الوطن

الرصاصة الأخيرة في جيب بري… إذا أصاب له أجران وإذا لم يصب له أجر واحد

} علي بدر الدين

الواقع السياسي المتردّي والمأزوم الذي يطغى على ما عداه في لبنان، ويعاني اللبنانيون من تداعياته الهدامة والخطيرة على كلّ مستويات حياتهم ومعيشتهم واستقرارهم الحالي والمستقبلي، ويتحكم بحاضر البلاد والعباد ويحاصرهم من كلّ جانب، وبات على «قاب قوسين» من الفتك بهم وجعلهم في خبر كان، لا تؤشر تفاصيله ووقائعه ولا توحي بمعطيات جدية وإيجابية، بل تفتقر إلى بعضها ولو بالحدّ الأدنى، والبناء عليها لتأسيس مرحلة جديدة، من عناوينها، شعارات ووعود ومفردات الأمل والتفاؤل، للخروج أقله من الأزمة الحكومية، العصية حالياً على التأليف خطأ ليس في أوانه، وذلك لانعدام العوامل والشروط المحفزة والمشجعة على سلوك الطريق الصحيح والسليم الذي يفتح المسارات والآفاق، ليس فقط لتأليف الحكومة، بل للاقتراب الممنوع منها، لاعتبارات عديدة، منها الداخلي المتمترس خلف المصالح والتحاصص والأنانية السلطوية والحسابات السياسية الآنية والآتية، ومنها الخارجي الدولي والإقليمي، الذي يملك بالأساس مفتاح الحلّ والربط والعرقلة، وهو الآن في حالة إعادة ترتيب العلاقات والبحث عن التفاهمات والتسويات الكبرى التي تحدّد جغرافية نفوذه وتحقق ولو الحدّ الأدنى من مصالحه وأجنداته في المنطقة والعالم، ولا أحد يعرف، أين موقع لبنان في ما يحصل، وما هي حصته على خرائطها وفي حساباتها ومصالحها.

لا شكّ انّ رئيس مجلس النواب نبيه بري، حريص جداً، ويملك من عناصر القوة والنجاح ما يكفي لإعادة إحياء مبادرته الحكومية علّ وعسى أن تحدث فرقاً وخرقاً ولو ضئيلاً في جدار تأليف الحكومة، لا سيما أن هناك تسريبات وربما معلومات تؤكد أنّ السير بالمبادرة، ما كان ليحصل من دون الحصول على الإشارة الخضراء من قوى سياسية فاعلة لها تأثيرها ودورها في الأزمة تسهيلاً أو عرقلة، كما الاتكاء على المبادرة الفرنسية الإصلاحية التي من أولوياتها تأليف حكومة مَهمة إنقاذية.

 الرئيس بري، حرك فعلاً المياه الحكومية الراكدة، وأعاد الكرة الى مرمى القوى السياسية لاستعجال انتشال عملية التأليف، بعد أن غرقت في وحول المصالح والحصص والأجندات والشروط والضغوط السياسية والطائفية والمذهبية، ولم يعد تأليف هذه الحكومة من أساسيات الاهتمام، بل تراجعت إلى ذيل الترتيب في لائحة المصالح، وأنه يدرك تماماً، وهو الخبير والعليم والمجرّب مع القوى ذاتها التي لا يمكن التعويل عليها لتبديل جلدها التمساحي أو الخروج الآمن من عقولها المتحجّرة، أو التخلي عن القليل من مصالحها التي هي الأهمّ عندها بالأدلة والممارسة، من الوطن والناس والدولة والمؤسسات والدستور والقانون، أو يمكن أن تتنازل بمقدار أنملة أو ذرة عن أحلامها السلطوية وتبعاتها المنفعية ولو أصابت من لبنان وشعبه مقتلاً.

انّ الرهان على هذه القوى السياسية والطائفية والمذهبية والسلطوية الحاكمة منذ عقود، خاسر خاسر، لأنه مجرّب و»من جرّب المجرّب…» وهم كمن ينفخ في «قربة مفخوتة».

«الرصاصة الأخيرة لا تزال في جيبي» يحاول أن يقول الرئيس بري لكلّ من يعنيهم الأمر، والذين بيدهم بعض الحلّ والربط، والمساحة القليلة من القرار، كهامش يمكن التحرك من خلاله، يعني أنه يطلق التحذير الأخير قبل إطلاق هذه الرصاصة لأنّ الذخيرة ستنفذ، وإذا لم تصب الهدف المنشود المتمثل بتأليف الحكومة أولا، فهذا سيدخل لبنان في المجهول وعليه السلام، وعلى الشعب انتظار مرحلة جديدة، وولادة طبقة جديدة من رحم المعاناة من الإصلاحيين والتغييريين، والتي يجب أن تخرج إلى الضوء من انتخابات نيابية عادلة ونزيهة وحرة، ووفق قانون انتخابي تمثيلي حقيقي، وليس مفصلاً على قياس الطبقة السياسية الحاكمة، التي لا تزال قادرة وانْ كان «بطلوع الروح» وربما للمرة الأخيرة لأنّ القدر وحده كفيل بخطف الأرواح الشريرة، أو على اللبنانيين مواصلة الدعاء والإكثار من الصلوات لحصول معجزة في مكان ما، تطيح بالرؤوس الحاكمة الظالمة والمستبدة، خاصة أنّ الرهان على الشعب ودوره في إحداث التغيير سقط لغاية الآن، رغم انّ الظروف مهيأة ومشجعة وتستحق الانتفاضة، وقد بلغ سيل الفساد والفقر والجوع والبطالة والحرمان الزبى.

الرئيس بري يحاول بمبادرته ويمارس دوره الوطني والمسؤول، ويوظف علاقته الجيدة مع الجميع داخلياً وخارجياً، عله يصيب في مسعاه ويكتب النجاح لمبادرته الانقاذية، فإذا «أصاب له أجران وإذا لم يصب له أجر واحد» حتى تكتمل عناصر القوة في هذه المبادرة اذا لم تأخذ طريقها إلى الترجمة والتنفيذ، تقتضي مصارحة الناس بالحقيقة رغم قساوتها ومرارتها، والكشف عن المعرقلين أياً كانوا، وإلا، فإنّ الأزمة ستطول وستولد أزمات وتداعيات وأخطار، وتتدحرج ككرة النار التي سيتشظى منها الجميع، وخاصة هذا الشعب الذي سيكون من أولى ضحاياها ووحده سيدفع الأثمان الباهظة، إذا ما أبقت له الطبقة السياسية شيئاً ليدفعه. ولكن يبدو من مواقف سياسية وتسريبات إعلامية، أنها تحاول «القوطبة» الاستباقية على المبادرة ووأدها قبل ولادتها، على قاعدة «بحكيكي يا جارة تا تسمعي يا كنة»، عندها المبادرة ستنال أجراً واحداً، وتذهب ريح لبنان…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى