أولى

تعميم مصرف لبنان الرقم 13221.. باطل قانونياً ودستورياً

} د. إبراهيم أسامة العرب*

بتاريخ 24/3/2021 صدر عن مجلس شورى الدولة قرار حمل الرقم 213/2021 قضى بوقف تنفيذ التعميم الأساسي الصادر عن حاكم مصرف لبنان بتاريخ 24/3/2021 تحت الرقم 13318 والمطعون فيه وكلّ ما يتصل به لعدم قانونيته، وإلزام المصارف وقف التسديد البدلي بالليرة على سعر 3900 للحساب المفتوح بالدولار، وتسديد صاحب الحسابات بعملته الأجنبية.

يهمّنا أن نشير إلى أنّ مصرف لبنان هو مؤسسة ذات طابع مزدوج Etablissement a double visage، كما صنفت من قبل Delaubadere Chapus et. وقد أخذ الاجتهاد اللبناني بهذه النظرية، واعتبر أنّ مصرف لبنان يكون مؤسسة إدارية عندما يتولى مهمة إصدار النقد الوطني والمحافظة عليه وعلى أوضاع النظام المصرفي، عملاً بأحكام المادة 70 من قانون النقد والتسليف، خصوصاً أن المادة 13 من ذات القانون تنص على أنّ المصرف شخص من أشخاص القانون العام ويتمتع بالاستقلال المالي. أما بالحالة التي لا يمثل فيها المصرف سلطة عامة يكون مؤسسة تجارية وصناعية غير إدارية ويخضع لمبادئ القانون الخاص واختصاص القضاء العدلي.

كما أنّ ما ورد في آراء البعض من أنّ مصرف لبنان لا يدير مرفقاً عاماً كونه مؤسسة مستقلة ولا يخضع في قواعد الإدارة وتسيير الأعمال للرقابة التي تخضع لها مؤسسات القطاع العام، هي آراء جدّ خاطئة. فقرار محكمة حل الخلافات في 29/2/1908 بقضية  Feutry وقرار الهيئة العامة لمجلس الشوري عام 1935 بقضية الصندوق الدولي للحماية والمساعدة قضى بأنّ نشاط المرفق العام لم يعد حكراً على الإدارة العامة، فالمعيار الموضوعي أصبح كافياً لإعطاء صفة المرفق العام بتوفر ثلاثة شروط هي أن يشكل النشاط منفعة عامة، وأن يخضع لرقابة شخص من أشخاص القانون العام، وأن يتمتع بامتيازات السلطة العامة. وبالتالي فإنّ مصرف لبنان يدير مرفقاً عاماً، إلا أنّ النزاعات التي يتصرف فيها هذا المصرف في علاقته مع الغير كتاجر، فإنها تخضع لصلاحية ومراقبة القضاء العدلي، أما سائر الأعمال التي يتصرف فيها كسلطة عامة مكلفة بتسيير مرفق عام فتبقى خارج ولاية القصاء العدلي عملاً بمبدأ التفريق بين السلطتين الإدارية والعدلية. الأمر الذي يؤكّد أنّ مصرف لبنان في معرض قيامه بالمهام الموكلة إليه بموجب أحكام المادة 70 المعدلة من قانون النقد والتسليف، لا سيما تلك الهادفة للمحافظة على النقد اللبناني وسلامته والاستقرار الاقتصادي وعلى سلامة أوضاع النظام المصرفي، يتصرف كشخص معنوي من القانون العام مكلّف بتسيير مرفق عام، ويخضع لاختصاص القضاء الإداري. وما أدلّ على ذلك سوى أنّ نص المادة 70 من قانون النقد والتسليف مطابق لنص المادة الأولى من القانون الفرنسي رقم 73-7 تاريخ 3/1/1973 المتعلق بمصرف فرنسا. كما أنّ المادة 174 من قانون النقد والتسليف تنص على أنّ للمصرف المركزي صلاحية إعطاء التوصيات واستخدام الوسائل التي من شأنها أن تؤمّن تسيير عمل مصرفي سليم، فيكون المشرّع قد أولى مصرف لبنان سلطة عامة اقتصادية لاتخاذ جميع التدابير في الأمور المتعلقة بالسياسات النقدية والاقتصادية والمصرفية، وتكون حاكمية مصرف لبنان قد أعطيت وسائل تنظيمية Règlementaires لتنفيذ سياساتها ومنحت امتيازات سلطة عامة Prérogatives de public لممارسة أعمال وتدابير تنظيمية من شأنها أن تنشئ بحدّ ذاتها واجبات والتزامات. مما يفرض إخضاعها لرقابة مجلس شورى الدولة وفقاً لما ورد في القرار الإعدادي الصادر في 8/2/1992 عن مجلس شورى الدولة، والقرار الصادر عنه بتاريخ 6/12/1993 تحت الرقم 60، بدعوى نقابة الصرفين/ مصرف لبنان.

وفي القرار الصادر بتاريخ 26/6/1995عن مجلس شورى الدولة تحت الرقم 819، عن الهيئة الحاكمة المؤلفة من الرئيس إسكندر فياض والمستشاران نجلا كنعان وخليل أبو رجيلي، بدعوى فرنسبنك ش.م.ل/ مصرف لبنان، قُضي بأنّ مصرف لبنان وفقاً للمادة 13 من قانون النقد والتسليف هو من أشخاص القانون العام، والطبيعة القانونية الخاصة له لا ترفعه إلى مصاف السلطة المستقلة عن السلطات الدستورية الثلاث المحددة حصراً في الدستور ضمن إطار أجهزة الدولة، ويبقى خاضعاً لرقابة القضاء الإداري في ما يتعلّق بالقرارات الإدارية التي يتخذها إزاء المؤسسات المصرفية والمالية الخاضعة لرقابته.

من جهة أخرى، كان مصرف لبنان قد أعلن أنه نظراً لأهمية التعميم الأساسي الرقم 13221 للاستقرار الاجتماعي ولتنشيط الحركة الاقتصادية سيتقدّم بمراجعة لدى مجلس شورى الدولة ليعيد النظر بالقرار الذي اتخذه بما يتعلق بهذا التعميم. ولكن ما لم يأخذه مصرف لبنان بعين الاعتبار أنّ التعميم الأساسي الرقم 13221، والمتعلق ”بإجراءات استثنائية حول السحوبات النقدية من الحسابات بالعملات الأجنبية“، والرامي إلى تمديد العمل بالقرار الأساسي الرقم 13221 والتعميم الرقم 151 لغاية تاريخ 2021/9/30، يتعارض مع بعض أحكام النقد والتسليف، التي لا تجيز للحاكم أن يسمح للمصارف باقتطاع جزء من الإيداعات، وهوَ قرار لا يمكن اعتماده إلا بقانون صادر عن مجلس النواب. بل من خلال تعديل الدستور نفسه الذي نصّ في المادة 15 منه أن الملكية في حمى القانون فلا يجوز أن ينزع عن أحد ملكه إلاّ لأسباب المنفعة العامة في الأحوال المنصوص عليها في القانون وبعدَ تعويضه منه تعويضاً عادلاً.

وبالتالي، فإنّ قرار مجلس شورى الدولة الرقم 213/2021 نافذ وسارٍ على مصرف لبنان، وبحسب المادة 126 من نظام مجلس شورى الدولة تقدم طلبات تنفيذ القرارات الصادرة بحق السلطة الإدارية الى رئيس مجلس شورى الدولة الذي يحيلها بدون إبطاء مع النسخة الصالحة للتنفيذ الى المراجع المختصة لإجراء المقتضى. ولا يمكن ضرب المبادئ الدستورية عرض الحائط، لا سيما مبدأ فصل السلطات، رافضين التدخل السافر بعمل السلطة القضائية، والسعي لإعادة العمل بتعاميم باطلة دونما وجه حق.

*دكتوراه في القانون التجاري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى