أولى

إيران وفلسطين.. قضايا عادلة وأهداف مشروعة

 د. عباس خامه يار _

قبل عام من اليوم أعلن الإمام السيد علي الخامنئي أن “يوم القدس كان له دور فاعل في هذه العقود الأخيرة وسيكون له في المستقبل مثل هذا الدور». فمسألة فلسطين مرتبطة بالوجدان الإنساني وهي مسألةٌ محوريةٌ في العالم الإسلامي وفي طليعة قضايا العدالة في التاريخ المعاصر. فالمطالبة بتحقيق العدالة هدفٌ إلهيّ، إنسانيّ وحقوقيّ من أجل إنهاء الظلم الذي نزل بالشعب الفلسطيني.

المشكلة الفلسطينية طالما كانت الهمّ الشاغل للقيادة في إيران منذ بداياتها، فكانت إيران الداعم الأول للحركات الإسلامية رغم ضغوط النظام البائد، واعتبرت أنّ هجرة اليهود إلى فلسطين هي مؤامرة كبرى. ورأينا المظاهرات الشعبية المناهضة للإنجليز عام 1948 وكان قادتها آية الله الكاشاني ونواب صفوي وآية الله البروجردي والخوانساري الذين دعوا إلى تأييد نضال الشعب الفلسطيني ودعمه عسكريًا وماديًا ومعنويًا. وكانت المظاهرات والاعتراضات مشتعلةً في تلك الفترة ضدّ النظام السابق الذي كانت له علاقات دبلوماسية وتجارية مع تل إبيب.

أما الإمام روح الله الخميني (قده)، فلقد كانت القضية الفلسطينية أهم القضايا التي شغلت فكره وقلمه طوال 25 عامًا منذ بداية ظهوره على المسرح الاجتماعي والسياسي. فكانت فلسطين همّه الأول مثل أيّ مواطنٍ فلسطينيّ. وقلما يجد الباحث في كلمات الامام الخميني (قده) السياسية والتعبوية قضية حاضرة وفاعلة كقضية القدس وفلسطين ففي البداية كان الهدف الأساس الذي استوطن عقل الإمام.

وقد كان الإمام الخميني من أوائل المراجع الشيعة الذين خصصوا حيزًا هامًا من الرسالة العملية لفتاواهم لقضايا العلاقات السياسية بين الدول الإسلامية والدول الاستكبارية التي تعتدي على المسلمين. وهذا إن دلّ على شيء فهو يدل على أن غاية الإمام كانت حماية المسلمين في العالم. وضمن مسيرة جهاد الإمام ضد الصهيونيّة رأيناه يصدر فتوى أخرى عام 1968 يجيز فيها دفع الزكاة للقضية الفلسطينية.

يمكن القول إن الإيرانيين بشكل عام دفعوا ثمناً باهظًا عبر السنوات لقاء دفاعهم عن الثورة الفلسطينية ومناهضتهم للكيان المحتل.

وجاء انتصار الثورة الإسلامية الإيرانية عام 1979، ليعلنَ الإمام الراحل بأن قضية القدس وفلسطين هي القضية المركزية للثورة والمسلمين والمستضعفين. هذا القرار والموقف الشريف يعدّ إسهامًا كبيرًا في تشكّل الوعي الإسلامي في المنطقة والعالم، وتعبيرًا هائلًا عن عمق التلاحم بين الضمير الإيراني المسلم وبين الثورة الإسلامية.

وكان من ضمن الخطوات العملية في هذا الصدد إيجاد السفارة الفلسطينية محل البعثة الإسرائيلية في طهران، بحضور ابو عمار رئيس منظمة التحرير الفلسطينية ونجل الإمام وسط هتافات: اليوم إيران، وغدًا فلسطين.

ثم كانت تسمية يوم الجمعة الأخير من شهر رمضان المبارك بـ «يوم القدس العالمي» بعدما أصدر الإمام الخميني في يوم 13 رمضان 1399 هـ، الموافق 7آب/أغسطس عام 1979 دعوته، وصارت القضية الفلسطينية قضية محوريةً في العالم الإسلامي والعربي، لا سيما بعدما اكتسبت بُعدًا دينيًا أضفى عليها سمةَ القداسة. وصارت قضيةً تعني كل المسلمين وليس العرب وحدهم. مع العِلم أن قضية القدس أيضاً ظلّت حاضرة في الفكر الثوري بقياده الإمام الخميني وبالتالي فإن الاحتفالية باليوم العالمي للقدس الشريف، للتّذكير الدائم بمظلومية الشعب الفلسطيني وكَشْف الانحراف الصهيوني والاستكبار العالمي، واستمرار تفاعُل الشعوب الإسلامية مع الأشقاء في فلسطين.

لقد حاربت إيران على مدى اثنين واربعين عاماً المشاريع المعادية ووفرت الدعم للمقاومات في كل ساحاتها، ولأن القدس محراب ثورتها، سعت إيران بكل ما بوسعها لدعم قوى المقاومة.

واليوم باتت القدس دعوة لمناهضة التطبيع، من فلسطين الى لبنان، فسورية والأردن ومصر وإيران وكل قطر عربي وإسلامي حمل هم المواجهة، ذلك أن مناهضة التطبيع تصبح مهمة كل الأقطار، وهي مهمة كل أبناء الأمتين العربية والاسلامية، وعلى اعتبار أن معركة التحرير تقوم على محورين، محور مقاومة الاحتلال من جهة، ومحور ومناهضة التطبيع مع الاحتلال، وكلا المحورين يصبان في القدس، وفي تحرير مقدساتها.

بمناسبة يوم القدس العالمي، الذي يصادف في آخر يوم جمعة من شهر رمضان المبارك، المنبر الموحّد لمحور المقاومة يُوجه رسالة للعالم، يؤكد فيها التمسك بالدفاع عن القضية الفلسطينية بوجه اعتداءات الاحتلال الإسرائيلي.

يوم القدس هو باسم فلسطين، يوم تتوحّد فيه القوى الحيّة في كل أنحاء العالم لتقول للصّهاينة كفى قتلاً لأهل فلسطين، ونهباً لأراضيها وثرواتها، إنّه بحقٍّ يومُ الأحرار والأبطال، إنّه يومٌ أكبرُ من قضيّةِ فلسطين، بل هو يومٌ عالميٌّ باسم فلسطين، وهذا الأمر يذكرنا بالثّائر «مانديلا» حيث قال للإمام الخامنئي: «سيّدي، إنّ ثورتكم ينتمي لها كُلّ الثّوّار في العالم».

لقد أراد الإمامُ الخمينيّ في هذا اليوم أنْ يرسم للخطّ الثّوريّ الإيرانيّ، ومسيرة النّظام السّياسيّ في إيران مصيره وانتماءه ومستقبله وهويّته، وأنْ لا يحددوا ثورتهم بحدود الجغرافيا الإيرانيّة، لذا كانت الوجهة فلسطين، ومن بعد الإمام الخمينيّ، ثبّت الإمام الخامنئي المنهج ذاته. ويعتبر سماحة الإمام الخامنئي (دام ظله) أن التخاذل هو الذي منح الكيان الغاصب فرصة الوجود والإنشاء، فهو يرى أيضاً أن الأمة بأنظمتها وشعوبها مسؤولة أيضاً عن إزالة هذا الكيان المغروس في قلب عالمنا الإسلامي.

إن يوم القدس العالمي في زمن كورونا هو أبعد من السير بمسيرات تضامنية مع فلسطين والمقاومة، إنه يحمل في هذا العام معنى التجدّد والإبداع ودخول الفضاء الافتراضي في صلب التفعيل الثقافي في إطار تصليب المواقف الإسلامية والعربية لمواجه التطبيع، من خلال الندوات والأنشطة الثقافية المتنوعة. وهو يومٌ يدخل في صلب استراتيجية المقاومة والمواجهة مع التطبيع الثقافي ومع المحتلّ. بعدما جاءت صفقة القرن لتكون ذروة الدفاع الأميركي المستميت عن «إسرائيل»، وبعدما صار لزامًا علينا أن نواجه الغزو المحتلّ في كافة الأبعاد السياسية، الاقتصادية، العسكرية والثقافية، على أن يكونَ شعارُنا في المرحلة دومًا «القدس تصمد، تنتفض، تنتصر».

*المستشار الثقافي للجمهورية الإسلامية الإيرانية في لبنان

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى