نقاط على الحروف

إجحافان لا يصنعان إنصافاً: على هامش الخلاف الرئاسيّ

 ناصر قنديل

– منذ انتخاب رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وتصويت رئيس مجلس النواب نبيه بري بورقة بيضاء، والإشكالية تحكم العلاقة بينهما، وتربك حليفهما المشترك حزب الله، ويستفيد منهما شريكهما المضارب الرئيس المكلف بتشكيل الحكومة سعد الحريري، فشعور الرئيس بري بالخيانة في التسوية الرئاسية لم يكن لأن العماد عون لم يضعه في أجوائها، بل لأن الرئيس الحريري انفرد وفاجأه بها، رغم ما كان بينهما من اتفاق على التنسيق بالتفاصيل منذ ترشيح الوزير السابق سليمان فرنجية، وبالمقابل فإن الحريري لم يأبه وربح كشريك منفرد في التسوية التي كان الرئيس بري يشكو دائماً من جهله مضامينها، لكن الذي دفع ثمن خيانة الحريري لبري كان رئيس الجمهورية، وعندما استقال الحريري من رئاسة الحكومة بعد انتفاضة 17 تشرين لم يكن عون مَن غدر ببري، بل الحريري، لكن التجاذب الذي رافق تشكيل حكومة الرئيس حسان دياب كان بين عون وبري، هنا من حق الرئيس عون أن يشعر بالإجحاف.

– عندما يتجاهل الرئيس ميشال عون ورئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل ومعهما التيار الوطني الحر الذي يشكل شارع رئيس الجمهورية وبيئته الحاضنة، مفاعيل الشراكة مع الرئيس الحريري ولا يعتبرونها تستراً على الفساد وتخلياً عن الإصلاح، ولا يرون في اتفاق معراب تعبيراً عن وضع اولوية وحدة الطائفة على التفاهم السياسي، ويرفضون الاعتراف بأن هذين التفاهمين، اللذين لم يكن لا حزب الله طرفاً فيهما، ولا كان الرئيس بري شريكاً بهما، كانا سبباً لفشل بناء الدولة في عهد العماد عون الرئاسي، لأنهما فرضا أولويات غير إصلاحية، عنوانها المحاصصة للنصف الأول من العهد، ويصرون بالمقابل على القول إن فشل بناء الدولة كان نتيجة تعطيل الرئيس بري لمسيرة العهد، وإن التفاهم بين التيار وحزب الله فشل في بناء الدولة لأن الحزب منح الأولوية لوحدة الطائفة على حساب التفاهم السياسي، من حق الرئيس بري ومن حق حزب الله أن يشعرا بالإجحاف.

– عندما يقول الرئيس بري إن رئيس الجمهورية لا يحق له بوزير واحد، لأنه لا يصوت في مجلس الوزراء، يحق للرئيس عون بأن يعتبر ذلك إجحافاً ويذكر بأن الرئيس ميشال سليمان نال دائماً حصة من ثلاثة وزراء، ودون أي تمثيل نيابي، لكن الرئيس عون هو مَن قال إنه لا يحق لسليمان أي وزير في الحكومة يومها وهو يتحدّث اليوم عن ثمانية وزراء على الأقل بينما التيار الوطني الحر يقول إنه غير مشارك ولن يمنح الثقة، عندها يحق للرئيس بري أن يعتبر ذلك إجحافاً، وعندما يقول الرئيس بري أن رئيس الحكومة هو الذي يجري الاستشارات للإيحاء بأن لا دور لرئيس الجمهورية في تشكيل الحكومة إلا توقيع مرسومها، فمن حق عون الشعور بالإجحاف، وعندما يردّ الرئيس عون بأن كلام بري يكشف أن هناك من لم يغفر استعادة الدور والحضور بعد التنكيل بين عامي 1990 و2005، فهو يعلم أنه يجحف كثيراً بحق الرئيس بري، وعندما يخلص الى أن بري يفقد دور الوسيط، يجحف أكثر، طالما أنه استبشر بإعلانه الإبقاء على مبادرته، ومرة أخرى الرئيس الحريري الشريك المضارب للرئيسين عون وبري يبتسم.

– الإجحاف الحقيقيّ يتم بحق الشعب اللبناني، الذي ليس أمامه سوى التطلع لعودة التلاقي بين رئيس الجمهورية ورئيس المجلس النيابي، لفتح الفرص مجدداً أمام تشكيل الحكومة، لأنهما يعرفان ويقولان أن ليس من طريق سوى تشكيل حكومة لتكون حجر الأساس في مسيرة لا ضمانات بنجاحها، ولا بالسياسات التي ستتخذها الحكومة نهجاً لها، لكنها ستبقى الأقل سوداوية من السيناريوات البديلة. ومن حق اللبنانيين السؤال، ماذا لو تنازل أي من رئيسي الجمهورية او الرئيس المكلف عن شروطه التي تعطل ولادة الحكومة، مقابل ضمانة الحليف الذي يثق به، بمشاركته الخيارات بعد سقوط الحكومة، فالتيار الوطني الحر إذا تنازل مقابل ضمانة حزب الله يملكان معاً قدرة إسقاط الحكومة في اليوم الثاني لولادتها مع ظهور اول إشارات مؤذية، وعندها استشارات نيابية لتسمية بديلة يتفقان عليها، والرئيس الحريري إذا تنازل مقابل ضمانة بري يملك قدرة الاستقالة في اليوم الثاني إذا أقنع الرئيس بري بحصول ما لا يمكن التعايش معه، وتبقى حكومته لتصريف الأعمال وعدم المشاركة بتسمية بديل منه. وفي كل حال أيهما أفضل للفريقين اللذين يلوحان باللجوء الى الاستقالة من مجلس النواب والذهاب إلى انتخابات نيابية مبكرة، أن يفعلا ذلك قبل تشكيل حكومة يتشددان بشروطهما لتشكيلها، او ان يسهلا التشكيل والاستقالة من المجلس النيابي ورقة احتياط باقية، مع فارق أنها ستضمن سبباً جوهرياً يبررها عندها بنظر الجمهور وحليف موثوق على الأقل.

– لبنان لا يحتاج إلا لبعض الإنصاف، لأن الإجحافين لا يصنعان ولم يصنعا إنصافاً. وقول ذلك حرص ومسؤولية، في توقيت سيئ لمن يقوله، فربما ينتظر البعض إعلان انحيازاً ومن يصفق لضفة ويدين الأخرى.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى