل حارس المرمى! كيف لا وهم الخصم والحكمُ؟! النتيجة حُسمت بعد اجتماع لجنة الحقوق في جمعية الأمم المتحدة! ليبدأ الاحتفال بمهزلة الانتصار المأزوم! والمحكوم! وإذا بمئات الآلاف يهللون رافعين العلم الفرنسي! ومثلهم من يرفع العلم الأميركي والعلم السعودي! ومنهم من يرفع العلم التركي، والعبري؟! وتتوالى الأعلام واحدا واحدا، وصولاً الى العلم الروسي مرفوعاً بمئات المهللين! وتعلو الأصوات! بالتكابر والاتهام والتخوين! أعلام الكيانات تطعن بالسكاكين! وقلة قليلة من الأقلاء، كنا نفتش على مَن يتجرّأ أن يرفع علم هذا الوطن. الوطن المسلوب الإرادة وهذه الأمة المذبوحة بأقلام الحاقدين وأفعال الخونة الذليلين! لقد طال ثباتنا، وسيطرت فرديتنا على كلّ ما عداها حتى دمّرت كلّ ما فينا من حق وخير وجمال! أما آن الأوان لننهض ونستعيد وهجنا الحضاري؟!

مهلاً مهلاً إنه الاول من آذار، إنه فتى الربيعالذي رفض منذ أكثر من قرن إلا أن يرفع علم بلاده، العلم السوري فوق السواري! انه هو انه أنطون سعاده! هذا الذي خُلّد اسمه محفوراً على جذور الصنوبر والسنديان! هذا الذي صدى صوته حملته الرياح من سورية إلى العالم! وأمواج البحار حفظت مبادئه يوم أبحر من بيروت الى أميركا الجنوبية! أقسم لك باسم العرزال! وجبل صنين! باسم القدس ودمشق وبغداد! باسم بيروت وشوارعها المهدمة! باسم فلسطين المغتصبة والكويت التائهة وقبرص المخطوفة!! بأننا سوف نعود إلى ما وضعت من مفاهيم وإلى النهضة  التي أرسيت، أيها الزعيم سعاده. اقسم لك باسم الأجيال التي لم تولد بعد! وباسم رمال الرملة البيضاء! التي تعمّدت بدمائك الطاهرة! أقسم لك أننا منذ أكثر من سبعين سنة، ونحن نعيش في زمن الضياع والتقهقر! أقسم لك أننا ما زلنا نعيش في زمن الانصياع والوصاية! ما زلنا نعيش في زمن الجلد الجماعي!

باسم الحمايةفي زمن اسم الحرية تحوّل إلى حكاية!! واختصروا تاريخنا في بدعة ورواية!! تجلدت ضمائرنا! تخشبت قلوبنا! وسرقت أحلامنا!! وتعوّدنا على العيش تحت الرعاية! ليسكننا الإعلام المأجور والدعاية!

أصابنا مرض الصحراء بالجفاف والعقم الفكري! واختبأنا تحت سترة الذكريات الأسطورية المهترئة! وتغرّبنا عن نسيجنا الاجتماعي! لنتقبّل العيش متعرّين من مفهوم الانتماء! متخوّفين من البوح بمن نحن! لنعيش الـ «أنا»! ولا أحد! ورفعنا كلّ الأعلام لنعلن زمن السقوط والتساقط تحت أقدام عبيد الأقوياء! عشنا مع النفاق وأصبنا بتخمة الخداع والغباء! وشرّدنا وعزلنا وصفعنا! منذ أكثر من عصر! من مذهبية الفتن!

هذا هو حالنا يا زعيمي نتسكع وراء العصور! وأنت وحدك من سبق الزمان بزمن!

 آذار! أقسم لك! أننا ننتظر منذ قرن! يد حرّ لترفع علم هذا الوطن!

أنت سعاده العظيم! أنت من علّمنا وقفة العز في الحياة في خضمّ المحن! أيها الحرّ من بلادي! أيها النور والهداية ومنارة الأجيال، أعدك بالعودة الى ساح الصراع لتبقى روحك فاعلة في الأمة إلى الأبد

لتحي سورية وليحي سعادة

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى