أولى

في الذكرى الثالثة والخمسين
لوقفة العز في معركة الكرامة

 سماح مهدي*

على اثر ما سُمّيت بـ «نكسة حزيران» من العام 1967 التي أدّت إلى احتلال قوات العدو «الإسرائيلي» للضفة الغربية وقطاع غزة ومرتفعات الجولان وسيناء، ذهبت قوى المقاومة باتجاه تنظيم صفوفها خارج الأرض المحتلة بهدف تحرير ما وقع منها تحت الاحتلال. فبات خط الحدود الوهميّ بين أرضنا الأردنية ومثيلتها الفلسطينية جبهة ساخنة بين الجيش الأردني والمقاومة الفلسطينية والقوميّة من جهة وبين قوات الاحتلال «الإسرائيلي» من جهة أخرى، حتى بلغ عدد الاشتباكات معها 44 اشتباكاً بالمدفعية والقصف الجوي والدبابات والأسلحة المختلفة حتى تاريخ معركة الكرامة.

فكانت هذه المرحلة محطة جديدة أثبت فيها الحزب السوري القومي الاجتماعي أنه حزب فلسطين عبر تشكيل «جبهة الفداء القومي» بقيادة الأمين الراحل سامي خوري، والتي نفذت عمليات عدة ضدّ جيش الاحتلال كان أبرزها العملية البطوليّة التي نفذت في غور الأردن بتاريخ 17/03/1968 وأسر فيها الرفيق الدكتور عزمي منصور.

ميزة هذه العمليّة النوعيّة أنها نفذت خلال الفترة التي كثفت فيها قوات الاحتلال «الإسرائيلي» من دورياتها بين جسر الملك حسين وجسر دامية، فضلاً عن الطلعات الجوية لطائراتها المعادية فوق وادي الأردن أيام 15 و16 و17 و18 آذار من العام 1968.

فجر يوم الأحد 21/03/1968، وتحديداً عند الساعة 5:25 فجراً، بدأت قوات الاحتلال «الإسرائيلي» عدواناً واسعاً على الضفة الشرقية لنهر الأردن امتدّ من جسر الأمير محمد شمالاً حتى جنوب البحر الميت موزعاً على أربعة محاور وهي: العارضة، وادي شعيب، سويمة، والصافي. لكن المعارك الرئيسة دارت فعلاً على المحاور الثلاثة الأولى بهدف «القضاء على مواقع الفدائيين الفلسطينيين في مخيم الكرامة»، كما أعلنت إذاعة العدو.

ولتحقيق غايته المزعومة، حشد كيان الاحتلال أربعة ألوية لتلك المعركة: اثنان منها مدرّعان، وثالثها اللواء المظلي 35، ورابعها لواء المشاة 80، تدعمها جميعاً خمس كتائب من المدفعية الميدانية من عيار 105 ملم و155 ملم. هذا بالإضافة إلى وحدات هندسية عسكرية وتغطية جوية بأربعة أسراب نقالة معززة بالمروحيات لنقل كتيبتي مشاة مع معداتهما والتي بلغ قوامهما 15 ألف جندي من جيش الاحتلال.

حجم القوات المهول الذي حشده الاحتلال، تبيّن أنّ له أهدافاً أخرى غير تلك التي أعلن عنها. إذ كانت في صلب أولويات العدوان «الإسرائيلي» الضغط على الأردن ليقبل باتفاقية تخدم مصالح العدو عبر احتلال مرتفعات البلقاء والسلط والاقتراب من العاصمة الأردنيّة عمّان وضمّ أجزاء جديدة من الأردن في محاولة لوضع موطأ قدم على أرضنا شرقي نهر الأردن، وتحويل كلّ تلك الأراضي إلى حزام أمني يؤمن الحماية لكيان الاحتلال.

ساعات من القتال الشرس والمقاومة المستبسلة كانت نتيجتها أن طلبت قوات الاحتلال، ولأول مرة في تاريخ صراعنا الوجودي معها، من كبير المراقبين الدوليين الجنرال أودبول وقف إطلاق النار. وبدأت بسحب جنودها من المعركة التي استمرت 16 ساعة كانت كفيلة بإلحاق هزيمة مذلّة بجيش العدو الذي غرّته نكسة عام 1967 فظنّ مخطئاً أنه بات «الجيش الذي لا يُقهر».

بلغت حصيلة خسائر جيش العدو «الإسرائيلي» 250 قتيلاً، و450 جريحاً، فضلاً عن تدمير 88 آلية مختلفة شملت 47 دبابة كبيرة، 18 ناقلة جند، 24 سيارة مسلحة، 19 سيارة شحن. كما جرى إسقاط سبع طائرات مقاتلة لقوات العدو. فيما ارتقى من الجيش الأردني 86 شهيداً ومن المقاومة الفلسطينية 100 شهيد.

أعطت معركة الكرامة دليلاً جديداً على أنّ الحق لا يكون حقاً في معترك الأمم إلا بمقدار ما تؤيده القوة التي هي القول الفصل في إثبات الحق القومي أو إنكاره.

 

جاءت نتائج تلك المعركة البطولية لتؤكد، بما لا يقبل الجدل، أنّ كلفة الصمود والمقاومة والتصدي هي أقلّ بكثير من كلفة الاستسلام والانبطاح.

 فها هو رئيس أركان جيش العدو، آنذاك، المجرم حاييم بارليف، يقرّ بأنّ «إسرائيل» فقدت في معركة الكرامة آليات عسكرية تعادل ثلاثة أضعاف ما فقدته في حرب حزيران 1967. واعترف المجرم بارليف أيضاً في حديث آخر بأنّ عملية الكرامة كانت فريدة من نوعها، إذ لم يعتد «الإسرائيلي» على مثل هذا النوع من العمليّات.

ودفعت البطولة الاستثنائيّة التي مارسها الجيش الأردني والمقاومة الفلسطينية رئيس أركان القوات المسلحة في الاتحاد السوفياتي، حينها، المارشال جريشكو إلى القول «لقد شكلت معركة الكرامة نقطة تحوّل في تاريخ العسكرية العربية».

أما رئيس أركان الجيش الأردنيّ، في ذلك الوقت، الفريق مشهور الجازي فقال بكلّ فخر، لقد قاتل الطرفان (الجيش الأردني والمقاومة الفلسطينية) جنباً إلى جنب، وكقوة موحّدة تحت شعار «كلّ البنادق ضدّ إسرائيل» فكانت النتيجة مشرّفة.

في الذكرى الثالثة والخمسين لوقفة من وقفات العز القوميّة، لمعركة الكرامة، نؤكد على قاعدة أساس أرسى دعائمها مؤسس الحزب السوري القومي الاجتماعي الشهيد أنطون سعاده، ومفادها «أنّ القوميين الاجتماعيين هم في حالة حرب من أجل فلسطين». فالتحية لكلّ شهيد ارتقى على طريق تحريرها، والتحية لكلّ مقاوم أصيب وهو يؤدي واجبه القومي في فعل المقاومة، والتحية لكلّ أسير لا يزال يقارع سجّانه.

*عضو المجلس الأعلىفي الحزب السوري القومي الاجتماعي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى