أخيرة

اترك الحجر… فأصل الحكاية إنسان

  د. سلوى شعبان ـ اللاذقية

ـ أساس البناء والعمران في الكون قائم على بناء الإنسان، والاهتمام به وعكس ذلك فأساس هدم أيّ حضارة يبدأ بهدم الإنسان وكما قال الأقدمون… «إذا أردت أن تهدم حضارة أمة، فهناك ثلاث وسائل تساعد بذلك: هدم الأسرة وتفتيتها… هدم التعليم وتسخيفه… وتسفيه القدوة».

ولكي تهدم الأسرة فعليك بتغييب دور الوالدين وخاصة اﻷم، ولكي تهدم التعليم، فعليك بالتقليل من دور المعلم والسخرية من هيبته حتى يسقط في نظر طلابه ونظر المجتمع… ولكي تسقط القدوة والمثل الأعلى، فعليك بالعلماء، شكك في مصداقيتهم وأفكارهم وشوّه صورتهم أمام المؤمنين بهم حتى لا يسمع لهم أحد.

ـ عبر التاريخ… فعندما أنتهى الصينيون من بناء سور الصين العظيم اعتقدوا أنّه لا يوجد من يستطيع تسلقه لعلو بنائه… فتعرّضوا بعد ذلك لثلاث حروب وفي كلّ مرة لم يحتج العدو إلى تسلق السور، فما كان عليهم إلا أن اشتروا الحراس ثم دخلوا بأمان عبر البوابة الرئيسية للسور… انشغل الصينيون ببناء السور ونسوا بناء الإنسان وتمكين جوهره!

 فمحور بناء الإنسان يبدأ من التربية منذ الصغر في البيت والأسرة وتقوية وغرس المبادئ والأخلاق، ثم التعليم في المدرسة وتحسين منظومته وتطويرها دوماً نحو الأفضل والأحدث وإصلاح طرائق التعليم ليتمّ استيعاب الفكرة والمعلومة وتخزين ذخيرة فكرية قوية داعمة… والعمل على الفهم وإبراز المواهب كأغلب الدول المتقدمة، فبناء نظام تعليمي سليم سينتج لنا إنسان نافع وصالح لنفسه ووطنه.

ثم يأتي تفعيل دور الإعلام… إصلاح منظومة الإعلام بجميع وسائله، ليكون إعلاماً إيجابيا توعوياً ينشر التفاؤل والأمل والحقيقة.. يبرز لنا النماذج الناجحة والمواهب الجديدة في جميع المجالات، إعلام لا يضخم الفشل وينشر السلبيات من أجل الهدم، يقوده أشخاص يمثلون قدوة حسنة للشباب في سلوكهم وفكرهم، وحياتهم وليست النخبة التي أثبتت فشلها وعدم رضا الناس عنها

مع خلق حوارات نقدية هادفة مفتوحة أمام الجميع بدلاً من الحوارات الفارغة المجوّفة.

لإصلاح الإنسان وتهذيب خُلقه، وتعليمه القيم، والنظام والنظافة والحق والرحمة والإحساس بالغير ومساعدتهم، واحترام الإنسان لأخيه الإنسان بعيداً عن الدين أو العرق أو اللون…

 نحتاج أيضاً لعودة دور الثقافة ومراكز الشباب… بإصلاح المؤسسات الثقافية المعنية بالنشر والإبداع، والتركيز على إطلاق الطاقات الإبداعية، ودفع الشباب لاكتشاف مواهبهم في ما يفيد الوطن ويصلح أحواله، ويبني قيمه، فالأدب يستطيع أن يكون أهمّ مدرسة لبناء الإنسان والمجتمع، خصوصاً أدب الأطفال وعالم الأطفال الذي تتدخل به التكنولوجيا وتؤثر به… مع إصلاح مراكز الشباب والاهتمام بالنواحي الرياضية وخلق روح تنافسية بين الشباب فالعقل السليم في الجسم السليم.

إعادة الاهتمام بالفن بكافة أنواعه من سينما ومسرح ودراما وغناء وطرب لمسارهم الصحيح فالفن مرآة الشعوب، والارتقاء بالذوق العام من خلال النصوص المعروضة… ليتبنّى أعمال درامية هادفة تقوم على التسامح وتقبّل الآخر، وتحكي عن تاريخ حقيقي يلامس الواقع وأحداثه… هنا الرجاء بتضافر جهودنا لإعادة بناء الإنسان بما يليق بإنسانيتنا، وخلق مساحة للإبداع ونشر الوعي والعمل

فإذا فقدنا السيطرة على تربية الإنسان منذ الصغر فإننا حتماً سنشهد تحوّلات تقلب مفاهيم الحياة وتستبيح الكرامة الإنسانية وأرواح البشر وتهدر قيمة وكرامة الإنسان وتهدم المجتمع.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى