أخيرةثقافة وفنون

الومضة نص شعريّ

} أ. لطفي التياهيتونس

أن تَكتب الومضة هو تمامًا كأن تكون جالساً في أمان الله وتقوم لتقبيل قطار يجري بسرعة الصّوت.

يقول الشّاعر التونسي رحيم جماعي، الومضة:

أن تُنير ليل العالم

الطّويلبشمعة

ليس ثمّة شكّ في صعوبة تِبيان ملامح الومضة وطرائق كتابتها والتمكّن من ناصيتها، فهي عصيّة عن المَسك متمنّعة عن المُتاح والمألوف في علاقة بسوابق ما نعرفه وما ألفناه عن النّص الشّعريّ، وإن حاول بعض المنظّرين والدّارسين محاولة تثبيتها، بما جعلوه مشتركًا بينها وبين الشّعر من أساليب فنيّة، فقد تنفض عن نفسها هذا المشترك مُستقبلًا لندرك أنّها جنس آخر من أرض الكَلَمِ ولا تقاطعات كلاسيكيّة لها مع النص الشّعري كما عهدناه سلفًا، وإنّما تجب دراستها كنمط مستقلّ بأدوات جديدة تخصّها من دون سِواها.

جاءت الومضة كتطوّر لمفهوم الشّعر عبر مراحل تاريخيّة مختلفة، وانعكاس هذا التّطور على المعايير المعتمدة في الحكم على نص شعريّ ما، فأحدثت رجّة في معيار الجماليّة من دون معزل عن زمانها فلم يعُد هذا الزّمنالذي فقد خصائصه التّقليدية في الومضةالمعيار الموضوعيّ لاحتساب أثر خطوات عقارب السّاعة، بل أصبحت السّاعة ساعة إلاّ لبعض منها والسّنة دقيقة والدّقيقة دهراً في إطار عام من الإلغاز.

يقول الشاعر التونسي رحيم جماعي:

تعالي

أنا أنتظر قرونًا

منذ

دقيقتين

أمّا عن الحقل الدّلالي للومضة فهو حقل بخصب شاسع في أصيص، منطلقاته ما رامه الشّعراء من واقعهم، ولكن طرق التّعبير عنه تعتمد درجة تكثيف قويّة جداً ودقّة في التّعبير لا إسهاب في الوصف ولا التّشابيه ولا مماطلة في المضمون، بل الولوج إلى عمق مقصد المعنى بلغة شعريّة دقيقة قويّة، وفكرة شعريّة عالية جداً تعتمد انسيابًا عضويًّا بديعًا لوعي شعريّ عميق،إذًا الومضة نتاجW تغير في ديناميكيّة الحياة وسرعتها واجتياح العولمة حصون الهُوَيْنَة ومُعاشنا. يقول يوسف الخال نحن نجدّد في الشّعر لا لأنّنا قرّرنا أن نجدّد، نحن نجدّد لأنّ الحياة بدأت تتجدّد فينا أو قل تجدّدنا، لم يعُد نسق الحياة يسمح بتحنيط المتلقّي واستفزاز الانفعال زمنًا طويلًا أمام قصيدة مطوّلة بطمّ نَسْجِها، فجاءت الومضة أصغر بنات الشّعر وأكثرهنّ بلاء، وأزاحت عن نفسها غبار الرّحلة والرّاحلة وعبء الوزن والتّفعيلة، فومضت كبرق خاطف وأحدثت المتغيّر شكلًا ومضمونًا، كم قصيدة علق منها في أذهاننا بيتًا أو بعض أبيات فقط فطرحت مسألة نفاذ النّص هنا إشكالية القصر والإيجاز، وذهب الشّعراء إلى تلخيص المشهديّة في ما قصر من الجمل مع المحافظة على شعريّة النّص، ودور الشّاعرية في جماليته وتأصيله في ذهن المتلقّي، لذلك تتطلب الومضة شاعرًا مخصوصًا جداً بتركيبة ذهنيّة وإدراكيّة تستوعب ملايين الصّور الشّعرية في بضعة أسطر فكان مُسعفهم في معضلة القِصر والنّفاذ التّكثيف العالي جدًّا، والضّغط على الدّلالة بما أوتي القلب من عضلة مع ضرورة وصول الفكرة بإدهاش حدّ الرجّة.

أصبح لزامًا على الدّارسين والباحثين المهتمّين بالأدب الوجيز تبيان الفرق بين الومضة والقصيدة القصيرة بما يساهم في تحديد ملامح فصيحة للومضة كنمط شعريّ جديد لا علاقة لدراسته بالأدوات الفنيّة التقليديّة للشعر.

إذا كانت الومضة نصّاً شعرياً مخصوصاً فأي قارئ يتطلّبه هذا النص وجدليّة العلاقة بينهما؟ 

*صديق ملتقى الأدب الوجيز.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى