الوطن

السياحة في لبنان بعد جائحة كورونا: فرص لإنعاش الاقتصاد أم وهم؟

} د.أحمد الزين

على مستوى الأفراد والدول، السياحة ليست ترفاً بل ضرورة، هي عنصر من عناصر الثقافة وواحدة من أهمّ مصادر المعرفة.  لذلك فإنّ المجتمعات المصدّرة للسياح وتلك التي تستقبلهم، تغتني بهم ويغتنون بها على مختلف المستويات فعبرها يحصل التلاقح الفكري والفنّي والثقافي اللازم لنمو المجتمعات وتطوّرها..

 إضافة إلى ذلك، فإنّ للسياحة بعداً اقتصاديّاً تسعى الدّول والحكومات لتعزيزه والاستفادة منه ليكون ركناً مهمّاً في تحقيق ازدهارها ورخائها. وانطلاقاً من ذلك، يؤكد العديد من الخبراء الاقتصاديين أنّ «صناعة السياحة» أمر حيوي وضروري لنجاح اقتصادات الدّول حول العالم كونها تخلق آلاف الوظائف، وتساهم في تطوير البنى التحتية للبلاد.

 ففي عام 2019 وحده، ساهمت السياحة بنسبة 10.3٪ من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، أي 8.9 تريليون دولار أميركي، كما أنها وفّرت 330 مليون وظيفة، أي وظيفة من كل 10 وظائف حول العالم. تتنوع الوظائف التي خلقتها السياحة في العديد من المجالات، ولا تقتصر على قطاع السياحة فحسب، بل تشمل أيضاً قطاعات أخرى مثل الزراعة والاتصالات والقطاعين الصحي والتعليمي.

 وفي العام نفسه، شهد قطاع السياحة نمواً بنسبة 3.5٪ ، متجاوزاً النمو الاقتصادي العالمي البالغ 2.5٪ للعام التاسع على التوالي. أما على مستوى خلق الوظائف الجديدة، فقد ساهمت السياحة خلال السنوات الخمس قبل 2019 بواحدة من كل أربع وظائف جديدة وهذه تعتبر نسبة ضخمة جداً إذا ما تمت مقارنتها بأي قطاع آخر.

   ولعلّ من المفيد الإشارة هنا إلى أنّ الحكومات التي تعتمد على السياحة بنسبة كبيرة من إيراداتها تستثمر الكثير في البنية التحتية للبلاد. فهي ولكي تجذب المزيد والمزيد من السياح عليها أن تجري تحسينات في مرافقها الحيويّة كإنشاء طرق سريعة جديدة، وحدائق مطورة ، وأماكن عامة محسنة، ومطارات جديدة، وربما مدارس ومستشفيات أفضل. فهذه البنى التحتية الآمنة والمبتكرة تسمح بالتدفق السلس للسلع والخدمات ما يسمح للسكان المحليين بفرصة للنمو الاقتصادي والتعليمي ويساهم في اجتذاب أكبر عدد من السياح.

ثمّ أطلّ عام 2020 ومعه وباء كورونا الّذي أوقف السفر إلا للضرورات القصوى، ما أدّى إلى تدمير صناعة السياحة. وبحلول نيسان 2020 ، كان ما لا يقلّ عن 7.1 مليار شخص، أو 91٪ من سكان العالم، يعيشون مع قيود السفر المتعلقة بفيروس كورونا.

ولكن مع تخفيف العديد من الدول من إجراءاتها المتعلقة بفيروس كورونا نتيجة عمليات التلقيح، فإنّ الشركات السياحية بدأت تتجهز للعودة إلى المنافسة في الأسواق السياحية، لكن قطاع السياحة لن يعود إلى زمنه الذهبي من دون دعم الحكومات أو ربما ابتكار أساليب سياحية جديدة تستفيد من التطور التكنولوجي.

تعدّ أزمة فيروس كورونا لحظة فاصلة لمواءمة جهود الحفاظ على سبل العيش المعتمدة على السياحة مع أهداف التنمية المستدامة وضمان مستقبل أكثر مرونة وشمولية وكفاءة أكبر في استخدام الموارد المتاحة للمعالم السياحية للتغلب على الآثار السلبية لفيروس كورونا ولإنعاش قطاع السياحة، وهنا من المفيد في هذه العجالة أن نستعرض أربع نقاط أساسية وضروريّة لتحقيق ما تصبو إليه الدّول والحكومات من إنعاش للسياحة وإعادة الرّخاء والازدهار إلى بلدان العالم:

– تعزيز القدرة التنافسية للشركات السياحية وبناء المرونة، بما في ذلك التنويع الاقتصادي، مع تعزيز السياحة المحلية والإقليمية حيثما أمكن، وتيسير بيئة الأعمال المواتية للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة.

– النهوض بالابتكار والتحوّل الرقمي للسياحة، بما في ذلك تشجيع الاستثمار في المهارات الرقمية، لا سيما للعاملين الذين ليس لديهم وظائف (مياومون) وللباحثين عن عمل.

– تعزيز الاستدامة والنمو الأخضر للتحوّل نحو قطاع سياحي مرن وتنافسي وفعال من حيث الموارد وخالٍ من انبعاثات الكربون. يمكن أن تستهدف الاستثمارات الخضراء للتعافي المناطق المحمية والطاقة المتجددة والمباني الذكية والاقتصاد الدائري من بين فرص أخرى.

– التنسيق والشراكات لإعادة تشغيل القطاع وتحويله نحو تحقيق أهداف التنمية المستدامة.

إنّ ضمان إعادة تنشيط السياحة وتعافيها يضع الناس في المقام الأول فيعملون معاً لتخفيف قيود السفر ورفعها بطريقة مسؤولة ومنسقة.

كذلك فإنّ الحلول السياسية المرنة ضرورية لتمكين اقتصاد السياحة من العيش جنباً إلى جنب مع الفيروس على المديين القصير والمتوسّط، من هنا فإنّ من الأهميّة بمكان النظر إلى ما هو أبعد من ذلك واتخاذ خطوات للتعلم من الأزمة، التي كشفت عن وجود فجوات في استعداد الحكومات للاستجابة لها.

هذه الأزمة، وككلّ الأزمات، هي في جوهرها فرصة لإعادة التفكير في السياحة في المستقبل.

 السياحة عند مفترق طرق والإجراءات التي يتم اتخاذها اليوم ستشكل سياحة الغد التي قد تختلف في بعض أركانها عن سياحة الأمس. تحتاج الحكومات إلى النظر في الآثار طويلة المدى للأزمة، مع الاستفادة من الرقمنة، وتعزيز التحول الهيكلي اللازم لبناء اقتصاد سياحي أقوى وأكثر استدامة ومرونة.

من العالم إلى لبنان الّذي لطالما كان لقطاع السياحة اليد الطّولى في تحقيق رخائه وازدهاره وهو الّذي يتمتّع بطبيعة ساحرة، وعمق تاريخي جاذب، وشعب منفتح مرن مؤهّل لقيادة قطاع سياحي ناجح. لبنان هذا عليه أن يطوّر مفهوم السياحة في سبيل استثمار أفضل للمعالم السياحية العديدة المنتشرة بين ربوعه لأن هذا القطاع من الأعمدة الرئيسية الّتي يقوم عليه اقتصاده ولا نغفل في هذا الإطار أهميّة الاقتصاد المنتج.

 قد يرى البعض أنّ السياحة ستحتاج إلى سنين للنهوض، لكن في هذا الرّأي مجانبة للواقع إذ إنّه بعد ما يزيد عن السنة والنصف من الحجر المنزلي فإنّ العديد من عاشقي السفر والسياحة هم على «أحر من الجمر» للعودة إلى أحضان المغامرات السياحية. وبطبيعة الحال فإنّ الحكومة اللبنانية مدعوة إلى بناء شراكات مع دول صديقة بهدف تطوير هذا القطاع. فعلى سبيل المثال لا الحصر هنالك أربع دول ترغب في تطوير قطاعها السياحي ويمكن للتبادل السياحي معها أن يشكّل رافعة لهذا القطاع في لبنان، وهذه الدّول هي روسيا وإيران والسعودية التي ترغب بان تجعل السياحة من الموارد المهمة في البلاد. كذلك فإنّ الشّراكة التي يمكنها أن تشكّل دعماً كبيراً للسياحة في لبنان هي مع العراق والعراقيين الذي يعتبرون لبنان بلدهم الثاني.

إنّ السياحة مورد مهم جداً، لكن للأسف مع اعتماد لبنان في السابق على هذا القطاع إلا أنّ الحكومات اللبنانية المتعاقبة لم تستثمر أكثر من 20 % من مقومات هذا القطاع. من هنا فإنّنا نحتاج، وعلى وجه السّرعة، إلى خطّة سياخيّة متكاملة كي يؤدّي قطاع السياحة دوره المطلوب منه والمؤهّل له في نهضة جديدة لهذا الوطن الرّائع رغم الجراح، الصّامد رغم محاولات التّيئيس، والذي سيبقى طالما هنالك من يؤمن به.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى