أولى

في الذكرى الخامسة والأربعين ليوم الأرض.. تعلّمنا من سعاده كيف نحبّ فلسطين بصورة مختلفة

 سماح مهدي* 

في العديد من اللقاءات التي أحضرها، أسمع عبارات الاستغراب المختلفة على ألسن الناس عن هذا الارتباط العميق بفلسطين والدفاع المستميت عنها. فيتدخل أحد الحاضرين ليبدّد ذلك الاستغراب عبر توضيح مقتضب مفاده «وماذا تنتظرون ممّن ولد لأمّ فلسطينيّة وتحديداً من جبل النار – نابلس؟»

لا أذيع سراً إذا ما قلت إنّ للتربية المنزليّة أثراً مؤسّساً، خاصة إذا ما عزّزها إيمان بالعقيدة السورية القومية الاجتماعية ترسخ أباً عن جدّ. فتصبح مسألة عادية أن تفتح عينيك لترى في صدر منزلك زوبعة حمراء هي نتيجة أشغال يدويّة محترفة خرجت من تحت يدي زهرة تدرّبت في أحد مخيمات الحزب السوري القومي الاجتماعي. لكن للمشهد جماليّة مختلفة تكتمل عندما ترى خريطة أنجزها شبل في أحد مصانع الصمود تأبى أن تستريح إلا في ظلّ تلك الزوبعة، هي بكلّ بساطة خريطة فلسطين كاملة من بحرها إلى نهرها.

تبدأ مسيرتك الحزبية الفعلية عند الالتحاق بمخيمات الأشبال، فيتمّ توزيع المشاركين على الخيم. وما أن تصل إلى خيمتك حتى ترى مرفوعاً فوقها علم كتب في وسطه اسم مدينة أو قرية من جنوبنا السوري – فلسطين. فيكون السؤال المباشر لمفوض الأشبال عن سبب اعتماد هذه التسميات للخيم، ليأتيك الجواب البنائي الأول: «إذا ما سألناك أين تقيم؟ ستجيبنا باسم متّحد من متحداتنا الفلسطينية. وإذا أردت أن تدلّ رفيقك الشبل على مكان إقامتك، ستنتهج المنهاج نفسه».

قد يكون الجواب الأول مقنعاً، لكنه ليس كافياً لإشباع فضول شبل من أشبال الحزب السوري القومي الاجتماعي. فما أن يجتمع المشاركون في المخيم وفق ترتيب الفصائل، حتى يتكرّر السؤال ولكن لآمر المخيم هذه المرة.

الجواب البنائي الثاني مختلف هذه المرة. فآمر المخيم سيأخذك إلى بعد أعمق، ويدلك على المكتبة ناصحاً إياك بقراءة كتاب يتناسب مع عمرك. ويطلب منك أن تلخص من ذلك الكتاب معلومات عن المدينة أو القرية التي ارتفع اسمها فوق خيمتك.

استكمال العمليّة البنائيّة يأتي في موقف آخر عندما تجتمع مع فصيلك الذي يحمل اسم شهيد من شهداء الحزب السوري القومي الاجتماعي الذين ارتقوا من أرض فلسطين أثناء قيامهم بواجبهم القومي في الدفاع عنها ضدّ العصابات اليهودية وقطعان المغتصبين.

في ذلك الاجتماع وغيره يدور الحديث بين الأشبال والمفوّضين، وتطرح الأسئلة ويدور النقاش. فتصلني أولى جرعات رفع المعنويات عندما أعرف أنّ أول شهيد من شهداء الحزب السوري القومي الاجتماعي الرفيق حسين البنا ارتقى إلى عليائه في العام 1936 من فلسطين. وما أكاد أتلقى الجرعة الأولى حتى تأتيني الثانية مباشرة من المفوّض وهو ينظر إليّ قائلاً «إيامك طيبة، الشهيد حسين استشهد عندكم في نابلس».

تتابع مسيرتك الحزبية في الحلقات والصفوف الإذاعيّة وصولاً إلى المتقدّمة منها والتي تتضمّن دستور الحزب ونظامه الداخلي وتحدّد تفاصيل عملية الانتماء. هنا تشعر وكأنك تقف على مفترق طرق، إنها لحظة الولادة الجديدة بالانتماء إلى صفوف الحزب التي تتطلب منك تعبئة طلباً من نوع خاص.

في طلب الانتماء، أولى الكلمات التي تقع عيناك عليها «أذكروا فلسطين». لله درك يا حضرة الزعيم، وكأنك تريد أن ترسّخ فينا قاعدة ثابتة لا تتزحزح مفادها أنّ «فلسطين هي مفتاح الانتماء إلى الحزب السوري القومي الاجتماعي». بمعنى آخر، فلسطين هي البوصلة التي تدلك على طريق الحق. لا بل هي معيار الحق بحدّ ذاته، كلما اقتربت منها اقتربت من الحق، وكلما ابتعدت عنها ابتعدت عن الحق.

ولأنها فلسطين – معيار الحق جاء الثلاثون من آذار عام 1976 ليسجل في التاريخ وقفة من وقفات العز البطوليّة لأبناء أمتنا، حيث عمّ في ذلك اليوم الإضراب الشامل مدن وقرى الجليل والمثلث في جنوب الأمة السورية – فلسطين، ورافقته اشتباكات مباشرة مع قوات الاحتلال كانت أشدّها ضراوة في قرى سخنين وعرابة ودير حنا أدّت إلى ارتقاء الشهداء خديجة شواهة ورجا أبو ريا وخضر خلايلة وخير ياسين ومحسن طه ورأفت زهيري، هذا فضلاً عن 49 جريحاً ونحو 300 معتقل. فتحوّل ذلك اليوم بقوة المقاومة إلى يوم للأرض تخلد على مدى السنوات.

في الذكرى الخامسة والأربعين ليوم الأرض لا بدّ من وقفة مع ما قاله مؤسس الحزب السوري القومي الاجتماعي الشهيد أنطون سعاده عندما عاد من مغتربه القسريّ إلى لبنان بتاريخ 02/03/1947، فألقى بحضور عشرات الآلاف من القوميين الاجتماعيين خطابه الشهير المعروف بخطاب العودة الذي جاء فيه:

«ولعلكم ستسمعون مَن سيقول لكم إنّ في إنقاذ فلسطين حيفاً على لبنان واللبنانيين وأمراً لا دخل للبنانيين فيه. إنّ انقاذ فلسطين هو أمر لبناني في الصميم، كما هو أمر شامي في الصميم، كما هو أمر فلسطيني في الصميم. إنّ الخطر اليهودي على فلسطين هو خطر على سورية كلها، هو خطر على جميع هذه الكيانات».

بهذا الإيمان نحن ما نحن، وبهذا الإيمان نحن ما سنكون، وبما نحن، وبما سنكون تعلّمنا من سعاده كيف نحبّ فلسطين بصورة مختلفة، فبات هتافنا المدوي «لتحي سورية» لا يكتمل إلا ومن ضمنه «تحيا فلسطين».

ــــــــــــــــــــــــــــــ

*عضو المجلس الاعلى في الحزب السوري القومي الاجتماعي.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى