الوطن

أمين سرّ نقابة القصّابين ومستوردي وتجار المواشي الحية ماجد عيد لـ «البناء»:

سوق سوداء لبيع اللحوم... ووزير الاقتصاد «مقصّر» أمام وساطات طائفية وسياسية تشلّ القطاع...!

تحقيق: زاهية ناصر

بين مدّ وجزر سياسي، وعرقلة لم تعد مخفية لتشكيل حكومة تعيد الاستقرار أو أقله توقف الانهيار الحاصل إلى حدّ ما في مختلف القطاعات، يبقى المواطن اللبناني وحده من يدفع ثمناً باهظاً بسبب فشل وزارات متعاقبة وحالية لم تستطع الضرب بيد من حديد لوقف احتكار تجار أزمات لو استطاعوا سحب «الأوكسيجين» لزيادة أرباحهم لفعلوا.

قطاع اللحوم مثله مثل باقي القطاعات التي تأثرت بالأزمة الاقتصادية التي عصفت بالبلاد، وإنْ كانت أزمته غير طارئة وعمرها من عمر آلية الدعم والاستيراد التي فرضها المصرف المركزي، إلا أنّ ما يجري اليوم تخطى مرحلة الإنذار بالانزلاق، بل أصبح الأمن الغذائي للمواطن اللبناني في خطر.

أمين سرّ نقابة القصابين ومستوردي وتجار المواشي الحية ماجد عيد شرح لـ «البناء» تفاصيل هذه الأزمة من الألف الى الياء ويقول: «أزمة اللحوم بدأت منذ ثورة ١٧ تشرين الأوّل 2019. ومثل كلّ الأزمات في البلد، تأثر سوق اللحم بشكل مخيف، ومع تدهور سعر صرف العملة الوطنية عادت الأسعار للارتفاع، ولم يكن المواطن حينها معتاداً على ذلك».

 

 

 

 

 

 

 

 

أضاف عيد: «منذ ذلك الحين طالبنا الدولة بضمّ البقر المتواجد في لبنان الذي كان عدده ٢٠ ألفاً تقريباً إلى السلة المدعومة كي نستطيع تصريفه فوراً، لكنهم رفضوا ذلك وقالوا لنا اعتبروه ضمن السلة المدعومة وكلّ ما تستوردونه الآن قوموا بتوزيعه على السعر المدعوم وسنعوّضكم لاحقاً بآخر شحنة تقومون باستيرادها حتى لو كانت مدعومة تقومون ببيعها بسعر غير مدعوم فتعوّضون الخسائر.»

وأردف عيد: «تعاظمت مشكلة القطاع عندما دخلت اللحوم ضمن لائحة المواد المدعومة، ولاحظنا بعد شهرين أنّ الأسعار انخفضت أكثر مما سعّرته الدولة بسبب زيادة الطلب عليه، فقد وصل سعر كيلو اللحم إلى ٣٠ ألف ليرة بينما كانت الدولة تسعّره على ٣٩ ألف ليرة. هذا سببه أنّ الدولة وقعت معاملات كثيرة للمستوردين الذين بدورهم وزّعوا مواشي حية في السوق حتى صار العرض أكثر من الطلب.

وبعدها بدأت المشكلة الفعلية عندما بدأت وزارة الاقتصاد بالتباطؤ في الملفات والتأني لدراستها قبل توقيعها، كما أصبحت كلّ معاملة تأخذ حوالى ستين يوماً في مصرف لبنان، علماً أنّ تكلفة باخرة المواشي من ٢ إلى ٣ مليون دولار على أقلّ تقدير… انا كمستورد أستطيع أن أتحمّل عبء باخرة أو اثنين، ولكن السوق أصبح غير منضبط، وملفاتنا عالقة ما بين مصرف لبنان ووزارة الاقتصاد.»

وشدّد عيد على نقطة أساسية بأنّ «كلّ البقر في لبنان مدعوم ولكن المصرف لم يسدّد كلّ المستحقات، وهناك من أخد المخاطرة والمبادرة من نفسه لتأمين حاجة المواطن، ولكن هناك قسماً من التجار رفضوا تصريف المواشي لديهم، بالتالي أصبح لديهم أعداد كبيرة من الأبقار غير مصرفة في مزارعهم.

وتابع عيد قائلاً: تحفظنا على المعنيين، أنهم لا يراقبون ولا يحاسبون وليس لديهم أيّ آلية تنظم هذه الفوضى، فمن يقدم على خطوة عدم تصريف الأبقار لديه، لماذا تستمرّ الدولة في إعطائه «الكوتا»؟!

آلية الدعم مليئة بالثغرات

وعن دور وزارة الاقتصاد لحلّ أزمة المصرف من جهة وجشع الاحتكار من جهة ثانية، قال عيد: «المشكلة الآن هي في آلية الدعم المليئة بالثغرات التقنية، فالمصرف المركزي يقول لنا أنا أدعم اللحوم ولكن لا استطيع أن أعطيك مستحقاتك الآن، كم يستطيع أن يتحمّل المستورد من أعباء؟!

وأيضاً لا أخفي استغلال هذا الظرف من قبل المستورد، تاجر الجملة والملاحم أيضاً (لا أجمل الجميع)، لكن العديد منهم قاموا بتسعير اللحوم كلّ على مزاجه، وذلك بسبب عدم العرض في السوق ما أدّى إلى هذه الفوضى وقيام البعض بالاحتكار.

الدولة لا تقوم بدورها نهائياً، كلّ الذين استغلوا هذه الأزمة وأخذوا لقمة الفقير والمواطن، لم يحاسَب أحد منهم ولا حتى وُجّه لهم أيّ إنذار! وبالتالي بقي المحتكر مستمراً في احتكاره، أما المستورد الذي يسلّم البقر على السعر المدعوم، أصبح عليه ضغط كبير من كلّ لبنان ولم يعد يستطيع أن يؤمّن البضاعة للجميع.

 أما وزارة الاقتصاد فلديها ٨٠ مراقباً فقط على كلّ السلع المدعومة في كافة الأراضي اللبنانية، والوزارات الأخرى ليس لديها سلطة لضبط المخالفات.

قلنا لوزير الاقتصاد مراراً وتكراراً من يخالف أوقفه، فكان الرد «ليس لديّ سلطة»!

وتساءل عيد هنا: من لديه السلطة إذاً، لماذا لا تعطى سلطة استثنائية في هذه الظروف الطارئة للبلديات على سبيل المثال لضبط هذا الاحتكار المخيف، أيضاً لماذا لا تعطى النقابات دوراً؟!

وأكد عيد «أنّ التدخل السياسي والطائفي أثر بشكل كبير على تغطية المحتكرين والمخالفين». ثم شرح بالتفصيل التفلت الحاصل في هذا القطاع قائلاً: «80 في المئة من التجار قاموا بالاحتكار والاستغلال، وأصبح هناك ممارسات ترهيبية بحق أصحاب الملاحم من خلال إجبارهم على دفع سعر مختلف عن الفاتورة المطابقة لوزارة الاقتصاد، وإذا لم يفعل صاحب الملحمة ذلك يهددونه بقطع البضاعة عنه.»

وتابع عيد «في حال توقف الدعم عن اللحوم فإنّ كيلو اللحم سيصبح بـ ١٢٥ ألف، أيّ ١٠ دولارات إذا بقي سعر الصرف يراوح على ١٢,٥٠٠. وأقترح ان يتوقف الدعم لأنه فعلياً لا يستفيد منه الفقير، فالطبقة التي لا تزال ميسورة تقوم بشراء كميات وتخزينها في منزلها، وبالتالي اللحمة لا تصل إلى الجميع. لذلك اقترحت منذ مدة بتحديد كمية الشراء لكلّ شخص بـ ٢ كيلو، لأنّ هناك أزمة مواشي كبيرة.

وعندما صرّح حاكم مصرف لبنان رياض سلامة ووزير المالية غازي وزني عن توقف الدعم في أيار، خرج من السوق ٤ مستوردين.

الآن في لبنان هناك من ٢٠ إلى 25 في المئة فقط من حاجة لبنان لشهر رمضان المبارك. أنا لا أستطيع أن أكفي الجميع، إذا قمت بتغطية ١٠٠٠ ملحمة، وكلّ واحدة حاجتها نصف عجل، بعملية حسابية أحتاج إلى توزيع ٥٠٠ عجل يومياً، كيف سأفعل ذلك وأنا لديّ فقط ١٠٠٠ عجل لعشرين يوماً!

ولفت عيد إلى أننا نعاني من أزمة فعلية، ولا نستطيع الإكمال بهذه الطريقة. وقد تكلمت مع مدير عام وزارة الاقتصاد بخصوص هذا الموضوع، إما أن يتحرك الوزير ويتكلم مع حاكم المصرف لإيجاد الحلّ، أو فليتمّ الإعلان عن رفع الدعم، خصوصاً أنّ الدعم يذهب إلى جيوب التجار، يجب إيجاد حلّ فوراً!»

سوق سوداء لبيع اللحوم ومخالفات بالجملة

أما بالنسبة لاستيراد المواشي الحية فقال عيد إنها بحاجة إلى فترة شهرين تعليف في المزرعة (ما يزيد من تكلفة المبيع على المواطن في ظلّ عدم توفر أعلاف مدعومة للمواشي المخصّصة للذبح) مع العلم أنه باستطاعة التجار استيراد المواشي من أوروبا بنوعية جيدة وجاهزة للذبح، ما يوفر على المواطن، وتابع: «على النطاق الشخصي لم أستورد منذ بداية الدعم هذا النوع من المواشي، أما على صعيد النقابة فيجب أن تقوم وزارة الاقتصاد بمنع هذا الأمر، ومن يريد استيراد مواشٍ وعلفها عليهم أن يقدّموا ملفات لذلك. والسبب وراء استيراد هذا النوع هو سعره المنخفض مقارنة بباقي المواشي».

أما عن طلب احتكار البيع في مسالخ المستوردين، ما تسبّب بانقطاع كبير في اللحوم وذلك لعدم تغطية كافة المناطق اللبنانية، مع العلم أنّ البيع في طريقة اللحم بعظم في المسلخ يزيد من أرباح المستورد، أكد عيد أنهم كنقابة مستوردين لم يطلبوا ذلك، وقال: «بكلّ شفافية أقول لك أنّ هناك مستورداً واحداً طلب من وزير الاقتصاد هذا الأمر، هو يحاول أن يخرج تاجر الجملة من السوق وأن يقوم بالذبح ويوزع لضبط السوق على حدّ قوله، بداية قام الوزير بمساعدته، واقتنع أنّ التاجر بين المستورد واللحام هو الذي يلعب بالسوق.

وهذا غير دقيق فهناك ثلاثة أطراف تقوم بالاحتكار منها المستورد والتاجر وصاحب الملحمة، وأحمّل وزير الاقتصاد مسؤولية عدم ضبط الأمور المتفلتة، إذ لا توجد مراقبة، ولديّ إثباتات بالصوت والوثائق لتجار قاموا بشراء مواشٍ مني شخصياً على سعر مدعوم ثم باعوها على سعر غير مدعوم. وأنا مستعدّ لتقديمها للدولة لمحاسبتهم.»

أضاف عيد: «قلت لوزير الاقتصاد سابقاً أمام الجميع لا أقبل ان تشملني ضمن «كارتيل» المستوردين، أما المخالفون فلتقم بتسميتهم ومعاقبتهم. ولكن حتى الآن لم نر أيّ إجراء اتخذ بحق المخالفين، إذ انّ هناك ضغطاً سياسياً وطائفياً من قبل التجار كما تجري الوساطات في كلّ القطاعات في لبنان.»

 وعن تحديد إعطاء عجلين في الأسبوع للملحمة، ما يشرّع السوق السوداء للحصول على عجول للذبح، علّق عيد قائلاً: «إنّ هذه الخطوة قامت بها وزارة الزراعة وهي جيدة لأنها تقوم بالتوزيع العادل كي يستفيد الجميع من اللحم المدعوم بسبب الأزمة التي يمرّ بها القطاع. ولكن للأسف السوق السوداء باتت موجودة في قطاع اللحوم أيضاً بسبب الأزمة التي نعاني منها.»

أما عن مسألة استيراد عجول بأوزان تقلّ عن ٢٠٠ كلغ وغير صالحة للذبح، أوضح عيد: «لم نقم نحن باستيرادها، ولكن أتت كمية عجول بهذا الوزن وهُرّبت إلى سورية ثم العراق.

وفي هذا السياق، أراد الوزراء كسر «كارتيل» تجار اللحوم، فقاموا بإدخال تاجر سوري لديه أموال في البنوك اللبنانية، ومن شروط «الكوتا» ان تكون مستورداً للأبقار في الـ ٢٠١٨ و ٢٠١٩، لكن أعطي له استثناء وأخذ كميات كبيرة أكثر من الجميع، وقام بإغراق السوق بالبقر ولكن ارتفعت الأسعار في المقابل.

أنا مع كسر الاحتكار، ولكن ليس بهذه الطريقة!»

وختم أمين سر نقابة القصابين ومستوردي وتجار المواشي الحية ماجد عيد بالتأكيد على أنّ تشكيل الحكومة عامل أساسي لأيّ مشروع إنتاج محلي في قطاع اللحوم، فنحن بحاجة إلى استقرار سياسي ونقدي واقتصادي لذلك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى