ضرب مفاعل «ديمونة».. من الجبهة السوريّة
د. جمال زهران*
أخيراً… انكسرت أسطورة «إسرائيل» (الكيان الصهيوني) التي لا تُقهر. هذه هي الحقيقة، أن يُضرب هذا الكيان في العمق وحول مفاعل ديمونة، الذي يفاخر بأنه الدولة الوحيدة في الإقليم التي تمتلك سلاحاً نووياً، وأنها صاحبة اليد الطولى في إجهاض كلّ المشروعات النووية في المنطقة، إما بضربها (العراق عام 1981)، وإما بوقف نموّها وتحجيمها (مصر والسعودية)، وإما بإجبارها على تسليم المشروع كله (ليبيا/ القذافي) بعد احتلال أميركا للعراق 2003، وغير ذلك!
الآن، يُضرب الكيان الصهيونيّ في العمق، وللمرة الثانية، حيث إنّ الأولى هي قيام العراق تحت حكم صدام حسين، وفي عام 1991، قام بضرب تل أبيب بعدد (39) صاروخاً من نوع «سكود»، بعد تحرير الكويت، وقال حكام عرب آنذاك أنها «صواريخ ورق»! ولكنني كتبت آنذاك أنّ ضرب تل أبيب بهذه الصواريخ الـ «سكود»، ووصولها لأهدافها بإشاعة الرعب لدى مستوطني هذا الكيان الصهيوني الغاصب والمستعمر لأرض فلسطين، كسرت نظريّة «الحدود الآمنة» التي كانت تتبناها «إسرائيل»، آنذاك. حيث ضُرِبت تل أبيب، من دولة هي (العراق) من خارج حدودها المباشرة (دول المجابهة). ومؤخراً كشفت «إسرائيل»، بنفسها عن وثائق تضمّنت وفاة ما يقرب من (400) مستوطن «إسرائيلي»، وإصابة عدة آلاف!! بينما كان المعلن عند الضرب عام 1991، أنها لم تخلف أية إصابات أو قتلى! كنوع من تخفيف آثار استخدام العراق لصواريخ «سكود»، لضرب تل أبيب.
المهمّ الآن، نحن في الحقبة الثانية لضرب الكيان الصهيونيّ في العمق، إشارة إلى ما هو آتٍ من مراحل في الصراع العربي الصهيوني، الذي يتصوّر البعض أنه انتهى، باستسلام عدد من الدول العربية «الخليجية والملكية»، للكيان الصهيوني والتطبيع معه في كافة أنواع العلاقات إلى الحدّ الذي يرتب أضراراً لدول عربية أخرى مركزيّة أهمّها (مصر)، وبشكل فاجر وفاضح.
فماذا حدث في هذه الضربة الجديدة؟
حيث أطلق صاروخ من طراز (سام/ 5) روسي الصنع، والمعدل سوريّاً، من قلب سورية إلى قلب الكيان الصهيوني وبالقرب من «مفاعل ديمونة»، الموجود في صحراء النقب، أثناء قيام الكيان الصهيوني باعتداءاته المتكرّرة على سورية وخصوصاً دمشق، بحجة مهاجمة مواقع إيرانية على أرض سورية. فأطلقت سورية صواريخها لإسقاط الطائرات «الإسرائيلية»، ومهاجمتها، وكذلك مواجهة صواريخها لتفادي إحداث أية خسائر، وتدمير هذه الصواريخ «الإسرائيلية». وأثناء ذلك، وجهت سورية أحد صواريخها إلى قلب الكيان «الإسرائيلي»، لتوصيل رسالة حاسمة، تضمّنت أنه في حالة استمرار هذه الغارات الصهيونية، فإنّ الردّ بعد ذلك سيتجاوز مواجهة الطائرات «الإسرائيلية» وصواريخها، إلى ضرب عمق الكيان الصهيوني، في إطار تغيير قواعد الاشتباك بين الكيان الصهيوني وبين سورية ومحور المقاومة في لبنان وإيران على الجانب الآخر.
وكان ردّ فعل الكيان الصهيوني، هو الرفض والإنكار في البداية، إلا أنه مع نشر صور العملية العسكرية التي تمثلت في ضرب عمدي لصاروخ من الأرض السورية، تراجعت «إسرائيل»، لتعلن أنه صاروخ شارد، خرج عن المسار، أثناء الغارات «الإسرائيلية» على سورية، وسقط بالقرب من مفاعل ديمونة. وفي البداية أنكروا الخسائر، ثم تراجعوا بعد النشر، في عصر، أصبح كلّ شيء على الهواء، وغير قابل للنكران!! حيث سقط الصاروخ الحقيقي على مصنع صواريخ ومعدات عسكرية بالقرب من مفاعل ديمونة!! وغداً سيضطرون في الكيان الصهيوني للكشف عن حجم الخسائر، وكبح غرور المتغطرس الـ «نتنياهو»، مثلما حدث مؤخراً عن صواريخ سكود العراقيّة وحجم الدمار والإصابات عام 1991، ولا يريدون أن يتعلموا في «إسرائيل» المتجبّرة بالدعم الأميركي المطلق من كافة الإدارات الأميركية بنوعيها الجمهوري والديمقراطي!
إذن، فالذي حدث من خلال هذه الضربة التي ما كان لها أن تتمّ، لولا موافقة رئاسيّة من سورية وعلى أعلى المستويات، وهي تحمل معها بارقة أمل لجماهير الشعب العربي في كلّ مكان، التي يتمّ تصدير الإحباط لها، لإجبارها على ابتلاع الواقع المرير والتعايش مع الكيان الصهيوني مثلما يفعل الحكام العملاء.
ومن آثار تداعيات هذا الحدث الذي يبدو بسيطاً في الظاهر، ولكنه عميق الأثر، ما يلي:
1 ـ إنّ هذا الحدث كشف عن امتلاك سورية لأسلحة حديثة، غير معلن عنها.
2 ـ أنّ الحدث يحمل رسالة باليستية من محور المقاومة، بأنّ مرحلة الردّ على الغطرسة الصهيونية قد بدأت، ومن سورية المقاومة.
3 ـ أنّ الصاروخ الذي انطلق ليصل إلى أكثر من 300 كم حتى وصل إلى صحراء النقب ومفاعل ديمونة، يؤكد فشل القبة الحديديّة التي تتشدّق بها «إسرائيل» الغاصبة، وأنها غير قابلة للاختراق! حيث تمّ اختراق «إسرائيل»، وثبت فشل كلّ منظومات الدفاع الصهيونية.
4 ـ ثبت فشل تشدّق العدو بجاهزيته للحرب، وضمان النصر، وظهر العدو الصهيوني مثل «بيت العنكبوت» الواهي، وسهل الاختراق، على عكس ما يشيعه على نفسه!! فكيف إذن لو انطلقت صواريخ المقاومة وبالآلاف على الكيان الصهيوني؟! إذا ما كان صاروخ واحد قد هز هذا الكيان؟!
5 ـ أصبحت كل الأراضي المحتلة من قبل العدو الصهيونيّ، تحت مرمى الصواريخ السورية، تذكرنا ببداية سقوط الطائرة الإسرائيلية (أف 16) عام 2018، بالدفاعات السورية، والآن تصبح سموات الكيان مفتوحة بعد أقلّ من ثلاث سنوات أمام الصواريخ السورية المقاومة.
6 ـ مستقبلاً فإنّ قيام الطائرات الصهيونية بالغارات المريحة (حسب تصريحات العدو)، على الأراضي السورية، لن يكون مريحاً، بل سيكون مهلكاً للعدو الصهيوني، وغالباً ما ستتوقف هذه الغارات، لأنّ العدو لا يخشى إلا القوة!
وختاماً… إنّ إطلاق هذا الصاروخ يحمل رسالة كبيرة من محور المقاومة، وهو ردّ على قيام «إسرائيل» وباعترافها بالعدوان السيبراني على مفاعل «نطنز» الإيراني. ومن ثم تمثل نقلة نوعية في مجريات الصراع العربي الصهيوني، بتأكيد قوة أطراف المقاومة على الردّ والردع لهذا الكيان الصهيوني. بل إنّ الخيار النووي لإيران، لن يتوقف تحت أية ظروف، ومهما حدث من جانب العدو الصهيوني الذي يتأكد فشله كلّ يوم وآخرها مفاوضات جنيف حول هذا الموضوع، وذلك طبقاً لتصريح مهمّ لأستاذ العلاقات الدولية (إدوارد جوزيف) – الأستاذ في جامعة جونز هوبكنز الأميركية، لإحدى وسائل الإعلام.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، والأمين العام المساعد للتجمع العربي الإسلامي لدعم خيار المقاومة، ورئيس الجمعية العربية للعلوم السياسية.