الوطن

هل تنجح مبادرة برّي باستيلاد الحكومة؟ الأزمة مفتوحة على ثلاثة خيارات…

} محمّد حميّة

يضيقُ هامش المناورة والمغامرة أمام المعنيين بتأليف الحكومة. فمبادرة رئيس المجلس النيابي نبيه بري المسندة بالدعم المباشر من مثلث حارة حريك – بكركي – كليمنصو، فرضت نفسها على جدول أعمال ومواقيت بعبدا واللقلوق وبيت الوسط ولم يعُد لديهم الوقت لتضييعه في شروط وسياحة خارجية بلا طائل.

فهل تنجح مبادرة عين التينة باستيلاد الحكومة؟

لم يحدّد لقاء الساعتين في عين التينة بين بري والحريري اتجاه الملف الحكومي رغم الأجواء الإيجابية المشوبة بالحذر الشديد. ورغم تكتم عين التينة على مضمون اللقاء فإن مصادرها أشارت لـ«البناء» إلى أن «لقاء الأمس تأسيسي لمرحلة جديدة من المشاورات ستشمل كافة المعنيين بالتأليف»، مشيرة إلى أن «بري سيجري مروحة اتصالات ولقاءات مع رئيس الجمهورية والنائب جبران باسيل وحزب الله لوضعهم في أجواء اللقاء». وأضافت: «من المبكر الحكم على نتائج اللقاء قبل استكمال الخطوات اللاحقة وترقب تحرّك الحريري باتجاه بعبدا». مشدّدة على أن «رئيس المجلس يسير وفق خريطة طريق تحتاج إلى مدة زمنية معينة لظهور النتائج لكنها ليست مفتوحة».

لكن ماذا لو أُجهِضت مبادرة بري؟ فما هي الخيارات البديلة؟

-اعتذار الرئيس المكلف، إذ بدأ يردد بعض المحيطين بالحريري وفقاً للحسابات السياسية بأنه «ما بقى محرزة» تأليف حكومة برئاسة الحريري قبل الانتخابات النيابية، لا سيما أن الدعم السياسي والمالي الخارجي وتحديداً الخليجي لحكومة برئاسة الحريري غير مؤكد حتى الساعة، ما يعني انفجار قنبلة الأزمات في وجهه، ما سينعكس سلباً على وضع تيار المستقبل في الانتخابات النيابية خصوصاً إذا دُفِعت حكومة الحريري لاتخاذ قرارات غير شعبية يفرضها الواقع الاقتصادي وشروط صندوق النقد الدولي في ملفات رفع الدعم والمسّ بودائع اللبنانيين. لذلك يفضل هؤلاء تنحي الحريري والتفرغ لخوض الانتخابات على أن يترشح بعدها لترؤس الحكومة. ويواكب هذا الطرح المستقبلي التداول في الكواليس السياسية بطرح تأليف حكومة مؤقتة برئاسة شخصية مستقلة كالرئيس تمام سلام لها مهمتان فقط الحد من الانهيار الاقتصادي قدر الإمكان وتمرير الوقت وإجراء الانتخابات نيابية حتى نضوج الحل الإقليميّ للبنان.

وخيار الاعتذار قد يُدخل البلاد بأزمة تكليف جديدة ستتطور إلى أزمة فراغ دستوري إذا ما أعقب الاعتذار استقالة نواب الكتلة الزرقاء وربما كتلة الرئيس نجيب ميقاتي من المجلس النيابي كردة فعل تصعيديّة على بعبدا. ويواجه المجلس هنا «ميثاقيّة سنيّة» رغم وجود ثمانية نواب سنة مستقلين، ما يتسبب بإشكالية أخرى هي نصاب انعقاد المجلس الذي يحتاج إلى الأكثرية المطلقة. إذ نصت المادة 34 من الدستور «لا يكون اجتماع المجلس قانونياً ما لم تحضره الأكثرية من الأعضاء الذين يؤلفونه». وينسحب ذلك على الدعوة إلى استشارات نيابيّة لتكليف شخصية أخرى لتأليف الحكومة. أما في حال تم تجاوز الميثاقيّة ونصاب المجلس بحيلة دستوريّة ما على طريقة الرئيس بري، فقد يصار إلى تكليف إحدى الشخصيات الوسطية كالنائب فؤاد مخزومي أو الوزير السابق خالد قباني. علماً أن خبراء في السياسة واستطلاعات الرأي يؤكدون لـ«البناء» بأن لا مصلحة للمستقبل بهذه «الدعسة الناقصة» لأنها ستفقده حضوره في المجلس النيابي بعد إقصائه من المشهد الحكومي، وبالتالي أي إنتخابات فرعية أو أساسية سيفقد المستقبل حصته النيابية الحالية في ظل تراجع شعبيته.

– في حال تعثر التأليف وتمسّك الحريري بالتكليف لوقتٍ طويل، قد يعمد نواب التيار الوطني الحر للاستقالة من المجلس تتبعها استقالة نواب القوات اللبنانية لضرورة المزايدة السياسية. وفي هذه الحالة يفقد المجلس الميثاقية المسيحية أيضاً وهنا يتقدم خيار الانتخابات المبكرة وتأليف حكومة جديدة. إلا أن هذا الخيار يبدو غير واقعي في ظل الانقسام السياسي الحاد والظروف المادية والصحية التي تحول دون إجراء الانتخابات، فضلاً عن أننا دخلنا في السنة الانتخابية العادية وبدأت معظم الأحزاب الإعداد لها. كما أن التيارين الأزرق والبرتقالي يحتاجان لفترة سبعة أشهر لإعادة لملمة شارعهما المتراجع وعقد التحالفات وخوض الانتخابات فضلاً عن تأمين مصادر التمويل اللازم في ظل شحّ المال عند الأحزاب والدولة معاً.

– الثالث والمرجّح استمرار الوضع القائم وتصريف الأعمال بالحد التي تقوم به الحكومة الحالية مع احتفاظ الحريري بسلاح التكليف، وما ينتج عن ذلك من تفاقم للأزمات وعودة الفوضى والتوترات الأمنيّة إلى الشارع، وبالتالي البقاء في هذه الدوامة قد تستمرّ لانتخابات أيار المقبل، وحينها ينجلي المشهد الإقليمي الذي ينتظر جملة استحقاقات كالملف النووي الإيراني والحل السياسي للحرب اليمنية. ويقال في الكواليس إن السعودية تربط الإفراج عن حكومة لبنان بضمانات تتصل بأمنها ومصالحها في صنعاء والخليج.

إلا أن مطلعين على الوضع الإقليمي يرون أن متغيرات المنطقة على خط واشنطن – طهران – دمشق – الرياض وما ستفرزه من معادلة إقليمية جديدة، قد لا تتسع للحريري بل قد تتطلب رئيس حكومة لبناني ينفتح على سورية. فهل يستطيع «الشيخ» ذلك وهل يقبل السوريون أصلاً؟

والسؤال الأهم هل يحتمل الوضع الداخلي الاستمرار بلا حكومة لأشهر أو لعام إضافي؟

بحسب معلومات «البناء» فإن أكثر من مرجع أمني حذر من أن تعثر التأليف سيؤدي إلى فلتان أمني كبير ما يتطلب دوراً استثنائياً للجيش وزيارة قائده إلى فرنسا تصب في هذا الاتجاه. وعلمت «البناء» أن «عون بحث مع المسؤولين الفرنسيين التداعيات الأمنية المحتملة لفشل العملية السياسية والخطوات الواجب اتخاذها للحؤول دون انهيار الوضع الأمني الأمر الذي يضر بالمصالح الفرنسية والأوروبية. لذلك بدأت عواصم أوروبية إعداد الجيش والخطط لمواجهة المرحلة الأسوأ وتكليف الجيش مع صلاحيات أوسع لإدارة الفوضى. وتشير المعلومات إلى أن الظروف الإقليمية والدولية لم تنضج بعد لولادة الحكومة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى