أولى

“رؤية جديدة” لمواجهة الأزمة في لبنان مشرقيّة لا طائفيّة…

 د. كلود عطية

يجب على لبنان أن يستعيد دوره في هذا المشرق، وأن يخرج قوياً من وسط الصراع الجيوسياسي والحصار الاقتصادي. والأساس هو قوة الدولة اللبنانية بشعبها وجيشها ومقاومتها. هذه هي المعركة التي على الشعب اللبناني أن يخوضها بدعم من جيل الشباب المتمرّد على العصبية المذهبية والطائفية والتبعية للنفوذ الخارجي، في مواجهة مخطط التدمير الممنهج للدولة بكافة مؤسساتها. هذا التدمير الذي يأتي من الداخل، حيث تركزت مصالح وامتيازات فئوية في ظلّ التأسيس الطائفي الخاطئ، عن قصد، للسلطة والدولة بعد الغزو الفرنسي وانتدابه واستعماره للبنان. وبعضها الآخر في المنطقة، حيث صراع المحاور الإقليمية والدولية فوق المسرح العربي بشكل عام والسوري بشكل خاص. وكلها في تداخل وترابط بين الداخل والخارج.

فالحوار الناتج عن التبعية الاستراتيجية لدول الغرب والشرق ما زال مستمراً رغم كلّ ما يعصف بلبنان من أزمات، وصلت حدودها الى حدّ تجويع اللبنانيين بعد سرقة أموالهم وتهريبها الى الخارج…

من هذا المنطلق لا بدّ من إعادة تنظيم العلاقات بين لبنان ودول العالم وفق ما نحتاجه مثلاً من موسكو أمنياً وعسكرياً واقتصادياً. أو من إيران في دعمها الدائم للمقاومة، بالإضافة الى تعميق العلاقات الإيرانية – اللبنانية على المستوى الاقتصادي والتجاري وعلى مستوى البحث العلمي والإنتاج المعرفي، وبالتالي التنفيذ العملي للاتفاقات، خاصة أنّ إيران تمثل عمقاً استراتيجياً مهماً في المنطقة… بالإضافة الى ذلك يحتاج لبنان إلى “رؤية جديدة”، وبالتالي “إعادة تموضع لبنان في مجاله الطبيعي واستعادة العلاقات مع محيطه المشرقي. وليس هذا ما يريح الولايات المتحدة الأميركية وأتباعها بالطبع. فهي تريد الاستئثار بلبنان لضرب المقاومة لمصلحة العدو “الإسرائيلي” ورفض أيّ تعاون لها مع إيران، وتطالب بتسليم سلاح حزب الله وجعله بإمرة الدولة.

ما نقصده بالتعاون المشرقي لا يرتبط بشعار “المشرقية” الذي كان محاولة لحماية لبنان واستعادة الدور المسيحي في تاريخ المنطقة، عبر إحياء الروابط بين كلّ المذاهب المسيحية، خوفاً من طغيان التنظيمات المتشدّدة التكفيرية الإرهابية تحت عنوان الإسلام السياسي. وهو ما جرت في الفترة الأخيرة محاولات لتوسيعه وتطويره بحيث صارت “المشرقية” تعبيراً عن “حلف الأقليات” في مواجهة أكثرية. الا أنّ المقصود هو مشرق الكلّ حيث لا أكثرية ولا أقليات بين الشعب الواحد.

أما الهدف فهو الانتقال من الصراع الأحاديّ الى التعاون في المواجهة، وبالتالي خلق مجلس تعاون مشرقي قوامه التنمية الاقتصادية والاجتماعية والتعاون الأمني والسياسي ومكافحة الإرهاب، وبالتالي هي رؤية لاستعادة قوة دول المشرق في وحدتهم الاقتصادية والإنتاجية والتجارية والتسويقية، بالإضافة الى وحدة المصير السياسي في مواجهة الحصار الاقتصادي، وكلّ الحروب المفتعلة والمتنقلة في دول المشرق وأعمقها القضية الفلسطينية ومحاولة تقسيم سورية واستعادة أحلام اتفاقية سايكس بيكو… وبالتالي لا بدّ من التضامن والتعاون في مواجهة السياسات الأميركية “الإسرائيلية” التوسعية في دول المشرق.

بناء عليه، على الدولة اللبنانية أن تنشد الوحدة الاقتصادية مع سورية والعراق والأردن وفلسطين طوعاً لأنها تنبع من قيَمٍ ومصالح مشتركة، يقودها الوعي والقرار الحرّ الذي يحفظ لكلّ دولة استقلاليتها وحريةَ قرارها ويعزّز المشترك الجامع بينها. من هنا، على الدولة اللبنانية أن تنظر بجدية الى رؤية الحزب السوري القومي الاجتماعي حول تأسيس مجلس تعاون مشرقي، وأن تلعب دورها في إطلاق التفاعل المشرقي، اقتصاداً ومالاً، صناعةً وزراعةً، علماً وثقافةً، نقلاً مشتركاً وسوقاً موحّدة… على أن لا تنسى أنّ المشرقيّة هي في صلب الرسالة اللبنانيّة التي كرّستها الأمم المتحدة في الوثيقة التأسيسيّة لـ «أكاديمية الإنسان للتلاقي والحوار”.

علنا ندرك بأننا كمشرقيين نتكامل بالمعرفة وبالاقتصاد، بالثروات وبالانسان. وبالتالي علينا أن نتوجه الى دمشق قلب الأمة النابض، ومنها الى بغداد وعمّان والقدس. كما لا بدّ من التعاون مع امتدادنا العربي من الجزيرة الى اليمن، وننفتح على أفريقيا، والصين وإيران وروسيا، ونتشارك مع أوروبا في حوضٍ متوسطي حضاري. نتفاعل ونبني مع الجميع علاقات الثقة التي ترتكز على الأمن المشترك والمصالح المشتركة. نحن أهل المشرقية التي يجب ان تكون تكاملية في الاقتصاد في ما بيننا، ومع جيراننا ومحيطنا. لنبقى ويبقى لبنان، وإلا سيبقى مجرد ورقة خريفيّة تسقطها الرياح الأميركيّة متى تشاء!

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى