الوطنمقالات وآراء

إحذروا الإثارات الطائفية والمذهبيّة التي بدأتها الطبقة الحاكمة

} عدنان برجي*

بالأمس كلّف وزير التربية والتعليم العالي موظّفة فئة ثالثة بمهام دائرة التعليم الثانوي الرسمي الى حين تعيين بديل بالأصالة، وقبل أسبوعين كلّف الوزير نفسه أستاذاً في التعليم الثانوي الرسمي بمهام مدير التعليم الثانوي الرسمي. المدير ورئيسة الدائرة المكلّفان حديثاً من طائفتين مختلفتين وتلك قاعدة شبه ثابتة في الإدارة اللبنانية «الحديثة» بل المهترئة. قامت الدنيا ولم تقعد، ليس لأنّ الموظّفة غير كفوءة، فذلك لم يناقشه أحد، بل لأنّ الموظّفة المكلّفة بالمهمّة سابقاً كانت من طائفة أخرى. اللافت في الأمر أنّ إحدى النائبات في المجلس النيابي، التي يُفترض فيها أنّها تمثّل الشعب اللبناني بكامله، وتنطق باسمه، وتشرّع من أجله كلّه، لا من أجل طائفة أو مذهب أو منطقة، بادرت الى إثارة الشارع لقطع الطرقات بحجة الانتقاص من حقوق الطائفة. والأمثلة على هذا النموذج أكثر من أن تحصى. بالأمس كانت الإثارة من نائبة من طائفة معيّنة، وقبلها كانت الإثارة من نائب من طائفة أخرى، وكلّ يوم إثارة من هذا المسؤول أو ذاك، فيما اللبنانيّون بغالبيتهم يُكابدون الجوع، والعوز، والحرمان، وانعدام الأمن الاجتماعي، وفقدان الرغيف والكهرباء والمحروقات والدواء.

انْ دلّ ذلك على شيء انما يدلّ في رأيي على المستوى المتدني الذي وصلنا اليه كلبنانيّين، فالنفوس هي المريضة وليست النصوص هي التي تحتاج الى تطوير. في نصوص الدستور اللبناني المعدّل باتفاق الطائف، ليس هناك حصريّة لوظيفة معيّنة بطائفة معيّنة سوى الرئاسات الثلاث، والمناصفة في العدد بوظائف الفئة الأولى. لكن في الممارسة، ومن أجل غايات شخصيّة وحزبيّة وفئويّة، تُصبح وظيفة حاجب أمام مبنى رسمي او وظيفة «ناطور» في حرجٍ حكراً على هذه الطائفة او تلك! حتى الآن لم يتمّ تعيين مأموري الأحراج الذين اجتازوا امتحانات مجلس الخدمة المدنيّة لأنّ في زعم أحد أطراف الطبقة الحاكمة أنّ هناك خللاً في التوزيع الطائفي!

انّ مسؤولي بلدنا المُعذّب لا يبحثون عن الكفاءة عند هذا الموظّف أو ذاك، بل يبحثون عن تبعيتّه لهذا المسؤول أو ذاك. فحتى مدراء المدارس والثانويّات والجامعات الذين يُفترض أنهم مؤتمنون على تربية وتعليم وتنشئة الأجيال لا يتمّ اختيارهم على أساس الكفاءة بل على أساس التبعيّة، والحال ينسحب على جميع المفروضين على الإدارة بالتعاقد وبإدارة المواقع الوظيفيّة.

انّ الأميّة الوظيفيّة هي السائدة في الإدارة لأنّ غالبيّة من احتلّ الموقع الوظيفي لم يحتلّه بجدارته وكفاءته وتفانيه.

بعد أكثر من ثلاثين عاماً على انتهاء الحرب الأهليّة وحوالي نصف قرن على اندلاعها بحجّة رفع الغبن عن فئة والدفاع عن المكتسبات عند فئة ثانية، لا نزال بعيدين بُعد الشمس عن الأرض عن مفهوم المواطنة، الذي بدونه لا يُبنى وطن ولا تقوم لشعبه قيامة.

انّ ما جرى في الأمس ليس منفصلاً عن العجز في تأليف الحكومة، وليس بعيداً عن مخطّطات الإثارة التي تتقنها أطراف الطبقة الحاكمة قبل الشروع في التحضير للانتخابات النيابيّة التي يعوّل عليها الشعب للخروج من الأزمة واستبدال الطبقة الحاكمة الفاسدة، والفاشلة، والعاجزة، والناهبة لأموال الناس.

لقد همّشوا، مجتمعين ومتحدّين، كل النصوص التطويرية والإصلاحية التي نص عليها اتفاق الطائف، لأنّ هذه النصوص هدفت الى بناء وطن فيما هم يريدونه أقلّ من مزرعة يتحكمون فيها كيفما يشاؤون. لم يشرّعوا قانون انتخاب مجلس الشيوخ الطوائفي، ولم يؤلفوا هيئة إلغاء الطائفية وانتخاب مجلس نيابي على أساس وطني وليس طائفياً، ولم يسعوا باتجاه الإنماء المتوازن ولم يعملوا من أجل اللامركزيّة الإداريّة.

انّ الذين يعتقدون ان هذه الطبقة قادرة على انتشال لبنان مما هو فيه هم على خطأ جسيم، فمهمّة هذه الطبقة هي المزيد من إغراق لبنان واللبنانيّين في العتمة والفقر وانحلال كلّ مقومّات الدولة. انّ المهمّة الأولى والوحيدة عند قوى التغيير هو الاتفاق على قانون انتخابي جديد ينطلق مما ورد في الدستور لجهة الدائرة الموسعة والتي هدفت الى الخروج من شرنقة التعصب الطائفي  والمذهبي، وإقرار قانون انتخاب مجلس شيوخ يعالج خصوصيات الطوائف والمذاهب.

انهم يستثيرون العصبيّات المذهبيّة والطائفيّة ليذهبوا الى الانتخابات على أساس القانون الحالي الذي أنتج هذه الطبقة بكلّ مساوئها، ومن واجب كلّ عاقل ان يدرك هذه الحقيقة، وان لا يستجيب لدعواتهم الباطلة والكاذبة والخادعة. ان ما يهمّ المواطن من الموظف الإداري هو إتقانه للعمل والتزامه سقف القانون وليس الانتماء الطائفي أو المذهبي أو السياسي أو المناطقي.

فمن أجل أن نكون مواطنين لا رعايا علينا أولاً وأخيراً أن نغلّب المواطنة على أيّ انتماء آخر.

*مدير المركز الوطني للدراسات ـ لبنان

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى