مقالات وآراء

مشهد ومسار جديد لفلسطين

} د. زياد حافظ*

نجتمع في الدورة الخامسة لمنتدى العدالة من أجل فلسطين في ظروف استثنائية تعود لجائحة كورونا التي حالت دون انعقاد طبيعي للمنتدى في تونس كما كان مقرّراً، وبسبب التطوّرات الأخيرة بعد معركة «سيف القدس«» التي غيّرت معالم الصراع العربي الصهيوني. وتأتي هذه المبادرة مشتركة من الاتحاد التونسي العام للشغل والمركر العربي والدولي من اجل التضامن والتواصل. وقد أطلقنا عليها اسم دورة وزير العدل السابق الأميركي رامزي كلارك والرائد الجزائري سي لخضر بورقعة. وأردنا بهذه التسمية للدورة تكريم صديقين عزيزين للمنتدى ولفلسطين وقضايا التحرّر في الوطن العربي والعالم لما قدّماه لنا جميعاً. كان عطاؤهما مستمراً وكثيفاً حتى لحظة رحيلهما عن هذه الدنيا. فرامزي كلارك كان نقيض الأميركي البشع في مواقفه الشجاعة في الدفاع عن العدالة في كل مكان، والمجاهد الرائد سي لخضر بورقعة كان نموذجاً للمناضل الذي لم يفصل بين تحرير الجزائر وتحرير فلسطين.

عندما أطلقنا في المركز العربي والدولي من أجل التضامن والتواصل سنة 2014 فكرة الملتقى من العدالة من أجل فلسطين، كان هدفنا نسج أكبر شبكة ممكنة من المناضلين والناشطين في الوطن العربي والعالم الإسلامي وأحرار العالم الدعم للشعب الفلسطيني في معركته لتحرير فلسطين. واليوم نجتمع ليس فقط لنؤكّد على ثوابت الأمة وعدالة قضيتها الأولى بل لترجمة عملية لتلك المواقف المؤيّدة لقضيتنا الأولى، قضية فلسطين التي يجب أن تُحرّر من البحر إلى النهر. والتحرير هو الحلّ الوحيد والممكن لقضية الاحتلال خاصة أنّ الكيان المحتلّ برهن بشكل قاطع أنه لا يريد ولا يستطيع التعايش مع أهلنا في فلسطين. فلا حلّ الدولتين ولا حلّ الدولة الواحدة بقوميتين ممكنين في ظلّ العنصرية المعلنة والمعادية للإنسانية. فكلّ من يدعم الكيان هو شريك في الجريمة التي ترتكب بحق الإنسانية، ومن هنا الشعار «فلسطين أمانة والتطبيع خيانة«».

تنعقد هذه الدورة وفلسطين والوطن العربي يمرّان في ظروف وتحوّلات دولية وإقليمية ساهمت في رسم مشهد ومسار جديدين لقضية فلسطين والتحرّر العربي. فمن جهة تراجعت بشكل استراتيجي وبنيوي قوى الهيمنة والاستكبار أي الولايات المتحدة ودول الغرب بشكل عام والكيان الصهيوني والدول المطبّعة التابعة، وفي المقابل تقدّمت قوى مناهضة للهيمنة الأميركية أيضاً بشكل استراتيجي وبنيوي تضمّ كلّ من روسيا والصين ومحور المقاومة في آسيا وشرق أوروبا وعدد من دول أميركا اللاتينية. وإذا كانت قوى الاستكبار تتكلّم بسقف عالي فهذا لتغطية ضعفها ولتضخيم إجراءاتها التكتيكية الدفاعية في ظلّ التراجع والانكفاء الذي لا يستطيع تغيير الواقع على الأرض في العالم وفي المنطقة وخاصة في فلسطين ودول محور المقاومة. في المقابل فهذه الدول صمدت في وجه التدخل السافر الأميركي لمنع ممارسة سيادة تلك الدول على الصعيد السياسي والاقتصادي. كما أنّ جائحة كورونا كشفت عورات وزيف الادعاءات الغربية في الدفاع عن «القيم الإنسانية«» بل سادتها الأنانية وعدم التعاون في مواجهة تلك الجائحة.

نقطة التحوّل المفصلية في مسار الصراع العربي الصهيوني كانت وقفة الشعب العربي في فلسطين كقوّة واحدة انتزعت لأول مرّة زمام المبادرة من الكيان المحتل والمستعمر في معركة «سيف القدس«». فالشعب الفلسطيني عبر مقاومته أوجد قواعد جديدة للاشتباك وأكّد وحدة التراب والشعب مسقطاً بالتالي سردية تمّ العمل عليها من قبل العدو لمدة 73 سنة كأرض بدون شعب لشعب بدون أرض، وأنه الكيان الوحيد الديمقراطي المحافظ على حقوق الانسان، وأن ما تبقّى من فلسطينيين سينسون ويرحلون عن فلسطين إلى سائر الأكاذيب التي روجوّها وما زالوا.

لقد أكدّ الشعب الفلسطيني على وحدته رغم كلّ المؤامرات لتفتيته ونزع هويته وكي وعيه لذلك فإنه من واجبنا جميعاً دعم هذا الشعب الجبّار لتحصين الإنجازات ولتمكينه في الانتقال إلى مرحلة تالية في الصراع حتى تحرير كامل التراب الفلسطيني من البحر إلى النهر. لذلك هدف هذا الملتقى هو توفير الدعم المعنوي والسياسي والقانوني والاقتصادي والإعلامي والثقافي للشعب العربي في فلسطين وإن كان النظام العربي المترهّل عاجزاً عن تقديم الحد الأدنى من واجباته.

هذا الملتقى سيكون ورشة عمل لمناقشة كافة هذه القضايا والاستماع إلى اقتراحات ومبادرات تؤدي إلى توفير الدعم المطلوب لأهلنا الصامدين في فلسطين بشكل عام وفي القدس بشكل خاص. ومن ضمن الاقتراحات العملية لدعم صمود أهلنا في القدس المحتلّة اقتراح الصديق الأستاذ ناصر قنديل بتوءمة عائلات الأحياء المهدّدة بالتهجير من القدس مع عائلات عربية، في الوطن العربي وفي المهجر، لتمكينها من الصمود في وجه الاغراءات للرحيل وللصمود أمام التهديد. ونتمنّى أن تناقش تلك الفكرة خلال ورش العمل المقرّرة لدعم أهلنا في القدس. كما أنه ورش عمل في المواجهة القانونية لممارسات الاحتلال في المحاكم الدولية لتعرية ادعاءات الكيان المحتل. وهناك ورش عمل تتناول الدعم الثقافي والإعلامي لتأكيد صمود أهلنا في فلسطين.

اننا اليوم أمام تحدّي لن يرحمنا التاريخ إذا تقاعسنا في القيام في واجباتنا كما أننا على يقين أننا جميعا، أنتم المشاركون ومعكم أحرار العالم سنخرج بنتائج تاريخية على قدر مستوى الإنجازات التي حققها صمود الشعب الفلسطيني ومقاومته البطلة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى