الوطن

جنبلاط يخشى على الصيغة الطائفيّة التاريخيّة

} د.وفيق إبراهيم

الوزير وليد جنبلاط من القلائل الذين يتقنون فنون العلاقات بين الطوائف، يعرف متى يقاتل وكيف يتقهقر على عكس رئيس حزب الكتائب سامي الجميل الذي لا يتكلّم إلا من وحي حجمه وهي أنه لا يكبر وان عليه أن يتجاوز أحزاب القوات والتيار الوطني حتى يحقق وضعيّة مسيحيّة مقبولة، لذلك نراه دائماً في حالة استنفار دائمة.

هذا هو الفارق بين الخبرات التاريخيّة وبين أحلام الشباب والمراهقين.

ماذا يجري إذا؟

الحقيقة أن خطاب أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله وانسداد الآفاق بين الرئيسين عون والحريري الى حدود القطيعة، فتحا الآفاق على تطورات لا تُحمَد عقباها، قد تعني الذهاب الى حروب داخلية شعبية مدعومة من دول الإقليم او دعم دول أخرى لها مصلحة حالياً في التسكع في لبنان وجوارها.

لعل هذه العوامل ألهبت سياسياً لبنانياً هو وليد جنبلاط الموجود في لبنان منذ 1516 والمتابع للتفاصيل الأكثر دقة من خلال جده وجدته نظيرة ووالده كمال جنبلاط الأكبر أهمية بين السياسيين اللبنانيين منذ مئة عام على الأقل.

ماذا لفت نظر وليد جنبلاط حتى أصابه هذا الاستنفار؟

للمرة الأولى يشهد الوليد انسداداً حقيقياً كاملاً في المشهد السياسي اللبناني، انقطاع لقاءات تشكيل الحكومة بين كل الكتل قاطبة وصولاً الى القصر الجمهوري وسعد الحريري حيث الانقطاع التراجيدي الكامل، بالمقابل هناك انهيار اقتصاديّ يصيب فقراء البلاد وطبقتهم الوسطى ويضرب كل البنى الاقتصادية اللبنانية الرسمية الواقعة أصلاً في إفلاس حزين. هذا مقابل إقفال تام عن دعم لبنان من صندوق النقد الذي أوقف ديونه للبنان وكذلك البنك الدولي.

اما الملاحظة الإضافية التي هزت الكيان الجنبلاطي فهي الرفض الخليجي الكامل خصوصاً في السعودية والإمارات من إمكانية تزويد لبنان بأي مساعدات كما كان يجري في سالف الأزمان والأيام.. وجد اللبنانيون جزيرة عربية مقفلة بالصراع السعودي الأميركي، فاختار السعد وجهة تأييد محمد بن سلمان، لكن النتائج المادية لم تكن على مقدار المحبة، فظل يؤيده مترقباً هطول المساعدات في أوقات ملائمة، هي تأتي دائماً إنما حسب مزاجات أصحاب المزاج في جزيرة العرب وما أكثرهم، خصوصاً أن وضعياتهم ترتبط بقليل من العلم الأصلي والكثير من الخيرات.

جنبلاط إذاً قرأ كل هذه المعطيات الانسداديّة، مضيفاً إليها ما فهمه من السيد حسن نصر الله الذي بدأ في خطابه وكأنه يريد استمرار الحالة الضبابيّة في السياسة اللبنانية.. وهذا جعل ابو تيمور يدرك ان الجنوب قد يقاوم حاله صراع طويل ام ممدّد له، كذلك استوعب أن سورية جاهزة لدعم مناطق بيروت بما يؤدي الى مزيد من نفوذها فيها، كما استوعب أن الفرنسيين والأميركيين والخليجيين لا يفعلون إلا ما يعزز أوضاعهم فقط وهي لا تتناسب حالياً مع اهتمامات جنبلاط.

هل هناك أسباب إضافية؟

هناك معطيات درزية تفيد ان ابا تيمور أسس ميليشيا محترمة تستطيع أن تقاتل، لكن مشكلتها أنها تحتاج الى ذخيرة وتموين وهذه طرقاتها مقفلة من خلال الطوائف الأخرى.

إنها إذاً المعضلة الكبرى التي قرأ فيها الوزير جنبلاط مرحلة صعبة جداً وهي اهتزاز لبنان نحو بديل لم يخترعه الغرب، لكنه يثير قلق الطائفة الدرزية التاريخية في لبنان.

هذا هو أبو تيمور الذي ما صدق أحد أنه قابل لاقتحام قصر بعبدا بهذه المرونة والنظرة البعيدة للأمور على مستوى النتائجهل يمكن العثور على واحدة منها تلبي حاجة الصيغة اللبنانية الى الاستمرار؟ هناك عشرات الحلول، لكن المطلوب وجود قوة لبنانية أساسية تفرض حلاً برعاية جنبلاطية، وهناك يبدو ان عون وجنبلاط بالتعاون مع السيد حسن نصر الله والرئيس بري قادرون على حياكة نسيج لبناني جديد يأخذ من الصيغة القديمة الارتباطات بين الطوائف، مقتبساً من العلوم السياسية الجديدة طرائق الحلول عند تأزم المواقف بين الطوائف، على قاعدة أن الكل يقبل بنتائج التصويت في قضايا الداخل، مقابل حظر للتصويت إنما فقط في المواضيع المرتبطة بالوجود الطائفي في لبنان.

فهل هذا ما يمكن أن يحدث في لقاءات الاثنين وما يليها بين عون ـ الحريري؟

لن ينلكأ جنبلاط مكتفياً بتلك الزيارة اليتيمة بل يمكن أن يتابع طروحاته مع الرئيس عون وصديقه الرئيس بري إما لتثبيتها او لتطويرها استناداً الى الطروحات الجديدة التي قد تتموضع حولها الطوائف، وذلك للعثور على حلول نهائية لأزمة لبنان شبيهة بما تمّ الاتفاق عليه في اتفاق الطائف أو ما هو مشابه له.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى