أولى

ليست المنصّة بل مصرف لبنان

يدور النقاش التقنيّ حول مدى جدّية وفاعلية المنصة التي يطلقها مصرف لبنان اليوم لتحديد سعر الصرف، في ضبط السوق ووضع حدّ للمضاربات على الليرة اللبنانيّة، ويستند النقاش إلى مخاطر تحوّل المنصة الى فرصة للمصارف لتهريب المزيد من الأموال الى الخارج، أو تحولها الى فرصة لامتصاص النقمة التي نتجت عن الصعود المفاجئ وغير المفسّر اقتصادياً في سعر الصرف، وبعدها عندما تقتضي الحاجة السياسيّة تتكرّر الأمور ويكون قد جرى امتصاص الضغوط.

هذه الشكوك في مكانها طبعاً في ضوء التجربة مع الكثير من تعاميم وقرارات مصرف لبنان، والتي سرعان ما يتمّ طيّها في أدراج النسيان، كحال الدولار الطلابي، وحال الطاسة الضائعة في تحديد لوائح المستفيدين من الدولار المدعوم بين مصرف لبنان ووزارة الاقتصاد، وصمت المصرف عن حجز الودائع، وتغاضيه عن عمليات التحويل التي تمّت الى الخارج استنسابياً، بحيث حرم المستحق ولو بمبالغ بسيطة، وتمت تلبية النافذين ولو بمئات ملايين الدولارات.

هذه المرة لم يطلب أحد من مصرف لبنان إنشاء منصة، وهي بالمناسبة مقرّرة من مصرف لبنان منذ سنة تقريباً، وهي واحدة من القرارات النائمة، فتوجّه الجميع كان نحو حاكم مصرف لبنان وتحميله مسؤولية ما جرى ودعوته لاتخاذ الإجراءات اللازمة لضبط السوق، وكان الكلام الأوضح للأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، في التوجّه لحاكم المصرف بلغة ربطت الموقف من بقاء الحاكم في منصبه بقدرته على ضبط سعر الصرف دون العشرة آلاف ليرة لبنانية، وبدا أن هذا الموقف يلاقي مزاجاً شعبياً عابراً للطوائف والأحزاب والمناطق والموالاة والمعارضة.

القضية هي قضية تقدير حاكم المصرف لدرجة الجدية التي سيتعامل من خلالها مع التلاعب بسعر الصرف، وتحويل الأموال الى الخارج، وببساطة ومن دون مواربة ومن دون مجاملة، إذا أراد حاكم المصرف ضبط السوق ومنع التلاعب، وهو يعلم أن السوق تعيش توازناً نادراً بين الوارد والصادر من الدولارات في السوق الطبيعيّة بعد تراجع الاستيراد الى 10 مليارات دولار سنوياً، وتحسّن الصادرات الى قرابة 4 مليارات، ووجود تحويلات من الخارج بين 6-7 مليارات، فإن أراد الضبط فهو قادر وإن كانت المنصة مخرجاً، فهذا أمر في الشكل، وإن لم يرد فلا المنصة ولا سواها ستنجح.

الحكم سيكون على جدّية حاكم المصرف وليس على المنصة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى