الوطن

حين يُسخّر رياض سلامة منصبه الحسّاس للعمل السياسي!؟

} أحمد بهجة*

لا يختلف اثنان على أنّ حاكم مصرف لبنان رياض سلامة يُسخّر موقعه ومنصبه الحسّاس لخدمة الفريق السياسي الذي ينتمي إليه. هو إذن يعمل في السياسة أكثر مما يعمل كمسؤول عن مؤسّسة هامة يطال تأثيرها عموم اللبنانيين وليس فقط فريقاً منهم.

هذا بالضبط ما يمكن استنتاجه اليوم من خلال الموقف الذي يروّج له سلامة بالنسبة لبرنامج دعم السلع الأساسية، الذي يتحدث عن وقفه نهاية هذا الشهر.

كان سلامة قد بدأ بهذا الترويج قبل أشهر بحجة أنّه لم يبقَ لديه من العملات الأجنبية إلا نحو 17 مليار دولار هي حجم الاحتياطي الإلزامي (!) وبالتالي سوف يضطر لوقف برنامج الدعم. وإذ فجأة… مع تكليف الرئيس سعد الحريري تشكيل الحكومة الجديدة أصبح بإمكان سلامة التصرف بملياري دولار إضافيين، وخرج بحجة أنّ الاحتياطي هبط إلى 15 مليار دولار لأنّ حجم الودائع في المصارف انخفض إلى نحو 100 مليار دولار بفعل السحوبات النقدية التي يقوم بها أصحاب الودائع. هذا فضلاً عن انخفاض سعر صرف الدولار في تلك الفترة من حوالى عشرة آلاف ليرة إلى أكثر قليلاً من ستة آلاف ليرة!

وبالعودة إلى سنوات سابقة يمكن الإتيان بأكثر من واقعة تؤكد أنّ سلامة هو رجل سياسي تمّ تعيينه حاكماً لمصرف لبنان في سياق مشروع سياسي أكبر، وكان ينفذ بدقة تعليمات الجهة التي تقود ذلك المشروع… بغضّ النظر عن موجبات قانون النقد والتسليف الذي يتحجّج به حين لا يكون رئيس فريقه السياسي هو رئيس الحكومة!

وأبرز الأمثلة على ذلك اثنان متعلّقان تحديداً بموضوع الاحتياطي بالعملات الأجنبية، وهذا الاحتياطي على فكرة ليس إلزامياً في القانون إنما جرى التعارف عليه بأنه احتياطي إلزامي على الودائع بالعملات الأجنبية وينظمه قرار صادر عن مجلس حاكمية المصرف المركزي.

أما المثلان المُشار إليهما آنفاً فقد حصل الأول بعد العام 1996 حيث انخفض الاحتياطي لدى مصرف لبنان إلى أقلّ من 800 مليون دولار، فكان أن تفتقت عبقرية الفريق المالي المحيط بالرئيس الراحل رفيق الحريري وعلى رأسه فؤاد السنيورة ورياض سلامة عن فكرة جهنمية مفادها إصدار سندات خزينة بالعملات الأجنبية وبشكل خاص بالدولار الأميركي، وحين وصلت هذه الفكرة الجهنمية إلى مجلس النواب كبند ضمن مشروع الموازنة العامة لاستدانة ملياري دولار بالعملات الأجنبية، تصدّت لها مجموعة من المعارضين أبرزهم الرئيسان حسين الحسيني وسليم الحص والنواب محمد رعد ونجاح واكيم وزاهر الخطيب ونسيب لحود وغيرهم، لكن هؤلاء كانوا أقلية آنذاك فتمّ إقرار المشروع الذي شكل الخطوة الأولى في مسار الانحدار الذي أوصلنا اليوم إلى هذه الهاوية التي نحن فيها.

أما المثل الثاني فحدث في أواخر العام 2002 حين انخفض الاحتياطي بالعملات الأجنبية إلى أقلّ من مليار دولار، فلجأ الرئيس رفيق الحريري إلى صديقه الحميم الرئيس الفرنسي جاك شيراك وجرى تنظيم مؤتمر «باريس 2» الذي جلب للبنان قروضاً بنحو 4.5 مليارات دولار إضافة إلى التزام المصارف اللبنانية بإيداع 4 مليارات دولار على سنتين متتاليتين في المصرف المركزي بفائدة صفر.

هكذا كانت تجري الأمور، وكان رياض سلامة (ما غيره) أحد أبرز العاملين على إنجاز تلك الهندسات التي كانت تعيد تكوين جزء أساسي من الاحتياطي بالعملات الأجنبية، ولكن عن طريق المزيد من الاقتراض وليس عن طريق اقتصاد الإنتاج الذي كان يُفترض إطلاقه وتعزيزه بدلاً من الاستمرار في السياسات الريعية الخاطئة التي أوصلتنا إلى ما نحن فيه اليوم!

كلّ ذلك كان يحصل في زمن يقولون هم عنه إنه كان زمن البحبوحة، فكيف اليوم في زمن الشحّ والفقر الذي لامس حدّ الجوع، كيف يتمنّع سلامة ويحاول التملص من الدعم؟ خاصة أنّ ما يطرحه رئيس الحكومة الدكتور حسان دياب لا يمسّ بالاحتياطي ولا يجعله ينخفض إلى ما دون المليار دولار كما حصل في السابق، لأنّ إصدار البطاقة التمويلية لا يكلف الخزينة أكثر من 150 إلى 200 ملون دولار شهرياً، ويتمّ تمويلها بموجب قروض تسدّدها الخزينة العامة، بينما برنامج الدعم الساري المفعول اليوم يكلف أكثر من 500 مليون دولار شهرياً يذهب قسم منها هدراً ولا يصل إلى من يحتاجون الدعم فعلاً.

إذن ما يطرحه الرئيس دياب يصبّ في خانة الحفاظ على الاحتياطي وليس استنزافه كما يجري إظهار الأمر من قبل الماكينة الإعلامية الضخمة المحيطة برياض سلامة. وهي الماكينة نفسها التي سوف تتجنّد بالتأكيد إلى جانب الرئيس سعد الحريري إذا نجح في تشكيل الحكومة، وذلك لكي تروّج «الخبر السعيد» بأنّ رياض سلامة وجد في الزوايا والخبايا أنّ باستطاعته التصرف ببضعة مليارات إضافية من الدولارات ريثما تقلع حكومة الحريري وتجد الحلول المناسبة لموضوع الدعم!

لكن المرجح وفق مسارات الأمور في اليومين الأخيرين، داخلياً وإقليمياً ودولياً، أن لا يستطيع الحريري تشكيل الحكومة وأن يقدّم اعتذاره عن عدم التشكيل، تمهيداً لتكليف شخصية أخرى تتولى هذه المهمة بالتفاهم والاتفاق مع رئيس الجمهورية.

*خبير مالي واقتصادي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى