الوطن

هل حكومة لبنان داخليّة أم خارجيّة؟

} د.وفيق إبراهيم

ما يجري في لبنان منذ سنة ونصف تقريباً وهو من دون حكومة يكشف وبشكل عنيف أن هناك مَن يمنع أهله من إلحاق أذًى بطبقته السياسية التي عاثت ببلاده فساداً منذ 1990 تقريباً وخرّبته وسطت على معظم ممتلكاته، لكن العجيب هنا أن هذه السرقات هي علنية يعترف بها بوقاحة العديد من زعامات الطبقة السياسية غير مبالين بالعواقب، الى أن يتبين أنهم رازحون تحت نوعين من الحمايات: طوائفهم التي تقيم حواجز وسواتر لتوفير أرقى أنواع الإقامات لهم والخارج الذي يتمثل بسفراء أميركا وفرنسا الذين يكرمون من مدة الى أخرى من يرونه من زعامات لبنان مندرجاً ضمن مشاريعهم. أليست سفيرة أميركا أبرز هؤلاء وسارعت الى حماية رئيس حاكم مصرف لبنان والعديد من الوزراء وها هي اليوم تحور حول قيادة الجيش في محاولة لاستعماله وسيلة أميركية للسيطرة؟

مَن هي القوى الخارجيّة التي تسوح في الملعب اللبناني؟

الأميركيون والفرنسيون الذين يعتبرون أنفسهم أقوى قوة في لبنان التاريخي و»إسرائيل» التي  تهدد بقوة أصبح مشكوكاً بقوتها.

يمكن هنا إضافة سورية كقوة خارجيّة على الرغم من أنها شديدة المحلية بأدواتها المستعملة في ساحات لبنان، وكذلك إيران فهي قوة خارجية تلعب في لبنان عبر حزب الله فتصبح إقليمية وشديدة المحلية نظراً للأدوار التي أدتها في تحرير لبنان وسورية وضرب الإرهاب و»إسرائيل».

هناك قوى شديدة الداخلية، لكنها مرتبطة بالخارج وفي طليعتها التيار الوطني الحرّ الموالي لرئيس الجمهورية ميشال عون وصهره النائب جبران باسيل، هؤلاء يتبعون تقليدياً فرنسا ولهم في سورية آذان تستمع إليهم وكذلك في إيران.

أما القوات اللبنانية فهي تتماهى مع المشاريع الإسرائيلية ولديها وسائط اتصال مع الاميركيين، أما الحريري فأصبح شديد التراجع حتى سقط الحياء عن وجهه بعد عام ونصف من محاولات تشكيل الحكومة وانهيار كل الدعامات المؤيدة له في الخارج، هذا يعني أن السنة اللبنانيين في مرحلة تحوّل يحاولون فيها تأمين مدى إقليمي بدأت رؤوسه تنمو في الخليج إنما بأسماء لا علاقة لسعد بها على الإطلاق.

يبدو حتى الآن أن الدعم الخارجي للقوى اللبنانية الداخلية قويّ عند المسيحيين وضعيف عند السنة، ويتجه الى اكتساب نظام قوة إضافي عند الشيعة اللبنانيين من سورية وإيران وربما حظي بتأييد روسي أو فرنسي.

ماذا يريد عون؟

إعادة إنتاج صيغة لبنان ويكون محورها الطائفة المارونيّة كحال مرحلة 1920 من الانتداب الفرنسي، هذا فقط ما يريح العماد عون الخارج من مدرسة تقليدية لا ترى إلا النفوذ الماروني في البلاد، هنا يقبل عون حليف حزب الله بشيء من النفوذ الإيراني – السوري وهو يعرف تماماً ان لا مقدرة لهذه الآليّات بالنفاذ الى داخل الصيغ السياسية اللبنانية وتتمحور بالصراع مع الأميركيين والخليج و»إسرائيل» فقط، أما لجهة السنة فيحاول «حريرهم» إدخالهم في ثنائية عصبوية مع الموارنة الذين لا يقبلون لأن الموضوع ضعيف ولا إقبال عليه من الطوائف الأخرى.

على المستوى الدرزي فهم أقرب الى مفهوم العصبية السياسية عند عون ووليد جنبلاط جاهز للقفز الى مظلة عون عندما يريده الوحي الأميركي – الروسي فيما هو قابع يتربّص في قصر المختارة ويدفع ثمن الطعام والمصاريف لفقراء الدروز بكل نخوة.

هناك لا بأس من العودة الى السؤال التالي: هل الصراع في لبنان خارجي أم داخلي؟

لا بأس هنا من التذكير بأن انفجار الوضع اللبناني الداخلي تزامن مع انفجار الصراع في العالم حول كورونا وغيرها ما استدعى انتقال الصراعات الدولية الى مستوى الهرولة. ولم يتحسّن إلا مع انتخاب رئيس اميركي جديد وضع خطة للشرق الاوسط، لكنها لم تتطرق اليه كاملاً، وهذا يعني ان حل الاوضاع فيه مرجأ حتى بدء الرئيس في قراءته الاستراتيجية الجديدة، وهذا يمسك بالحمية الفرنسية ويفرض عليها الاكتفاء بالتهديد بعقوبات لن تأتي ابداً مع الاستمرار بالإمساك بالقوى الداخلية تمهيداً لصدور قرار ظني أميركي يبيح التقدّم في إيجاد حلول للصراع السياسي في لبنان.

هذا الصراع في لبنان أصبح أميركياً – فرنسياً – سورياً – إيرانياً يلعب بشكل أساسي بأجنحة عون – جعجع ونبيه بري وحزب الله ووليد جنبلاط.

أما مشكلته الوحيدة فإن الموضوع السني الداخلي ليس واضحاً بعد التراجع الكبير للحريرية السياسية، فمن هو البديل؟

لذلك فإن الغرب والخليج يحاولون تأسيس قوة سنيّة بديلة موالية لهم وبوسعها تعبئة الفراغات المعطلة لمشاريع تأسيس حكومات قوية.

وهذا يكشف أن حكومات لبنان منذ 1948 هي آليات يوافق عليها الخارج أولاً فتصدر، لكنه اذا لم يقبل بها فإن له قوة التعطيل الفورية، وقد تمر مرحلة من دون مشاكل تشكل فيه قوى لبنانية حكومة من دون الاستئناس بالخارج، وهذا لا يدل على قوة الداخل فقط، بل على رضى الخارج عن الطريقة التي يدار بها لبنان من الداخل.

ان ما يجري في لبنان الآن هو محاولة مستبقة للتحضير لقتال أميركي – فرنسي خليجي مقابل الفريق السوري الإيراني وحزب الله أي أن البلد في مرحلة تحضير واستعداد.

فمَن هو المنتصر؟

كان المطلوب إثبات أهمية الخارج في تشكيل حكومات لبنان لكن لا حكومة وفاقية إلا باتفاق قوى الخارج الاساسية. وهذا غير واضح حتى الآن، ولن يسمح أحد بالمضي بعيداً في هذا الإطار.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى