واشنطن تعلن السير بالاتفاق النوويّ تحت عنوان أولويّة عدم وصول إيران إلى القنبلة / على طريقة الفاخوري وأذن الجرّة: الحاكم لتعويم الدعم وسحب الودائع/ الجمود السياسيّ بين العجز عن التقدّم والسير بالبدائل ودعوات التهدئة /
كتب المحرّر السياسيّ
الحلقة المركزيّة في صورة النظام الإقليمي الجديد ترتسم بتسليم واشنطن بصعود محورية إيران وتراجع مكانة كيان الاحتلال، من جهة، وبالتغيير الاستراتيجي في البيئة الأمنية لمنطقة الخليج مع صعود قوة أنصار الله في اليمن وتراجع حضور الزعامة السعودية في المنطقة. وعلى خلفية هذا التسليم بدأ البيت الأبيض حملة تصريحات إعلامية تعلن السير بالاتفاق النووي مع إيران، وتفتح الطريق للتوقيع القريب لقرار العودة، بالتزامن مع ضبط إيقاع المشهد السياسي لكيان الاحتلال عبر حكومة جديدة تؤمن واشنطن لها مالاً وسلاحاً ورعاية وحماية، تبعد رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو عن المشهد السياسي، وتجنب المنطقة مغامرات تعتقد واشنطن أنها تستدرج الحرب الإقليميّة التي تطيح بكل ما تخطط له من مشاريع للتهدئة. وبالتوازي ضغط أميركي على السعودية لتعديل سقوف مقترحات وقف النار بما يلبي قبول أنصار الله ويفتح الطريق للمسار السياسي في اليمن.
عنوان الحملة الأميركية الذي بدأ يتردد من البيت الأبيض الى تصريحات وزير دفاع كيان الاحتلال الذي يزور واشنطن، هو تجنّب امتلاك إيران للقنبلة النووية كنتيجة وحيدة لعدم توقيع العودة للاتفاق النووي.
لبنان العاجز عن الوقوف على ضفة تلقّي عائدات هذه التحولات التي يقف في وسطها، يواصل عجزه عن تشكيل حكومة، وعاد الجمود الى المساعي التي يقودها رئيس مجلس النواب نبيه بري المتمسك بمبادرته بصفتها فرصة أخيرة للخروج من الأزمة، والتسليم بسقوطها يعني مواجهة الانهيار، فيما قالت مصادر على صلة بهذه المساعي أنها حققت قطع نصف الطريق رغم التصعيد الذي رافق النقاش حول نصفها الثاني، فعقدة توزيع الحقائب على الطوائف والمذاهب وتحديد جهات تسميتها مرت بسلام، وهي كانت تمثل نصف أزمة تأليف الحكومة، ومن ضمنها حقيبتا العدل والداخلية، أما النص الثاني المتمثل بعقدة الوزيرين المسيحيين الإضافيين للوزراء المحسومة آلية تسميتهما، فيستحق جولة مساع جديدة بعدما أفرغ الفريقان ما في جعبة كل منهما من ذخائر، والفريقان لا يملكان بدائل للتنازل وصولاً للتأليف، فلا الانهيار يخدم سعيهما لحصد المزيد من التأييد في الشوارع الطائفية التي ستصبح طعماً للفوضى إذا انهار البلد، ولا الاستقالات من مجلس النواب ذهاباً للانتخابات المبكرة يشكل خياراً عملياً للفريقين، رغم التلويح به، علماً أن الطرفين تبلغا من فريقي ثنائي حركة أمل وحزب الله أن أحداً لن يثنيهما عن هذا الخيار اذا وصلت اليه الأمور، فليس لدى “الثنائي” ما يخشاه من الانتخابات، وتعتقد المصادر ان الجمود الراهن في جزء منه تعبير عن نجاح مساعي التهدئة التي عمل عليها الرئيس بري وحزب الله والبطريرك بشارة الراعي.
على الصعيد المالي فاجأ حاكم مصرف لبنان الجميع، بتراجعه عن تصريحاته السابقة بوقف الدعم أول حزيران، لنفاد مخزون الدولارات لديه، بالعودة الى تعويم جزء رئيسي من الدعم وفتح الباب معه لسداد جزء من ودائع المودعين على طريقة الـ 400 دولار نقداً و400 أخرى بسعر منصة صيرفة أي 12000 ليرة للدولار، وبعد اعتراض جمعية المصارف بذريعة عدم امتلاك دولارات لتنفيذ تعميم مصرف لبنان وردّ المصرف بأنه سيزود المصارف بالدولارات اللازمة عبر تخفيض نسبة الاحتياطي بـ 1%، تراجعت المصارف بانتظار إصدار الآلية التي قال المصرف إنها ستصدر قريباً. وعلقت مصادر مالية على المشهد بالقول، إنه مشهد سوريالي لا تفسير له إلا بالمثل القائل “الفاخوري يضع أذن الجرة حيث يشاء”.
وفي ما غاب الملف الحكوميّ عن المشهد الداخلي لليوم الثاني على التوالي وسط جمود يسود الاتصالات والمشاورات على خط تأليف الحكومة، بقيت الأوضاع المالية والنقدية والاجتماعية في دائرة الضوء. فبعد الاجتماعات التي عقدت في قصر بعبدا وأدت الى حل أزمة التعميم رقم 151 برز تطوّر على صعيد أزمة الودائع بإلزام المصارف بدفع جزء من أمواله بالدولار وجزء آخر بالليرة اللبنانية وفق سعر السوق.
وعقد المجلس المركزي لمصرف لبنان جلسة استثنائية برئاسة الحاكم رياض سلامة، واتخذ بالإجماع قراراً يلزم المصارف بتسديد 400 دولار (fresh dollars) إضافة إلى ما يوازيها بالليرة اللبنانيّة للحسابات التي كانت قائمة بتاريخ تشرين الأول من سنة 2019 وكما أصبحت هذه الحسابات في آذار 2021.
إلا أن جمعية المصارف وجّهت كتاباً إلى سلامة تُعلمه فيه عدم قدرتها على توفير أية مبالغ نقدية بالعملة الأجنبية، طالبة منه التريّث في إصدار أي تعميم يُلزم المصارف.
في موازاة ذلك، أعلن سلامة أن “البنك المركزي سيقوم بعمليات بيع للدولار الأميركي للمصارف المشاركة على منصة «Sayrafa» بسعر 12,000 ليرة للدولار الواحد. على أن تبيعها المصارف بسعر 12,120 ليرة للدولار الواحد”. وطلب “من المُشاركين الراغبين بتسجيل جميع الطلبات على المنصة اعتباراً من نهار الاثنين الواقع في 7 حزيران 2021 لغاية نهار الأربعاء الواقع في 9 حزيران 2021، شرط تسديد المبلغ المطلوب عند تسجيل الطلب بالليرة اللبنانية نقداً. سوف تتم تسوية هذه العمليات نهار الخميس الواقع في 10 حزيران 2021. تُدفع الدولارات الأميركية لدى المصارف المراسلة حصراً”.
وأتبعت جمعية المصارف بيانها ببيان ثانٍ مشيرة الى ان “الكتاب الذي صدر عن جمعية المصارف والموجّه لسعادة حاكم مصرف لبنان قد سبق بيان مصرف لبنان”. مضيفة أن “جمعية المصارف تبدي استعدادها الكامل لبحث مندرجات التعميم المزمع إصداره من قبل مصرف لبنان بإيجابية تامة لما فيه المصلحة العامة”.
وفيما عكس التضارب بين بياني المصارف الخلاف مع مصرف لبنان ونية لديهم بعدم تنفيذ تعميم المركزي بدفع قسم من الودائع. لفتت مصادر مصرفية لـ “البناء” الى ان “المصارف ستبدي كل تعاون مع مصرف لبنان. وهذا الأمر لا يُحلّ بتعميم او تعميمين بل بنقاش ودراسة دفع جزء من الودائع بالدولار في ظل الوضع الصعب الذي يعيشه القطاع المصرفي”. وفي المقابل اشار خبراء لـ”البناء” الى ان المصارف تحاول التهرب من تنفيذ تعميم مصرف لبنان وتدّعي بأن ليس لديها سيولة نقدية بالدولار فيما هي رفعت نسبة رساميلها واحتياطاتها بالعملات الأجنبية بناء لتعميم مصرف لبنان برفع احتياطات المصارف كما لديها أصول وأملاك في الخارج وفروع لها في دول عدة”.
وفيما تتفاقم الازمات الحياتية تشهد الاسواق ارتفاعاً إضافياً في اسعار السلع الغذائية في ظل غموض يظلل مشروع البطاقة التمويليّة الذي أصبح في المجلس النيابي ولم يعرف اذا كان يدرس في اللجان أم يجري تأجيله ريثما يتم تأليف حكومة جديدة، لكي لا يحصل خلاف داخل المجلس في ظل تضارب الآراء بين مصرف لبنان والمصارف والحكومة لجهة تمويل المشروع.
إلا أن مصادر حكومية اوضحت لـ “البناء” أن المفاوضات مستمرة مع البنك الدولي لتغيير وجهة عدد من القروض التي أقرها البنك الدولي للبنان لا سيما القرض المخصص لدعم العائلات الأكثر فقراً”.
على صعيد ازمة الدواء أعلن وزير الصحة العامة في حكومة تصريف الأعمال حمد حسن أن “موضوع أزمة الدواء في الأسواق في طريقها الى الحل ولن نسمح أن يعكر موضوع الدواء صفو ما نحققه في مواجهة وباء كورونا، والحل يجب أن يكون قبل نهاية الاسبوع الحالي”.
ولم يسجل الوضع الحكومي أي مستجدّ إذ غابت اللقاءات العلنيّة وسط استمرار طرفي النزاع على مواقفهما التصعيدية وتصلبهما في شروطهما لا سيما لجهة عقدة تسمية الوزيرين المسيحيين. إلا أن مصادر “البناء” لفتت إلى أن اتصالات تجري بعيداً عن الإعلام على خط عين التينة – حارة حريك وبين عين التينة وبيت الوسط إضافة إلى تواصل بين بعبدا والتيار الوطني الحر وحزب الله، وذلك لإعادة ترطيب الأجواء ورأب الصدع وسحب فتيل التوتر لإعادة استئناف الاتصالات من حيث انتهت لتذليل العقدة الأخيرة أي تسمية الوزيرين المسيحيين».
وفي ما تم التداول بخبر ان الرئيس نبيه بري سيعلن عن وقف مساعيه خلال أيام قليلة اشارت مصادر ثنائي امل وحزب الله لـ”البناء” الى ان المشاورات مستمرة ومن المبكر الحديث عن فشل المبادرة ووقف الجهود طالما ان الأبواب لم تقفل بشكل كامل لا سيما أن جهود بري أحرزت تقدماً على صعيد توزيع الحقائب ووزارتي العدل والداخلية لكن استقرت المشاورات على عقدة الوزيرين المسيحيين”.
وشددت اوساط بعبدا والتيار الوطني الحر لـ”البناء” ان “الرئيس عون لا يزال يعول على المساعي لا سيما مبادرة رئيس مجلس النواب نبيه بري للوصول الى صيغة حكومية موحّدة”، وطالبت الاوساط الرئيس المكلف سعد الحريري باعتماد معايير موحدة وبالتواصل مع كل الافرقاء”. ولفتت الى انه “في حال لم يستطع الحريري التشكيل فليعتذر لأن الوضع الداخلي لم يعد يحتمل إفساحاً بالمجال لشخص آخر لضمان استمرارية المؤسسات والنظام”. وأكدت الأوساط ان “الرئيس بري هو من يعلن وقف مبادرته ونحن ندعم كل جهد لتذليل العقد والتوصل الى حل”.
في المقابل علمت “البناء” ان الحريري لن يعتذر في الوقت الراهن ومن المبكر الذهاب الى هذا الخيار لا سيما ان اللجوء اليه يحتاج الى دراسة ويأتي ضمن رؤية وخريطة طريق للحل وليس لتفاقم الازمة، رغم انه خيار مطروح لكن نتخذه بالتوافق والتشاور مع الحلفاء. وأكد الأمين العام لتيار “المستقبل” أحمد الحريري أن “الرئيس المكلف قدّم تضحيات للبلد”، وقال: “ردّنا في الإعلام هو لسحب الفتيل في الشارع لأنّ شارعنا “عم يغلي”. وأضاف: “يريدون نسف حكومة الاختصاصيين، وذرّ الرماد بالعيون أنّ السعودية “مسكّرة” على الحريري لا يجوز لأنّ المملكة “مسكرة” على لبنان كلّه”.
وأشار الحريري في حديثٍ تلفزيوني إلى أن “تكرار التسوية مع الأشخاص أنفسهم خديعة لأنفسنا ولجمهورنا، ورأى أن “التيار الوطني الحر” لا يعترف بأخطائه”. وشدّد على أن “احترام البطريرك الراعي من قبلنا كبير، وهذا لا يغيّر موقفنا من رئيس الجمهورية ميشال عون، وحاولوا الإيقاع بيننا وبين بكركي”، وتابع: “الرئيس الحريري لا يعمل وفق أجندة أحد، ولا تجوز المقارنة بين عهدي فؤاد شهاب وميشال عون».
وبرزت الدعوة التي وجهها وزير الخارجية القطرية الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني، الى إيران ودول الخليج لعقد حوار إقليمي. مشيراً في تصريح إلى أنّ “الأزمة في لبنان مقلقة للجميع وهو بلد يعاني من وضع خطير”. وأضاف: “نصيحتنا لإيران ودول الخليج هي دعونا نجلس سوياً في حوار إقليمي”، لافتاً إلى أنّ “قطر لا تسعى لإعادة العلاقات الدبلوماسية مع سورية طالما لم يحدث تغيير على الأرض”.
ويبدو أن المحكمة الدولية الخاصة بلبنان امام ازمة تمويل في ظل توقف عدد من الدول مساهمتها المالية وأخرى خفضت تمويلها كما علمت “البناء” كبريطانيا التي لا زالت تترأس الدائرة الادارية في المحكمة فيما بريطانيا أوقفت مساهتمها المالية في المحكمة. وشددت المصادر على ان المحكمة مهددة بالتوقف عن العمل إذا لم يتأمن التمويل اللازم.
وفي سياق ذلك راسل رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش بشأن التطورات الأخيرة المتعلقة بالمحكمة الخاصة بلبنان، قائلاً “بالنظر إلى التحديات التي تواجه المحكمة، ومع الأخذ في الاعتبار الأزمات الحادة المستمرة التي يعانيها لبنان التي انعكست في تقريركم المؤرخ في 19 شباط 2021، فإن حكومة لبنان ستكون ممتنة لسيادتكم لاستكشاف الوسائل المختلفة والبديلة لتمويل المحكمة، بشكل عاجل مع مجلس الأمن والدول الأعضاء، لمساعدتها في إنجاز مهمتها وفقاً لقرار مجلس الأمن الرقم 1757 (2007) والاتفاقية ذات الصلة بين الأمم المتحدة والجمهورية اللبنانية بشأن إنشاء المحكمة الملحقة به، ومتابعة لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة A/Res/75/253B المؤرخ في 16 نيسان 2021.
على صعيد آخر، استغرب رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبود في بيان، “الكلام المتكرّر غير الصحيح وغير المسؤول، الذي يصدر عن وزير للداخلية، والذي يمس بالسلطة القضائية وبشخص كل قاض وبكرامته، والذي يسهم في التدمير الممنهج لمؤسسات الدولة.»
وحذّر من “النتائج التي سيؤدي إليها هذا النهج”، وأكد أنه بصدد “اتخاذ الإجراءات المناسبة بهذا الشأن”.