الوطن

لبنان في زحمة الاتفاقات

} د.وفيق إبراهيم

يخضع لبنان لثلاثة أنواع من المراهنات تجعل سياساته مرتبطة مصيرياً بها، وتفرض نفسها على إعادة بناء صيغاته الجديدة، سواء تلك التي يجري الصراع عليها بعنف نادر أو التي يحاولون تأسيسها باتفاقات بين قواه الأساسية التي تستعمل كل ما أوتيت من قوة وتحالفات لتطبيقها.

هذه الرهانات هي التفاهم الأميركي ـ الإيراني أولاً أو الأميركي الروسي الزاحف لإعادة رسم خريطة سياسية كبرى للعالم.

أما الرهان الثالث فهي المحادثات السعودية ـ الإيرانية التي تحاول فرض نتائجها على دول الشرق الأوسط بكاملها.

بالإمكان إضافة الصراعات بين التيار الوطني الحر وحزب المستقبل كاحتمال رابع، لكن هذا الاحتمال شديد الضعف الى درجة لا يستطيع فيها فرض نتائجه على حزب الله او حركة أمل او الجنبلاطية او أية فئة لبنانية أخرى كالكتائب والأحرار ومثيلاتها.

السؤال اذاً هو: لبنان الى أين وما هو خياره النهائي؟

الاتفاق الإيراني ـ الأميركي شديد الأهمية، لكن يثير حفيظة السعودية والخليج ولن يستطيع المرور بيسر كما يتوهّم البعض، على الرغم من أن المحور السوري مع حزب الله قابل به الى درجة كبيرة، لكن التفاهم المصري السعودي مع جامعة الدول العربية لم يعُد يستمع إليه او يرضى به، وهذا يعني تراجع حظوظه وانكفاءه نحو الخيارات الثانوية.

ماذا عن التفاهم الأميركي ـ الروسي، يبدو الأقوى من اسمه الكوني وقوته التي تستطيع اختراق البلدان وإبرام الاتفاقات وتذليل عقباتها.

لكن ما يحول دونه انه بحاجة الى اختراع اتفاق أميركي ـ روسي كوني يجد حلولاً لكل ازمات القوى الكبرى في مختلف أصقاع الأرض، فكيف يقبل الاميركيون بدور روسي كبير في جزيرة العرب، كما أن روسيا لا تهضم أي دور أميركي في إيران وسورية واوروبا الشرقية.

المشكلة إذاً معقدة لأن الطرفين بحاجة الى اتفاق يقسم الأرض الى مناطق ودول نفوذ مفضلاً عقد التحالفات بينها على الصداقات والتفاهمات.

فبالإمكان الإعلان عن اتفاقات نفطية وغازية او اقتصادية بين المناطق من دون أية اتفاقات سياسية وخصوصاً في البلدان المترفة التي تسيطر قوى إنتاج هامة عالمياً او تستورد كميات اساسية من موارد مختلفة.

ماذا اذاً عن الاتفاقات المحدودة؟

قيمتها ضيقة، لأن مداها لا يدرك القوى العالمية، ولن تتأثر بها على الاطلاق.

هل يمكن أخيراً العودة الى الاتفاقات البينية بين الدول الصغيرة برعاية الدول الكونية؟

هذا مزاح لا يقبله أحد لأن الاتفاقات البينية مناطقياً او على مستوى دول صغيرة لن تفيد أحداً، حتى اصحابها، فماذا عن اتفاقات بين احزاب لبنانية صغيرة لا تزال تختلف بعنف حتى الآن على الصيغة اللبنانية، وتحاول جذب «الدولي» لتأييدها.

لذلك فإن الاتجاه الى اتفاقات بين قوى لبنانية صغيرة تحاول القبول بصيغة سياسية للحكم لا تمرّ بسهولة والدليل أن قتال الفئات اللبنانية ومحاولاتها جذب القوى الكبرى لتأييدها إنما هو أكثر من تأكيد على فشل مشاريع الصيغ السياسية اللبنانية. فالموارنة قبلا امسكوا منذ 1920 بمعونة فرنسية على صيغة الحكم في لبنان، لكنهم وجدوا أنفسهم مضطرين الى مسايرة شركاء اخرين من السنة والشيعة منذ اتفاق الطائف وتراخوا أكثر محاولين الاحتفاظ بالقليل من الصيغة، لكن السنة الذين يحظون بتأييد خليجي فرنسي اميركي والشيعة الممسكين بالتاييد السوري الإيراني الروسي لم يقبلوا وهم يطالبون بحصة من صيغة الحكم اللبناني.

هذا الوضع أدّى الى نشوء صراعات لبنانية عميقة بين كامل فئات لبنان على كل شيء تقريباً، حتى ان الصيغة السياسية اصبحت قطعاً متعددة لا يستطيع احد اعادة جمعها، كما صارت الصيغة التقليدية نتفاً نتفاً وعصية على الراعي الدولي والاقليمي.

وهذا يعني أن لبنان يخضع لصراعات دولية اميركية روسية فرنسية وإقليمية مصرية سعودية إيرانية سورية حتى ان إيجاد حلول للأزمة السياسية في لبنان من سابع المستحيلات لأن المطلوب صيغة سياسية للحكم وتضمن الموارنة كأساس الى جانب السنة والشيعة أما الطوائف الأخرى فيتربصون حصصهم ليطالبوا بها من دون أن يشاركوا في انتاج الصيغة.

ماذا يعني هذا الكلام؟

لا إمكان لصيغة لبنانية ليس فيها سنة وموارنة وشيعة. وهذا يعني وجود اميركي فرنسي إيراني سوري، وهؤلاء كافون لإنتاج صيغة تجمع بين الاستقرار السياسي، لأنها جامعة والصراع السياسي لأنها تضم كل عناصر القتال الداخلي..

فهل يجد لبنان حلاً على هذا المنوال لأزمته التاريخية؟ هذا هو الحل الوحيد لصيغة بلاد الأرز في لبنان.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى