الوطن

هل لا يزال ممكناً 
إصلاح النظام اللبنانيّ؟

 د. وفيق إبراهيم

الكلام هنا ليس عن تبديل كامل النظام السياسي اللبناني في حالته الطائفية الى نظام مدني قابل للتعامل مع المواطنين على غير الأسس المذهبية ذات الخلفيات الإقطاعية.

فالمنطقة في نهاية الأمر في قلب شرق أوسط متخم بكل العقد القديمة، ويعجز عن الخروج منها، من إقطاع وطائفية ومذهبية وانظمة تقليدية بتركيباته الرجعية.

واحد من هذه الأنظمة هو النظام السياسي اللبناني المتأسس على أنماط من العشائرية والمناطقية والمذهبيات المتنوعة والنظام السياسي الفاسد الذي أفرغ لبنان من محتوياته الاقتصادية في أقل من نصف قرن.

تتحمل مرحلة رفيق الحريري من 1990 حتى 2005 معظم الإفلاس الذي أصابها ويتحمل سعد الحريري والرؤساء والوزراء المحسوبين على حركة الإفلاس من 2005 وحتى تاريخه، وذلك بالتعاون مع منظومات من سلطة طوائف أخرى عند الشيعة والدروز، شاركوا في حالة إفلاس البلاد بالانخراط في المرحلة السياسية الحريرية من رحلة رفيق الحريري وحتى نجله سعد وشركائه.

هذا النظام مركب اذاً من بنى طوائفية عميقة تتشارك في نهب المال العام وتوالي السعودية عربياً وأميركا خارجياً مع التصاق بأوروبا، فيصبح لبنان الرسمي على متن السطو على الداخل الاقتصادي بدعم سعوديخليجي ويوالي الاميركيين والاوروبيين خارجياً.

هناك بعض انواع التطور التي اقتحمت النظام السياسي اللبناني وتتعلق بتطور قوة حزب الله اللبنانية والإقليمية، بما جعله يمسك بجزء من القرار الداخلي على مستوى التعطيل وحركة الشارع.

بالمقابل لا بد من الانتباه الى ان هذه الصيغة تكاد تهوي الى الحضيض بسبب توصل الفئات الحاكمة الى إفلاس كامل للبنان أصابه في رأس نظامه الاقتصادي والمصرفي، ومنعه من الاستعانة بصندوق النقد الدولي ومعه البنك الدولي.

فانضم هذا الإفلاس الى إفلاس سياسي أصاب العلاقات بين مواقع رئاسة الجمهورية والحكومة والمجلس النيابي والمؤسسات الحكومية بإفلاسات قاتلة.

هذا الوضع يدفع إلى التساؤل هل بالإمكان إصلاح النظام السياسي اللبناني؟

تحتاج عمليات الإصلاح إلى إعادة وصل بين الفئات الأساسية للسلطة من رئاسة جمهورية وحكومة ومجلس نواب، وهذا غير حاضر حالياً، وقد يحتاج الى الداعم الخارجي للنظام السياسي كي يصبح الأمر ممكناً؟

هذه الدول الخارجيّة لم تتحرّك حتى الآن. فالخليج ثابت لا يتحرّك لضبط الفوضى السياسية اللبنانية لأنه يعتبر أن الدخول الإيراني الى السياسة في لبنان أمر ممنوع وتجب مكافحته بالإهمال اولاً وصولاً الى الصراعات الضرورية بإسناد من أوروبا والأميركيين. ويعتبر هذا الخليج بإيحاء أميركي أن الروس آتون الى المنطقة ما يجعل الدور الإيراني في سورية ولبنان أكثر صعوبة وقد يتطلب ادواراً أميركية خليجية وداخلية اكثر صعوبة وتتطلب أدواراً خليجية مفتوحة ومدعومة من الحلفاء الأجانب.

كيف يمكن اذاً إعادة بناء نظام سياسي لبناني طائفي موالٍ كالعادة للغرب السياسي؟

يشكل الإسناد المالي العامل الأساسي للتسلل الى لبنان ولا يبدو أن هناك غير الخليج من هو قادر على هذا الدور بمعنى ان الاميركيين والاوروبيين قد يشجعون الخليجيين على دعم لبنان في مراحل معينة فيعود النظام السياسي متموضعاً على طائفية داخلية عميقة وتأييد خليجي بدأ السفير السعودي البخاري بإعادة رسمها انطلاقاً من زيارته قبل يومين للرئيس عون.

فيبدو أن الدور السعودي يتحضر للعودة الى لبنان بالأسلوب نفسه الداعم لنظام طائفي.

لبنان يستند على حلف ماروني سنيّ وربما أضاف إليه الشيعة باعتبار رئيس المجلس النيابي نبيه بري لم يعد يرضَ إلا بما يعادل النفوذ الشعبي والسياسي والإقليمي للشيعة في لبنان والجوار.

هذا ما يؤكد أن النظام السياسي اللبناني التقليدي قابل للمعاودة في ظل الانسداد السائد في لبنان وغياب القوى التغييريّة الأساسية التي لا تزال منضبطة ولا تتحرّك إلا في إطار تأييد النظام القائم.

الملاحظ إذاً أن القوى المؤيدة لإحياء النظام الطائفي القديم أقوى بكثير من أي حركات تغيير. وهذا واضح في الجمود السياسي الداخلي حول طائفيات النظام الثلاث وتأييده من قبل قوى الخارج في الخليج وأوروبا وأميركا، في حين ان حركات التغيير ضعيفة وليست لديها قوة خارجية تؤيدها. ولا يبقى إلا أن يقتنع الغرب ومعه الخليج أن هناك ضرورة لإعادة جمعها في إطار نظام طائفي لبناني بوسعه نقل نموذجه الى الخارج والنأي بنفسه عن أي تغيير ينهي لبنان نموذج 1920 الذي لا يزال مع الطائف القوة الحقيقية التاريخية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى