أنشطة قومية

برعاية رئيس «القومي» وائل الحسنية وحضوره.. حفل تأبينيّ مهيب وحاشد في مدينة سلميّة بذكرى أربعين الشاعر القوميّ فايز خضور

غسان قدور: الشاعر فايز خضّور صاحب الحلم السوري الذي يطرق بإلحاح معاجم اليأس ليستولد الكلمات بهيئة جديدة

الباحث محمد عزوز: مؤسس خالد لمملكة شعريّة قصائدها نبض وكلماتها منحوتات ونساؤها إلهات حب وقفلتها حكمة

الدكتور محمد الحوراني: الشاعر فايز خضور متميّز برمزيّته وحمله لواء الحداثة  في الشعر وقاد القصيدة وامتلك روحها

د.سعد الدين كليب: فايز خضور الشاعر بكلمة يُعيد مجد القصيدة  وبقصيدة يعيد مجد الشعر وبه يرسم الفردوس المشتهى ويؤكد مجد الحياة

الشاعر توفيق أحمد: فايز خضور انحاز للقصيدة الذهنيّة ذات المنشأ الأسطوريّ السوريّ ووظّف الميثولوجيا السورية في الشعر وأكثر ما ميَّز شعره رهانه على المشترك الإنسانيّ

يانا فايز خضور: عزاؤنا بإرثه الثقافيّ ودوره في تأسيس الحداثة الشعرية وبتربيته لنا على قاعدة «لا تكن إلا حقيقيّاً»

عميد الاقتصاد طارق الأحمد: فايز خضور مخترع أوزان قصائدنا الجديدة المحدّثة

ـ دحرنا الإرهاب من هذه الثغور وسنستكمل مسيرة التحرير وإننا ملاقون أعظم انتصار لأعظم صبر في التاريخ

ـ حزبنا يقف إلى جانب الدولة السورية المقاومة التي رفضت كلّ أنواع الغزو الصهيوني والتركي والأميركي

ـ سورية حققت أكبر معادلة ردع ظهرت مؤخراً في فلسطين ولولا تكاتف محور المقاومة وفي طليعته دمشق لما صمدت غزة ولا كانت المقاومة

ـ نواجه أكبر حرب اقتصادية تريد أن تستكمل حرب الإرهاب لكننا بوحدتنا من بيروت إلى دمشق فبغداد سنكسر هذه الحدود بالخطط المنهجيّة لا بالشعارات والخطب

 

 

 

 

 

 

 

برعاية رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي وائل الحسنية وحضوره، أقامت عمدة الثقافة والفنون الجميلة ومنفذية سلمية في الحزب السوري القومي الاجتماعي حفلاً تأبينياً حاشداً بمناسبة مرور أربعين يوماً على رحيل الشاعر القوميّ فايز خضور، ألقيت فيه كلمات تناولت مسيرته الإبداعيّة في الشعر لكونه شكّل مدرسة في توليد اللغة وإطلاق طاقاتها، وهو الذي لم يغفل قضية الوطن إيماناً منه بالرسالة الحضارية والإنسانية التي حملها.

الحفل الذي أقيم في صالة المركز الثقافي في مدينة سلمية حضره إلى جانب رئيس الحزب، إبنة الراحل يانا خضور، عضو قيادة فرع حماه لحزب البعث العربي الاشتراكي المهندس إسماعيل فاضل سيفو ممثلاً أمين فرع حماه، نائب محافظ حماه الدكتور عامر سلطان ممثلاً محافظ حماه المهندس محمد طارق كريشاتي، رئيس اتحاد الكتاب العرب الدكتور محمد الحوراني، عضو المكتب التنفيذيّ في محافظة حماه المهندس فاضل درويش، محمود الحموي ممثلاً رئيس المجلس الإسماعيلي الشيعي الإمامي لسورية المهندس علي قبلان، عضو مجلس الشعب عبد الكريم معاط الإسماعيل، رئيس النيابة العامة في سلميّة أسامة خضور، أمين شعبة حزب البعث العربي الاشتراكي في سلمية المهندس عبد الكريم الشيحاوي، نائب رئيس اتحاد الكتاب العرب توفيق الأحمد، مديرة المركز الثقافي العربي في سلمية حنان القصير وعدد من ممثلي أحزاب الجبهة الوطنية التقدمية في سلميّة وممثلي الفصائل الفلسطينية في حماه  وممثلي الجمعيات والهيئات المحليّة في سلميّة.

كما حضر إلى عدد من المسؤولين الحزبيين، عميد الإعلام معن حمية، عميد الاقتصاد طارق الأحمد، عميد التربية والشباب ايهاب المقداد، عميد الدراسات والتخطيط د. أحمد مرعي، وكيل عميد الداخلية أسعد البحري، وكيل عميد الدراسات والتخطيط ميسر الملا، منفذ عام سلمية عدنان الجرف وأعضاء هيئة المنفذية، منفذ عام حماه حسن البرازي وأعضاء هيئة المنفذية، منفذ عام حلب طلال حوري، الأمين نورس ميرزا، مدير المديرية الأولى في منفذية سلمية صيدون القطريب وأعضاء هيئة المديرية، مدير المديرية الثانية في منفذية سلمية أمين نصرة وأعضاء هيئة المديرية مدير مديرية عقارب وتل سنان علي حسن ضعون وأعضاء هيئة المديرية مدير مديرية تل حسن باشا نادر الأحمد وأعضاء هيئة المديرية وحشد من الأهالي والرفقاء من متحدات سلمية وعقارب وتل سنان وتل حسن باشا والسعن.

استهلّ الحفل بالوقوف دقيقة صمت تحية لروح الشاعر فايز خضور ولشهداء الحزب والجيش والأمة، ثم نشيد الجمهورية، فنشيد الحزب السوري القومي الاجتماعي. ثم فيلم وثائقي عن حياة الراحل.

عريف الحفل

عرف الحفل ناظر الإذاعة في منفذية سلمية

 

 

 

 

 

 

 

غسان قدور حيث قال:

رغم مرارة المناسبة وفداحة المصيبة إلا أننا أحببنا أن تكون عُرساً ثقافياً يليق بقامة الراحل التي تعملقت بعطاءاته الأدبية بعامة، والشعرية بخاصة، والتي رصعت بالجواهر جبين الأدب بأكثر من عشرين ديواناً، فيها امتطى الشاعر صهوة الكلمة فطاعت له وأسلست قيادها، فاقتحم بها ساحات الشعر وأدب القريظ وانبرى يرسم فيها صوراً ويُبدع لوحات من معين عطاء لم ينضب حتى آخر رمق.

نعم مات أبو أداد بكامل فجائيّته وفجائعيّته. تلك القصيدة المسنونة كالرمح والمتمرّدة حدّ الشقاق كان عليها أن ترتاح بعد أن ثقل الحمل وباتت الكلمات تنوء بصخور سيزيف المحمولة بشكل طوعيّ نحو القمم.

«في البدء كان الوطن» يقول فايز وفي النهاية كان الوطن، قصائدك غطت الأفق الذي حلت يوماً بافتضاضه كي تظهر الشمس من وراء الغيم.

يا صاحب الحلم السوري الذي ما بطل يطرق بإلحاح معاجم اليأس ويستولد الكلمات بهيّةً جديدة.

ألم تقل يوماً «إن الرصاص لا يحبّ المبيت باكراً؟ فلماذا الآن استسلمت للنوم وتركتنا وحيدين ننتظر نضوج «ثمار الجليد» معجم مفرداتك الخاص مثار إعجاب وانبهار في دنيا الأدب.

ها هي سلميّة تبكي غيابك، كما بكت الماغوط من قبل، لكن رحمها ما أنفك يولّد عباقرة الشعر واساطين الأدب.

هذا الحضور اليوم، جاء ليفِيَك حقّك.

أقول لك هل سمعت دفء نحيب الغصون وهي تبكيك الآن يا فايز؟

كلمة أدباء سلمية

كلمة أدباء سلميّة ألقاها الباحث محمد عزوز ومما جاء فيها:

فايز خضور شاعر ينبض شعراً ويتدفق خصوبة، لغته غيرُ عادية أو مألوفة تختزن قدْراً هائلاً من الشراسة.

شاعر يتعب على قصيدته وقد أنصفه الشاعر جوزيف حرب عندما أسماه (الشاعر الأمهر). وتناول تجربتَه عدة نقاد منهم: حنا عبود وخليل موسى ومعروف عازار.

له تجربة طويلة مع المفردات والتفاعيل، جعلته محترفاً في نحت الكلمات ومجدداً دوماً بلغة طازجة.

وعندما تحاول الدخول إلى قصائده ـ مملكته، تحسّ أنك بحاجة إلى قدر واسع من التأمل والتأني، من الصفاء الذهني كي ترجع معه إلى بداية القصيدة أو الجملة الشعرية، أو ربما إلى أقرب من ذلك بكثير، لأن أغراضه قد تتعدّد وتتنوع في كلمة منحوتة أو جملة مختزلة بعناية.

غادر الشاعر (سلمية) بلدته منذ سنوات طويلة، سلميّة التي يولد الإنسان فيها ممنوحاً اسمه وطائفته وحزبه السياسي (حسب رأي الشاعر خضور).

سلمية التي أحبته وتحبه في حياته ومماته، إذ أن الشعراء والمهتمين لا يزالون يتحدثون في سهراتها عن شعره وعن مملكته الشعرية المميّزة ومفرداته التي صارت على كل لسان.

سلميّة التي تنعكس صورتُها وصورة طفولته المريرة فيها، في الكثير من قصائده، وتتماوج مع هموم العمر الذي مضى.

 هو شاعر مسكون فعلاً بحب الوطن.. لمَ لا..؟ وقد رضع هموم الحياة والوطن مع حليب أمه التي اصطحبته إلى عرّافة الحي، تشكو لها ابنها الذي لم يعد يعرف النوم، العرّافة التي يعرفها الكثير من أتراب الشاعر ورفاق طفولته وشبابه في سلمية، وفي سرده لحكايته وأمه معها، نوع من القص الشعري الذي أجاد فيه الشاعر، وأثبت مقدرته الفائقة على نحت العبارة التي تؤدي غرضَه.

والمرأة بتفاصيل جسدها، حاضرة دوماً في قصائد الشاعر، بصور مهيبة مزركشة، برع في إتقانها، وتعب في صوغ مفردات تمنحُها بعض حقها.

أما الحكمة، فهي برأينا الموضوع الأهم عند الشاعر، إذ أنك تلمس قفلة جميلة دائمة عنده، تختم لك وصف الحال بحكمة أو موعظة تؤكد خبرة الشاعر الذي احترف الحياة، وخط سطوراً شعرية في هم تطاول حتى دفع به إلى آه طويلة تخرج مع الحرف والكلمة.. وهو القائل (يعذبني رحيل الريح عبر توجع القصب) (قلبي ينبض في جمجمتي والموت سيد الولادة) (يا عالماً من كثرة الأفراح فيك يولد الأطفال بالإقياء). (أسوأ ما في القهر يا صديقي أن يظمأَ الإنسان في الشتاء). (تيمّمت بالنار ما طهرتني) (هل يسعف الدمعُ ندابةً في مدى مقبرة) و(الرعب باعد ما بين صوتي وبين الصدى).

وللشاعر تجربة طويلة مع مفردات تفرّد بها، حاول الكثير من الشعراء أن يحذوا حذوه، فما أفلحوا.. فهو يستحضر بعض كلامنا المحكي، يشذبه ويطلقه في مواضع صممت له، بحيث تحس أنه لو استخدم فصيح اللغة في هذا الموضع، لضاع المدلول أو تشتت.

كأن يقول الشاعر (قنص أبعاضهم وبسنا قفا كفه ودغشة الفجر والمشنون والأصابيع والأفراس والسواليف والأعدقاء والمعلوك والغتيت والعائف والمنكمع والأنفاط….) وغير ذلك مما يصعب حصره عند الشاعر.

ولعل بعض دارسي اللغة يعيدون بعض هذه الألفاظ إلى أصول فصيحة، بدل بعضَ أحرفها سوء الاستعمال، إلا أن الشاعر النحات فايز خضور أعاد لها ألقها من جديد.

كما أن الشاعر استخدم نماذج من غنائنا الشعبي ومواويلنا في متن شعره، بشيء من المهارة التي جعلتها جزءاً لا ينفصل عن خطوط شعره المتقن السبك.

كل ذلك والشاعر فايز خضور ظل عقوداً على المنابر يعطي، (يصرخ من حنجرة مجروحة، يتجسّد حالة شموخ، يرفض أن يتبختر رقماً مسحوقاً).

يأمل أن تصل هذه الأمة إلى خلاص، وأن تتفجر ينابيع الوطن المتصدّع، وأن نجيد (افتراع الصباح).

نعم فقد ظل يرفض المهادنة بكل أشكالها، حتى في قصائد العشق، أو في تصوّف ابتدعه وأجاد في رسمه.

وظل يمارس النحت في الحرف والكلمة، ويمضي في ابتكار قاموسه اللغوي الخاص، منذ قصائده التقليدية الأولى حتى ظلال كلامه أو تلك القصائد أو الزوايا التي ينشرها في بعض الصحف أو الدوريات.

ولا نزال نحن نعلن، أن مملكة فايز الشعرية غنية بالصدق ثم الصدق ثم الحكمة.

وأننا سنقف مع الشاعر ونقسم معه:

 وطني

وأقسم بالشهادة والحياة

بأن نظل على ثراك نسور قمة.

أو نضم صوتنا إليه وهو يخاطب آداد ابنه:

(موتي وبعثك، وانبعاث الآخرين، حصانة الوطن الوحيدة…!!).

وباسمي وباسم أدباء سلمية أعلن:

أن سلمية والوطن السوريّ فخورون بك أيها الشاعر الكبير.. فلقد ساهمت في صنع مجد شعري لها أنت ومن سبقك في الرحيل (سليمان عواد – محمد الماغوط – علي الجندي – أنور الجندي – اسماعيل عامود.. ) مجد لن يبدّده مدّعو الشعر الذين ملؤوا صفحات التواصل الاجتماعي وأعلنوا أنهم من كبار الشعراء دون مواربة أو خجل.

وأنت ومن رسم معك درب الصعود خالدون في أذهاننا وفي عالم الشعر عربياً وعالمياً.

وسيظل الناس في وطني يردّدون قصائد وحكماً وتفعيلات أجدت رسمها ببراعة ربما لم يسبقك إليها أحد من شعراء التجديد.

سلام لروحك أيها المبدع الكبير.

رئيس اتحاد الكتاب العرب

وألقى رئيس اتحاد الكتّاب العرب الدكتور محمد الحوراني كلمة قال فيها:

«سلميّة مدينة التراث والتاريخ وعنوان على رأس صفحة الحضارة، تلك المدينة التي حملتني إليها المحبة دائماً، وفي قلبي لها كثيرٌ مما لا أجيد التعبير عنه، المدينة التي اشتُهرت عبر التاريخ بعلمائها وأدبائها ومثقفيها، الغالية على قلوب السوريين جميعاً.

يؤسفني اليوم أن أقف فيها مؤبّناً، صاحب (الظل وحارس المقبرة) الذي حمل تاريخاً أدبياً مهماً عبر مسيرة حياته منذ منتصف القرن الماضي، إنه الشاعر المتميّز برمزيّته في حمل لواء الحداثة  في الشعر، فضلاً عن تاريخ نعتز به أمضاه في اتحاد الكتاب العرب، ولا سيما في فترة حملت كثيراً من الأحداث والتناقضات التي تناولها على نحوٍ مميز ومختلف، بعيداً  عن المباشر، مغرقاً في الفكر، مستخدماً الرمز والأسطورة، إلا أنه تمكن من السيطرة على القصيدة، ونجح في امتلاك روحها ومفاتيح إدهاشها، وتحريضها في اتجاه فتنة اللغة، على حد تعبير رفيق دربه وابن مدينته الشاعر علي الجندي.

فايز خضور و»كتاب الانتظار»، ما بين «صهيل الرياح الخرساء»، «وأمطار في حريق المدينة»، وما بين «نذير الأرجوان»، و»غبار الشتاء»، زخم هائل من الإبداع، وإبراز لجوهر الذات الإنسانية، على صدى قداس الهلاك، وأنغام طقوس المقابر، عناوين قاسية تجلد النفس إلى أقصى الحدود، لكن لا بد من «فضاء الوجه الآخر».

فايز خضور، لك حضورك الثرّ على الرغم من «ستائر الأيام الرجيمة» و»حصار الجهات العشر»، حضورك الباقي في القلب والفكر، على الرغم من غياب الصورة، لك حضورك الدافئ في الروح، في الصباحات السورية الفيروزية التي حملت أملك الكبير، أمل الجميع في كلمات: «لا يدوم اغترابي».

لم نكن نعلم أنه (عندما يهاجر السنونو) سيترك في أرواحنا هذا الفراغ كله، وأنه سيترك أيضاً خلفه «صهيل الرياح الخرساء» لتذكرنا بتمرّده ورفضه للقيود كلها، وإيمانه بالإنسان الحر، وهو الذي آمن بقدرة الشعر على تخليص الروح من آلامها وتطهيره لها.

لقد حرص فايز خضور على أن يتطهر بالكلمة على مدار  ما يقارب الستين عاماً. فأسفر وضوؤه بالكلمات عن أيادٍ بيضاء في الثقافة السورية سيذكرها التاريخ، وتحفظها الأجيال.

فايز خضور يا من «كونت لترفض حتى الرفض» ألم تقل إن « الرصاص لا يحب المبيت باكراً»؟ فكيف تركتنا لـ «ثمار جليد غيابك»؟ لماذا لم ترفض الموت كعادتك قبل أن «يبدأ طقس المقابر»؟

كم هو كبير حزننا بعد أن «هاجر السنونو»، فغداً أكثر قرباً من أرواحنا.

كلمة الأصدقاء

وألقى كلمة أصدقاء الفقيد أستاذ علم الجمال والآداب في كلية الآداب والعلوم الإنسانية في جامعة حلب الدكتور سعد الدين كليب، فقال:

آداد

«قدر النوارس أن تبيض فراخها بين السفائن ..

لا البحر يعرفها ولا خشب الصواري»

هي غربة جعلتك توغل في غيابات المدائن

كفاك ترتجفان من خوف على الواحات، يخطفها اليباس. وتستبيح خراف ساكنها المجاعة، واجتراءات الضواري

والجاهلون تشدّقوا – بطراً-  بأنّ «العصر!» جاوز منطقَ الأقنان والأسيادِ يا تعبَ الجواري

يموت المغني؟ نعم يموت.. هكذا يقول التراب، ولكن ليس هذا ما تقوله الأغاني، وكيف لها أن تقوله، وهي تتجوّل بأنغامه وكلماته من ذوق الى أذواق، ومن بلد الى بلدان، ومن زمن الى أزمنة، كيف لها أن تقوله وهي تسطع به روحاً وحسّاً ورؤيا، تسطع به خالقاً وخلوقاً في آن!

خُلق المبدع خالداً، خُلق لئلا يموت، بل خُلق كي يتخلّق كل آن، في قصيدة أو لوحة أو أغنية، وليس هذا لأنه من معدن خاص لا يشبه المعادن، أو من طينة متعالية على الطين، فالمعدن هو المعدن، والطين هو الطين، ولكنها الأشياء الجميلة التي تمكث في الأرض حين يذهب، وتبرق في السماء حين يخبو، تلك الأشياء الجميلة التي تزهو بروحه بقدر ما تزهو بأرواحنا، وتعبّر عنه بقدر ما تعبّر عنا، فهي له بقدر ما هي لنا، بل لعلّها لنا أكثر مما هي له. وإلا كيف يكون مبدعاً من دون أن يعيدنا خلقاً جديداً إذا يتخلّق كلّ آن!

إن شرط المبدع هو الجمال بأي شكل كان، شرطه أن يزيد سعة الجمال فينا وفي ما حولنا، في أبصارنا وفي البصائر، شرطه أن يقول لنا إياكم والقباحة بأي شكل كانت، بكلمة أو صورة أو موقف أو سلوك. إن تنقية العالم من القباحة وأشباحها هي شأن المبدع أولاً، مثلما شأنه أولاً أيضاً تغذية العالم بالجمال وأسرابه، فلا نظافة من دون فن، ولا فن دونما جمال، ولكن بما أن للقباحة أشباحها وأجنادها وليس للجمال إلا إزميله الحريري، فلا غرابة أن يتقلّب الفنان المبدع في جحيم الأسى والبؤس والفجيعة، مثلما يتقلب في فردوس المتعة والغبطة والمسرّة، فهو في سُكرين من نور ونار.

هكذا كان فايز خضور الشاعر، بكلمة يعيد مجد القصيدة، وبقصيدة يعيد مجد الشعر، وبالشعر يرسم الفردوس المشتهى، ويؤكد مجد الحياة، يرسمه وكأنه سوف يكون غداً أو بعد غد، وليس يملّ من الرسم، وليس يملّ من الانتظار، فما من قصيدة لديه إلا ولها هوس بما سوف يكون، وما من قصيدة إلا وبها ألم مما كان ومما هو كائن. مزيج من الغبطة والحسرة هما، أقصد الشاعر والقصيدة، ومن الحكمة والطيش كذلك، ومن المود والأنفة، بل من السكينة والسكين أيضاً، مزيج معقد لا يتحلل ولا يتفكك، في الشخص وفي النص معاً. مزيج مربك ومدهش، واضح ومبهم، قاسٍ وحنون. تحبّه حيناً، وترفضه حيناً، وقد تبعد منه على شوق، وتقترب منه على حذر، ولكنك لن تستطيع البتة إلا أن تقول: يا للشاعر ويا للقصيدة!

أما الشاعر فقد مات، كما يقول التراب، وأما القصيدة فها هي بيننا تصغي إلينا بكل أسمائها وأشكالها وموسيقاها الجهراء، ها هي تصغي وقد تمدّدت على شكل ملحمة أو على شكل سيرة أو برقية أو أغنية، أو أنها التبست بمزيج معقد من السرد والوصف والحوار والمناجاة، ومن الهمس والجهر والصراخ أيضاً، وهي في كلّ أزيائها التي ارتضاها لها شاعرها لا تنسى زينتها من الكلمات، الكلمات التي يعرف فايز خضور أسرارها في القلب وفي السمع وفي الشفتين. كلمات لا يكون الشاعر شاعراً من دونها، لا لأنها مجرد أصوات أو حتى معانٍ. بل لأنها الوجود ذاته وقد تجوهر باللغة، ولأنها اللغة ذاتها وقد تجوهرت بالشعر.

هكذا وعى فايز خضور العلاقة بين الوجود واللغة والشعر، فكانت الكلمات لديه هي نفسها الأشياء، والأشياء هي نفسها القصائد أو معدنها الأصيل، فما العناية الفائقة بالكلمات إذاً، لدى فايز خضور، إلا عناية فائقة بالشعر والوجود معاً.

لعلّنا نعلم جميعاً أن القصيدة بالنسبة إلى فايز خضور هي القيمة التي عنها يدافع، في زمن التفاهة هذا، وهي الخطاب الذي به يؤسس فردوسه المشتهى، للخروج من زمن التفاهة هذا. ولذلك لا أخطر بالنسبة إليه من الاستهانة بالقصيدة كأن لا نقوم بواجبها، أو لا نقدّرها قدرها العالي، أو نتهاون في إطلاق اسمها على كل ما هبّ ودبّ من ألفاظ. إنه لأمر فظّ وغليظ أن يستهان بشأن القصيدة أي شأن القيمة العليا التي يُدافع عنها، وليس فايز خضور ساذجاً حتى يدافع عن مجرد ألفاظ. إنه في حقيقة الأمر يدافع عن الوجود الجميل ممثلاً بالقصيدة، تماماً كما يدافع عنه الموسيقي ممثلاً بأغنية، ويدافع عنه الرسام ممثلاً بلوحة، وكذا هي الحال في الفيزيائي والكيميائي والمهندس والحكيم، وكلّ من يدافع عن ذلك الوجود الجميل بشغفه الروحي وبأدواته التي بين يديه. فلا عجب إذا ما رأى شاعرنا أن القصيدة هي القيمة العليا وهي الوجود معاً.

يكفي فايز خضور أنه مرّ بذاكرة الشعر واستقرّ فيها، بل في أبهى ركن من أركانها، وما هذا وربّ الشعر بالأمر السهل او الهين، فكم من عابر سبيل فيها كان يظنّ أنه المقيم، فكان كأن لم يكن. فذاكرة الشعر شعر أيضاً، وليس ترضى بما هو دونه.

فلروح الشاعر السكينة التي افتقدها في أيامه ولياليه وقصائده وأحلامه، ولشعره الخلود قصيدة قصيدة فينا كما يليق به وبنا أيضاً.

نائب رئيس اتحاد الكتاب العرب

 

 

 

 

 

 

 

وألقى نائب رئيس اتحاد الكتاب العرب الشاعر توفيق أحمد كلمة جاء فيها:

كتب لي أحد اصدقائي من سلمية خلال إحدى سنوات الأزمة التي مرّت على بلادنا، مشيراً الى وضع وبؤس وسلوك غير منضبط لم تتعوّده هذه المدينة الوادعة الموغلة في المجد والزمن.

فكتبت له في الحال قائلاً: سلميّة أجمل من أي معبد او ميترو أو تلفريك أو هيمالايا أو أي رسول أو مبشّر لأنها نبوءة وبشارة وحكمة وطيش مبدع.

ولأنها سلميّة فهي كذلك وأكثر..

وكتب لي صديق آخر في الفترة نفسها موجعاً غاضباً، فقلت له إن توقداً سلمونياً غائراً في مسارب الحضارة والفكر والإبداع، في حقب التاريخ زماناً ومكاناً لهو أشبه بروح الله الغائرة في كل شيء في هذه الحياة.

وسلميّة إحدى الركائز الهامة في هذا المجتمع السوري الجميل، وقد قلت ما يشبه هذا الكلام وأكثر لاستاذنا الشاعر الكبير فايز خضور مرات ومرات، خصوصاً عندما التقينا في منزلي مع ثُلةٍ من الادباء قبل أكثر من ثلاثين عاماً مضت، وكما أعتقد كان اللقاء عام 1988 وفي ذلك اللقاء الحميم الطويل أكَّد الراحل الكبير فايز خضور انحيازه للقصيدة الذهنيّة ذات المنشأ الأسطوري السوري ولرغبته الواضحة في توظيف الميثولوجيا السورية في الشعر، لم يتخلَّ عن قصيدة التفعيلة وعن الوزن…

لفايز خضور هوية شعرية خاصة به بحيث شكّل مدرسة في توليد اللغة وإطلاق طاقاتها إلى أبعد مدى.

كان غامضاً بهياً شفيفاً مرمزاً أما وقد استطاع أن يوظف في شعره قضايا التاريخ والأسطورة والوطن واستطاع أيضاً ان يدافع عن كل قناعاته الشعرية والفكرية بسبب إخلاصه الشديد وإيمانه بالرسالة الحضارية الأخلاقية الإنسانية التي يشتغل عليها…

ما أجمل ان تتضمن قصائد الشاعر الغضب والتشاؤم وتكون في صياغتها عذبة ورقيقة، أنا أعتقد أن أكثر ما ميَّز شعر فايز خضور هو رهانه على المشترك الإنساني.

ونحن الآن في حضرة تأبين عَلَمٍ شعريٍّ أدبيٍّ بارز من بلادنا وإليه وإلى سلميّته الأميرة أقرأ مقاطع قصيرة من قصيدتي حرصاً على وقت الجميع.

نص القصيدة كاملة في مكان آخر

كلمة مركز الحزب

وألقى عميد الاقتصاد طارق الأحمد كلمة مركز الحزب ومما جاء فيها:

بين ميلادك في الرها ـ القامشلي حيث تحدّثت الأسطورة عن الرسائل المتبادلة بين ملكها السريانيّ الأبجر ويسوع المسيح.

بين جذورك في مدينة الشعراء والفلاسفة في سلمية، من اخوان الصفا الى الماغوط وإبراهيم الفاضل وقائمة طويلة من كتاب وشعراء هذه المدينة الفذة ثقافياً… وإليك أنت رفيقي فايز خضور.

تلفح الشمس حجارتها السورية فتعبر بين أوغاريت البحر، وبابل.. أمّة سورية لا زالت تخبّئ بين حنايا بيوتها المسمّرة عبر أحقاب الغزاة المتوالية تاريخاً يختصر العالم…

ونحن إذ نقف في حضرتك اليوم وحضرة ذكراك ورحلتك وغيابك، فإنما نقف مع أنفسنا حيث أمتنا التي نريدها منارة للعلم والثقافة والفن وتحرير العالم، ها هنا نعمل لتحيا، فتحيا سورية..

أيّها الشاعر السابح بين أوزان القافية، والمخترع أوزانها الجديدة المحدّثة، ها نحن ذا نتطلع الى يوم يحمل فيه أشبالنا وزهراتنا كلّ أوزان قوافيك وغيرك من الشعراء والمفكرين، فكنت تحيل أوجاعك التي كنت تقتات بها، إلهاماً فكرياً.. وأحلتها شعراً… وها هم شبابنا يعيدون زراعة الأرض غلالاً وشعراً وفكراً… فالأرض التي لا تُطعم أبناءها غلالاً وفكراً يكثر عليها الغزاة.

رسالتنا أيها الشاعر هي رسالتك.. باسم رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي الأمين وائل الحسنية نغتنم هذه المناسبة لتعزية أنفسنا وأهل سلمية الكرام بفقد الشاعر القومي فايز خضور، ونؤكد من هنا من قلب سورية في سلمية، حيث كان على هذي الثغور وفي قلب بادية الشام، مقاومون تصدّوا للإرهاب الذي كان يقصف على البيوت الآمنة كلّ يوم فنزفت وقاومت وانتصرت… ونؤكد على وقوف حزبنا إلى جانب هذه الدولة المقاومة التي رفضت كلّ أنواع الغزو الصهيوني والتركي والأميركي، ورفضنا لأيّ مشروع يذهب الى التقسيم والتفتيت. وإنّ هذا البلد قد صمد إلى جانب قائده الرئيس بشار الأسد الذي قاوم مع شعبه أعتى أنواع الحرب في التاريخ التي سُمّيت زوراً ربيعاً عربياً. وإنّ سورية قد حققت أكبر معادلة ردع ظهرت مؤخراً في فلسطين، ولولا تكاتف محور المقاومة وأهمّها دمشق لما صمدت غزة ولا كانت المقاومة.

وهنا المعادلة تكتمل ويجب أن نعيها، لأنّ الكيان الصهيوني الذي يعيش بدولته المزعومة ما يُسمّى بأرذل العمر، أيّ نهاية عمر الدولة وفق ابن خلدون، فإنّ الخيار كان أمامهم بعد إعلان يهودية دولة «إسرائيل» المزعومة هو تفتيت سورية إلى كيانات إسلاموية من أجل تسهيل تمرير مشروع يهوديّة «إسرائيل»، لكن بتفشيل المشروع وصمود سورية، أصبح ممكناً تحقيق معادلة الردع الجديدة وهذا ما حصل بمقاومتنا..

لقد دحرنا الإرهاب من هذه الثغور وسنستكمل مسيرة التحرير حتى النصر وإننا ملاقون أعظم انتصار لأعظم صبر في التاريخ، كما قال زعيمنا سعاده.

أخيراً فإننا نواجه أكبر حرب اقتصادية علينا تريد أن تستكمل حرب الإرهاب، ولكننا بوحدتنا من بيروت الى دمشق فبغداد سنكسر هذه الحدود بالخطط المنهجيّة لا بالشعارات والخطب. وهذا ما يعمل عليه حزبنا مع الأحزاب الحليفة في محورنا المقاوم، وهذا هو مشروعنا المقبل الذي سيستكمل بوحدتنا، عليه تعاهدنا وعليه تعاقدنا.. المجد لسورية والخلود لسعاده.

كلمة العائلة

 

 

 

 

 

 

 

وألقت يانا، كريمة الراحل، كلمة العائلة:

« عزائي اليوم في هذا المصاب بما تركه الوالد الراحل من إرث ثقافيّ مهم، وما أسسه في تاريخ الحداثة الشعريّة كشاعر أسماه الكثيرون شاعر الأمة.»

وتابعت، «عزائي بحياته الحافلة بالتحديات والنضال والثبات على مبادئه الوطنية والقومية حتى آخر يوم في حياته، مؤكداً بأن الحياة كلها وقفة عز فقط».

ولفتت يانا فايز خضور إلى جملة كان يردّدها والدها «لم أترك شيئاً في نفسي إلا وكتبته». كما تحدّثت عن التربية القوميّة التي اكتسبتها عائلة الراحل، قائلةً:

« علّمنا أن الحقيقة والصدق هما أساس الشخصية القومية»، ذاكرةً ما كان يقوله لعائلته باستمرار «لا تكن إلا حقيقيّاً».

وختمت كلمتها بتقديم خالص الشكر والإمتنان لكل من حضر ذكرى الأربعين على رحيل الشاعر فايز خضور.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى