أخيرة

أهميّة الاستثمار في منابع التربية لتعزيز المواجهة الثقافيّة

} ميساء سرحان سيوفي

مع بدء انتشار مشروع النظام العالمي الجديد في العالم، فرض أنماطاً ثقافية جديدة على جميع شعوب العالم بسرعة البرق. يعود هذا الانتشار السريع لنجاح الماكينة الإعلاميّة التي لم تقتصر على الإعلام المريء والمسموع والمقروء، ولكن أتت مصاحبةً لها الثورة التكنولوجية أيضاً والتي بدورها ساهمت بشكل كبير في تصدير هذه الثقافات الجديدة.

نذكر هنا وسائل التواصل الاجتماعي وهي أهم أنواع ثورة الاتصالات لقدرتها على جذب المتلقي بمهارة عالية والقيام بالدور الموكل لها بجدارة. بالطبع هذه الوسائل تقوم بدورها ليس من تلقاء نفسها، ولكن عبر أشخاص عالمين بخفايا الأمور والأهداف الكبرى التي يحب الولوج اليها.

لقد سهلت وسائل التواصل الاجتماعي نشر وتعريف الشعوب على أنماط ثقافية جديدة. ومع مرور الوقت، اتضح أن هذه الوسائل هي المكون الأساسي في صياغة الرأي العام وبالتالي تشكيل الهوية الثقافية من دون منازع.

إن مجتمعنا العربي هو جزء من هذا العالم وبالطبع كانت له الحصة الأكبر من استهداف كهذا بل قد يكون المستهدف الأهم بالنسبة لهذه الماكينة الإعلامية بسبب مكانة بلادنا الاستراتيجية ووجود إمكانات بشرية هائلة بالإضافة الى وجود وعي وطني وقومي. لهذه الأسباب كان من الضروري التأثير على الجيل الجديد والتغلغل في مجتمعنا وثقافتنا العربية بوسائل براقة وبرامج ذات طابع جذاب وعناوين رنانة لتمكين مشروع النظام العالمي الجديد من استقطاب أعضاء جدد وتثبيت نمطه الثقافي.

إذاً أمامنا تحدٍّ كبير لاستعادة وتنمية الوعي لإعادة بناء الهوية الثقافيّة وتعزيزها من أجل تمكين أفراد المجتمع من أجل مواجهة المدّ الجديد والمتجدّد.

أولاً علينا الاعتراف أن الماكينة الإعلامية للنظام العالمي الجديد قد استطاعت أن تترك آثاراً جمّة في مجتمعنا العربي وأثرت في الهوية الثقافية لأفراد هذا المجتمع ولكن الأوان لم يفت، حيث بإمكاننا أن نعمل على استعادة هذه الهوية وتعزيزها عبر التركيز في الاستثمار في مصادر تشكيل الهوية الثقافية الا وهي الأسرة والمدرسة، كيف لا نستثمر في هذين المصدرين وهما من أهم منابع التربية. نعم أسميهما منابع لأن تربية الفرد تفيض بين حنان ومحبة الأسرة وصفوف وكتب المدرسة.

إن من أهم الأهداف التي يجب التركيز عليها وبإمكان مجتمعنا الاستناد عليها لتنمية وتعزيز الهوية الثقافية هي التربية والتي تشكل دوراً أساسياً في صقل الهوية الثقافية لدى الفرد وبناء المجتمع والمحافظة بشكل رسمي على هويّته الثقافية. إن للتربية دوراً كبيراً في تنشئة الأفراد، فبنجاحها في بناء هذا الفرد، ينجح المجتمع بأكمله في تكوين هوية ثقافية موحدة وقوية والحفاظ عليها.

كما ذكرت سابقاً عن أن منابع التربية هي الأسرة والمدرسة، دعونا نتحدث عن دور الأسرة في تربية الفرد. فهي المصدر الأول الذي يتلقى منها أهم مرتكزات الهوية الثقافية وتقوم بتلقينه الأخلاقيات وأسس الفكر. الأسرة أيضاً لها دور في غرس معاني الانتماء والعادات والتقاليد. فمنها يعزز الفرد هويته ويقويها مع مرور الوقت. لذا كما نرى أن للأسرة دوراً مهماً في بناء الفرد وبالتالي بناء المجتمع، من هنا تأتي أهمية التماسك كأسرة وتخصيص الوقت بصفة دائمة لمشاركة الأفكار ومناقشة مواضيع حياتية مهمة بالنسبة لأفراد الأسرة الواحدة. صلة التواصل بين أفراد الأسرة هي المعادلة الذهبيّة القادرة على تحقيق الهدف لبناء شخصية الفرد وهويته الثقافية.

أما بالنسبة للمنبع الثاني للتربية ألا وهي المدرسة، فدور المدرسة لا يقل أهمية عن دور الأسرة في بناء الفرد وتعزيز هويته الثقافية، حيث إن المدرسة هي المؤسسة الاجتماعية المعنية ببناء أفراد المجتمع وتمكينهم من تحقيق أهدافهم. كما أن المدرسة هي معنية في الحفاظ على الثقافة وتعزيزها في الأفراد بحيث يتم توارثها من جيل الى جيل. لذا على كل مؤسسة تعليمية مسؤولية كبيرة لتلبية احتياجات أفراد المجتمع ونشر التوعية اللازمة لتثبيت هويتهم الثقافية كي لا تظهر ثغرات قد تساهم أو تسمح في تخلف الأفراد وضعفهم. المؤسسة التعليمية معنيّة من الاستفادة من الثقافات الجديدة من حيث القدرة على إضافة شيء إيجابي لتوجيه الإفراد.

إذاً مصادر التربية المذكورة أعلاه هي من أهم المصادر التي تصنع الفرد وتساهم في بنائه وبناء هويته الثقافية، فإذا تقاعست هذه المصادر عن أداء دورها والقيام بمهمتها كما يجب، سيسهل التأثير في هوية المجتمع الثقافية وبالتالي تؤدي الى ضعف هذه الهوية والانجذاب الى ثقافات أخرى أكثر ترغيباً والتأثر بها. إن دور الأسرة والمدرسة من الأدوار في بناء أفراد مجتمعنا، وإليكم أن تتخيّلوا إن فقد هذا الدور أي هوية ثقافية قد تتشكل لدى الأفراد ولربما تكون هوية ثقافية هجينة لا تمثل مجتمعنا بأي شكل من الأشكال!

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى