الوطن

هل ينسحب السياسيّون وقد حان زمن رحيلهم وانتهت صلاحيتهم؟

} علي بدر الدين

العدوان الصهيوني الهمجي والإجرامي المتوحش على قطاع غزة، واستهدافه الأبراج والمباني السكنية والتجارية والحكومية، وارتكابه المجازر بحق الفلسطينيين الصامدين وخاصة الغزاويين، في مواجهة الآلة العسكرية الصهيونية، الردّ عليه كان صاعقاً ومدوياً في مواجهة هذا العدو المتغطرس، حيث أثبتت عقود من الحروب والمعارك والصراع مع هذا الكيان الغاصب والإرهابي، انه لا يفهم ولا يرتدع إلا بلغة الحديد والنار، ورد ّ»الصاع صاعين» وهذا ما جسّده مقاومو فلسطين، الذين أكدوا حقيقة واحدة، وهي أن لا خيار أمام الشعب الفلسطيني، سوى الكفاح المسلح والمواجهة العسكرية، ورفض كل أنواع التسويات أو الاكتفاء بإدانة العدوان وشجبه والشكاوى إلى مجلس الأمن والأمم المتحدة ومنظمات المجتمع الدولي وجمعيات حقوق الإنسان، المتواطئة والمنحازة كلياً إلى هذا الكيان، وتغطية استمرار احتلاله لفلسطين ومصادرة حقوق شعبها، وقمعه، وطرده من أرضه وبيوته، وآخر محاولاته كانت ممارساته القمعية التعسفية لطرد سكان حي الشيخ جراح في القدس وإسكان المستوطنين الصهاينة مكانهم.

انتفاضة الشعب اللبناني والفلسطيني، على حدود لبنان مع فلسطين المحتلة، حيث سقط الشهيد محمد طحان، وبيده علما فلسطين والقدس أكدت نصرة هذا الشعب وعدم تركه وحده في ميدان الشرف والشهادة والتصدي، كما استحوذت على اهتمام العالم، خشية تدحرج كرة النار الصهيونية وقيامها بالعدوان على لبنان وتطوّر الأمور إلى مواجهات عسكرية قد تشعل المنطقة برمّتها.

العدوان الصهيوني المتواصل على غزة، طغى على الوضع اللبناني المهتزّ والمنهار على كلّ المستويات الاقتصادية والمالية والاجتماعية والمعيشية المتفاقمة جراء غياب السلطة السياسية، والتي تحوّلت إلى فوضى وفلتان واحتكار وجشع وفقر، وإلى جمود الحراك السياسي للمنظومة السياسية والمالية الحاكمة عند حدود مصالحها، وكأن شيئاً لم يحصل، انْ كان على مستوى الداخل الفلسطيني حيث العدوان الصهيوني يتمادى في القتل الجماعي للمدنيين وتدمير المباني والبيوت على ساكنيها من النساء والأطفال والعجزة، او على صعيد الداخل اللبناني، حيث الفقر يتمدّد، والمجاعة تلامس الخطوط الحمر، والبطالة تتفشى والهجرة تزداد، تحت وطأة العوز والحاجة وانعدام الأمل بالمعالجات والحلول، وفقدان الثقة نهائياً بهذه المنظومة الحاكمة، التي تأكد للقاصي والداني، انها «تمسحت وتحجّرت وتصخرت» وأعميت أبصارها وبصائرها، ولم تعد ترى الا مصالحها وأموالها وثرواتها المكدّسة في مصارف الخارج وخزائن الداخل، وعقاراتها التي «اشترتها» بأبخس الأثمان بالتشبيح «والسلبطة»، أو وضعت اليد عليها بحكم النفوذ والتسلط والاستبداد.

آخر اهتماماتها ما يعانيه شعب لبنان العظيم والحال المأساوية والكارثية التي حلت لعنة هذه المنظومة عليه، مع أنها كـ «الخلد» تسمع جيداً أنينه وصراخه واستغاثته، ولكن لا «حياة لمن تنادي».

وكما يُقال، «رب ضارة نافعة»، لأنّ العدوان الصهيوني على غزة والانتفاضة الشعبية على حدود فلسطين، رغم مواقف الإدانة والاستنكار لهذا العدو ولجرائمه ومجازره الذي يرتكبها بحق شعب فلسطين الأبي الصامد، فإن           الطبقة السياسية والمالية في لبنان، تعتقد أنها بهذه المواقف، قامت بواجبها وما تمليه عليها «ضمائرها» فإنها في هذه المرحلة رغم خطورة العدوان على الشعب الفلسطيني وعواقبه تداعياته على لبنان وشعبه وسيادته، فإنها تتنفس الصعداء بسبب انشغال اللبنانيين وتوجيه البوصلة نحو فلسطين والجنوب، لأنها لم تعد تسمع السيل المتدفق عليها والتصويب على ارتكاباتها وتحميلها مسؤولية ما أصاب لبنان وشعبه، واتهامها علناً بالفساد والنهب والتحاصص والسطو على أموال الدولة والمؤسسات والناس وإفقارهم وتجويعهم وتهجيرهم، وأنها المسؤولة بالكامل عن خراب البلد وإضعاف دولته ومؤسساتها وسلطاتها وأجهزتها وإداراتها، وهي تتنعّم بهذا الوقت المستقطع، لتعيد حساباتها وتحدّد خياراتها، وتنظم تحالفاتها سياسياً وانتخابياً، وربما تمديداً لنفسها وتجديداً لسلطتها ونفوذها، وانتظار ما يخبّئه الآتي من الزمن، الذي حتماً لن يكون لصالحها، مهما فعلت واستبدّت ومع من تحالفت، لأنها «أينعت» واهترت وحان قطافها ورميها في المكان الذي يليق بها٠وقد انتهى مفعول صلاحيتها، ودليل اللبنانيين، سقوطها في امتحان حكم البلاد والعباد والانزلاق بهما الى المهوار الذي لا خروج منه، إلا برافعة وطنية تغييرية وإصلاحية حقيقية، وفشلها بتأليف الحكومة، التي قد تكون مفتاح الحلّ، علماً انّ الحكومات السابقة المتعاقبة كلها سقطت وأخفقت في إنجاز اي شيء، لأنها كانت تولد دائماً من رحم الطبقة السياسية والمالية والسلطوية الحاكمة، أقله على مدى ثلاثة عقود متتالية.

فهل تتعظ هذه الطبقة، وتكتفي بما سبّبته من خراب لهذا الوطن المنكوب ومن معاناة ومأساة لشعبه المسكين، وتقدم على خطوة جريئة، وتعلن للملأ انسحابها من السلطة ومن الحياة السياسية، فترتاح وتريح، وتكتفي بما جنته عقولها وأفكارها وألاعيبها وسياساتها الخادعة والملتوية، قبل أن تتهم بالمثل القائل «جنت على نفسها براقش».

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى