الوطن

الأحلاف القاتلة
الصراعات الدوليّة نحو انفجار قريب

} د.وفيق إبراهيم

تجمع الولايات المتحدة الأميركية حشداً كبيراً من دول أوروبية وخليجية وأخرى من أماكن متفرقة من العالم لبناء تحالفات تستطيع مواجهة روسيا وحلفائها.

الأمر أصبح مختلفاً عن الماضي المندثر، فأميركا لم تعد تقبل بأحلاف متواضعة على شاكلة ما كانت تفعله الولايات المتحدة قديماً. فما يجري اليوم هو تركيب ائتلافات كبرى بوسعها وضع حد لروسيا سواء في أوكرانيا او أرمينيا او أي مناطق أخرى في العالم.

فأميركا اليوم تبني هذه الاحلاف وهي على درجة عالية من اليقين انها رابحة، وروسيا بدورها تعتقد أن انفتاحاتها على سورية وايران كافية لمدّها بوسائل هامة جداً في لعبة الصراعات الدولية.

الأميركيون جمعوا الأوروبيين والخليجيين متوهمين انها فرصة فريدة للنزال مع الروس وجعل العالم أميركيّاً صغيراً. فهل هذا ممكن؟

إنها مسألة صعبة. فالعالم يبقى روسياً وسورياً وإيرانياً وبوسعه مناوشة الأميركيين واصحابهم الخليجيين في كل وقت. والدليل ان الخليج النفطي محدود الباع يبحث عن حل للحرب الإيرانية ولا يجد ويستغيث بالأميركيين عبثاً، كما أن السعودية تستنجد بالعراق لعلها تجد وسيلة للحل من دون نتيجة، وكذلك فإن استعانتها بمصر وجامعة الدول العربية لا تؤدي الى أي نتيجة حاسمة، فالأحلاف في خاتمة الأمر هي محاولات لإضفاء قوة زائدة على دول تريد بأية طريقة الانتصار على الآخر.

ماذا يعني هذا الأمر؟

إن العالم جامد على نمط من التحالفات الثابتة غير القابلة للانكسار. وهذا يعني أن روسيا لن تقبل بكسر أي حلف من تحالفاتها الجامعة في اوروبا والشرق الاوسط.

الصراعات الدولية اذاً هي الأداة التي يلجأ اليها الروس والأميركيون لاختراق الممكن الثابت من العلاقات.

فهل تذهب الأمور نحو حرب فعلية؟

الحروب الكبرى مستحيلة، لأنها مترابطة بمسلسل حروب صغيرة وكبيرة قد تفجّر العلاقات بين روسيا والولايات المتحدة في غير مكان، ويبدو أن الطرفين عازفان عن حروب على هذا النحو.. ولا يريدان لأي طرف محلي في الشرق الأوسط واوروبا استدراجهما الى حروب فعلية.

فأوروبا واليابان لا تستطيعان ربط أميركا بحروب فعلية، كذلك فإن الصين وسورية وإيران وأوكرانيا وأرمينيا، تعجز عن أدوار مماثلة.

إذاً نحن أمام حالة لا حرب فعلية، يلقبها البعض بالأحلاف القاتلة، لكنها لا تقتل احداً ويبدو أن الاوروبيين مصرّون على تحالفات اقتصادية مع الخليج وبلدان أخرى لتحسين اوضاعهم الاقتصادية.

فالخطة الجديدة للتحالفات تقوم على مجهود أوروبي للتحالف مع الخليج، وربما إيران وسورية مقابل تحالف أميركي يمسك بالخليج مؤدياً دوراً كبيراً مع اليمن وإيران وسورية في إطار من الصراعات الممكنة التي لا تسقط بحروب أميركيّة في تلك المناطق.

لذلك فإن ما تجب معرفته هو سقوط مفهوم الحرب الكبيرة لمصلحة حروب أميركيّة صغيرة يمسك بها الأميركيّون في هذه الدول بطرق مختلفة.

هنا قد يفتقد البعض أن الأدوار الإيرانية والسورية ذاهبة الى حروب مع الأميركيين، لكن واقع الحال يؤكد أن سورية بالتحالف مع الروس ذاهبتان لحرب مع الأميركيين في شرق الفرات وعند الحدود السورية العراقية.

كذلك فإن إيران مصرّة على إيلاء دور لحزب الله في لبنان وسورية أكبر من إمكاناته، خصوصاً أن هذا الحزب أصبح يمثل تنظيماً قوياً جداً متمكناً يستطيع الاستمرار في قتال «اسرائيل» على أكثر من جبهة.

كذلك فإن السوريين بالتعاون مع الروس عازمون على دحر الأميركيين من الشرق السوري ومحاولات فتح علاقات هامة جداً مع العراق.

هنا لن ننسى أن سورية تعوم في الشرق على غاز ونفط كذلك لديها ما يكفيها من غاز في البحر المتوسط عند الحدود اللبنانيّة، بما يؤكد أن القتال السوري اللبناني ليس ضعيفاً، لن يكون سمير جعجع قائداً ميموناً بوسعه منازلة السوريين في أكثر من مكان.. فجعجع هو الرجل الأميركي ـ الإسرائيلي الذي يسعى لاستدراج الاسرائيلي والأميركي لمنازلة السوري في صراع على الغاز والنفط، أما منازلاته لأسباب عسكرية أخرى فهي مزاح ثقيل لأن السوريين في حالة حلف مع الروس وهؤلاء لن يقبلوا قط بأي منازلة بينهما.

المنطقة الى أين؟

هناك حلف خليجي لا يزال في إطار التمهيد ويطمح للإمساك بالعراق ومصر وجزيرة العرب مقابل حلف سوريّ ايرانيّ يبدو هو الأقوى في المنطقة عسكرياً وشعبياً ويستعد لمنازلة الأميركيين أنفسهم.

فهل تقاتل أميركا في الشرق الأوسط؟

لا تبدو الأمور على هذا النحو، لأن روسيا لا تقبل بدور عسكريّ كبير للأميركيين وتستعد لمكافحته بكل الوسائل.

وما تجب ملاحظته هو أن الروس ذاهبون لبناء تحالفات قوية في لبنان والشرق الأوسط قادرة على وضع حد لدور أميركيّ يريد التهام أخضر النفط ويابس الغاز على طول الساحل اللبناني.

التحالفات إذاً تتجه للاحتلاف وروسيا تبني ادواراً جديدة تريد منها الإمساك بغاز المتوسط ونفطه على حساب الأميركيين المهرولين من أميركا إلى أوروبا لالتهام ما يمكن التهامه من النفط.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى