أولى

هل يسقط لبنان سياسياً في حضن المحور الأميركيّ الصهيونيّ؟

المحامي معن الأسعد _

الانهيار الشامل الذي يشهده لبنان، سياسياً واقتصادياً ومالياً واجتماعياً ومعيشياً وصحياً، ليس وليد الساعة، بل هو نتيجة تراكمات فساد مزمنة، وسياسات خاطئة، انتهجتها عهود وحكومات وسلطات متعاقبة، عناوينها الفساد والمحاصصة والنهب والاحتكار والإهمال والحرمان، ومصادرة مقدرات الدولة والمؤسسات، واستباحة الدستور والقانون، واغتصاب حقوق اللبنانيين، تحت شعارات طائفية ومذهبية ومناطقية، من أجل تقاسم النفوذ والسلطة والمال العام والخاص، فضلاً عن الاتفاق بين قوى السلطة على اجتراح قوانين انتخابية مفصّلة على قياسها، وإعادة إنتاج نفسها، وعدم إفساح المجال لأيّ قوى وطنية حرة لدخول «جنة» البرلمان.

وبات واضحاً أنّ ثلاثي السلطة ومصرف لبنان وجمعية المصارف، وتحديداً حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، الحاكم بأمره، وبالسلطة التي توفر له الغطاء والحماية السياسية والقضائية، نفذ «بأمانته» المعهودة وحرفياً، أوامر وتوصيات جيفري فيلتمان التي أقرّتها اللجنة الفرعية في الكونغرس في 20/11/2019 والتي تختصر بالآتي:

«علينا إقناع المواطن اللبناني بأنّ لديه خياراً من إثنين:

إما الفقر والجوع بوجود حكومة تمثل فيها المقاومة،

واما إمكانية الازدهار (potential prosperity ) بحكومة لا تشارك المقاومة فيها.

وقد تمّ تكليف رياض سلامة، بتنفيذ مخطط انهيار قيمة النقد اللبناني، والسطو على أموال المودعين في المصارف، ومنحه صلاحيات مطلقة، وحصانة شاملة من عصابة اللصوص الوقحة التي تحكم لبنان، والتي لم تتجرّأ حتى على محاسبته، أو مساءلته عن الأموال المنهوبة والمهرّبة، حتى لا ينكشف أمرها، وفضائحها وحجم سرقاتها وثرواتها أمام الرأي العام المحلي والخارجي.

فشلت محاولات رئيس الحكومة الجديدة آنذاك حسان دياب في تطويع رياض سلامة، وفي الحصول على مساعدات وقروض دوليّة، لكنه لم يوفق لأنّ «الحاكم» ومَن خلفه وقفوا له بالمرصاد.

عبثاً حاول الوقوف في وجه حيتان المال والسياسة فانهار في جلسة مجلس النواب بتاريخ 10/6/2020 تحت ضربات منتهجي الفساد والاستزلام والمحاصصة المستمرة منذ ثلاثة عقود، والتي أنهت وجود مؤسسات الدولة وتحويلها الى مزارع طائفيّة مذهبيّة ميليشياويّة.

أدرك حسان دياب حينها، أنّ أفضل خياراته هو الرضوخ للتهديدات الأميركيّة، وتنفيذ ما يُملى عليه من دون قيد أو شرط، وأنّ الاستقالة لم تعد خياراً متاحاً لأنّ «دخول الحمام ليس كالخروج منه». في وقت كان فيه الأميركي والصهيوني يهدّدان لبنان علناً، ويفرضان عليه الالتزام بـ «قانون قيصر» ومحاصرة سورية، ولم يعد سراً أنّ وزيرة الدفاع زينة عكر وزّعت على الوزراء في حينها، نسخة عن هذا القانون لدرسه، معلنة أنّ الموقف الأميركي جادّ لجهة تطبيقه من دون اعتراض، وأنّ العقوبات الأميركية ستدخل حيّز التنفيذ في 15/6/2020.

التهديد الأميركي الصهيوني الجدي، هو أن يتخلى لبنان رسمياً عن سياسة النأي بالنفس، وبالانضمام الى المحور الصهيوأميركي، وإلا الويل والثبور وعظائم الأمور.

كان السؤال آنذاك، كيف يمكن للبنان أن ينضمّ لـ «قانون قيصر» وإعلانه الحصار، والحرب المقنّعة على سورية؟ كان المطلوب من رياض سلامة اعتماد سياسة سحب الدولار من السوق عبر الصرافين التابعين له وهذا لا يزال مستمراً لغاية اليوم (مراجعة التحقيق مع مدير الصرف في مصرف لبنان مازن حمدان واعترافه صراحة» بدور رياض سلامة) بالتوازي مع عدم ضخ عملة أجنبية في السوق، وبث الإشاعات عن ارتفاع سعر الصرف إلى أرقام خيالية وغير مسبوقة، وهذا هو واقع سعر صرف الدولار، الذي بلغ نحو 15 ألف ليرة، وهذا يعني ارتفاع أسعار السلع بشكل فاحش وإقفال معظم المؤسسات التجارية وإشعال الشارع مجدّداً.

كلّ هذا ترافق مع حملة إعلاميّة مكثفة دولية ومحلية من بعض أذناب المحور الأميركي للإيحاء بأنّ سبب الأزمة المالية والاقتصادية هو المعابر غير الشرعية بين لبنان وسورية، وبأنّ المازوت مقطوع بسبب تهريبه إلى سورية، وأنّ هناك أيضاً من يسحب الدولار من الأسواق اللبنانية وتهريبه الى سورية، وعلى الحكومة اللبنانية اتخاذ القرارات الحاسمة لضبط الوضع، وبالتالي انضمام لبنان إلى «قانون قيصر» بشكل مقنّع!

إنّ سورية بريئة بالطبع من هذه الاتهامات، ومن غير المقبول التجنّي عليها واستهدافها، لأنها انسحبت من لبنان منذ 15 عاماً ولا علاقة لها أبداً بازدياد الدين العام ووصوله إلى مئة مليار دولار وما فوق.

لا علاقة لسورية لا ماضياً ولا حاضراً، بهدر مئات المليارات من الدولارات بسبب نهج الطبقة السياسية الحاكمة بالفساد والاستزلام والمحاصصة.

وهي لم تسرق أموال المودعين في المصارف..

بل أنتم الحاكمون من فعلتم ذلك، وما حصل ويحصل للبلد والناس والدولة والمؤسسات، كله نتاج أفعالكم الجرميّة واللاأخلاقية يا عصابة اللصوص الوقحة التي تحكم وطناً اسمه لبنان.

هل تعتقدون أنّ انضمامكم إلى المحور الأميركي لحصار سورية، وتخفيض قيمة العملة الوطنية أمام رفع سعر صرف الدولار في لبنان (الارتفاع والانخفاض سياسي وليس فقط اقتصادياً ومالياً) وإفقار الشعب وتجويعه، وعرقلة تأليف الحكومة ستنجحون في جرّ لبنان وتطويعه وضمّه الى المحور الصهيوأميركي؟ فأنتم مخطئون، ولم تقرأوا التاريخ جيداً.

لبنان، أيها المراهنون، المرتهنون لن ينضمّ إلى قانون قيصر وتطبيق القرار 1680، ولا تنفيذ القرار 1559 أو السماح لأيّ كان بنزع سلاح المقاومة! ولن تنفعكم المطالبة بتنفيذ القرار 1701 والهدنة والتطبيع مع العدو الصهيوني!

ولن تنجحوا في استجرار المجتمع الدولي والأمم المتحدة إلى لبنان.

أتريدون حرباً لا تبقي بشراً ولا حجراً؟ لاعتقادكم بأنكم إذا ما ارتميتم في حضن الأميركي الصهيوني ستجنون «المن والسلوى»؟

راجعوا التاريخ جيداً أيها الأغبياء، فكلّ من راهن على الأميركي لم يحصد سوى الذلّ والعار.

أما بالنسبة لمحور المقاومة، عليه أن يراجع حساباته، ويعلم، وهو يعلم، أنّ استمرار سياسة نهج الفساد والاستزلام والمحاصصة هو أفضل وأمضى وأفعل سلاح بيد المحور الصهيوأميركي، لأنّ الخلية السليمة تحتاج إلى جسم سليم كي تعيش، والشعب اللبناني يحتاج إلى وطن، وليس إلى مزارع طائفية مذهبية ميليشياوية.

استعدوا جيداً، لأنّ المؤامرة كبيرة، وتحصين الداخل أوجب الموجبات قبل وصول الخارج، وتأكدوا، أنه عندما تقع الواقعة لن تبقى سوى ناقة، وقليل من رجال من البصرة…

*أمين عام التيار الأسعديّ

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى