أولى

لقاء الثلاث ساعات مع الرئيس الأسد: قضايا وآفاق… (2)

 د. جمال زهران*

لقاء الثلاث ساعات، مهم للغاية، مع الرئيس القائد د. بشار الأسد، يوم الاثنين 14 يونيو/ حزيران الفائت في قصر الشعب في مكتبه، مع ممثلي الأحزاب والقوى الناصرية والمقاومة والشخصيات المعروفة في الوطن العربي، بحضور د. بثينة شعبان (المستشار السياسي للرئيس). فالملاحظات الشكلية لا تقل أهمية عن القضايا المضمون، وقد تناولتها في المقال السابق، وأتى الموعد مع قضايا اللقاء وآفاق المستقبل. ويمكن بلورة ذلك في ما يلي:

أولاً: حتمية التمسك بالفكرة العروبيّة: حيث طرح الرئيس تصاعد أفكار في سورية نتيجة انكشاف مؤامرة بعض النظم المحسوبة على العروبة، لتمويل إسقاط وتفكيك الدولة السورية والتنكيل بشعبها، تنفيذاً لمؤامرة صهيونية أميركية، تطالب بالابتعاد عن العرب والعروبة والتركيز على الشأن السوري. وقال حاسماً هذا الخيار، بأنّ سورية هي قلب العروبة النابض تاريخياً وممارسة وكما قال الزعيم جمال عبد الناصر في شهادته، عندما زار سورية وقابله الشعب السوري بشكل لا يُقارن بأحد، ومن ثم لا يمكن لسورية أن تتخلى عن العروبة، فهذا قدر، ويستحيل العبث به. كما أنّ هذا ما يريده الأعداء أن ننسلخ عن عروبتنا، لينفردوا بكلّ دولة تلو الأخرى، كما فعلوا مع عبد الناصر بالإرهاب والتخويف وحملات التشويه، وكما حدث مع حافظ الأسد. كما فعلوا مع السادات وأدخلوا المنطقة في كامب ديفيد، وأفقدوا مصر دورها القيادي، ثم فعلوا ما فعلوا مع العراق ودمّروها وعطلوا دورها. وعندما جاء الدور على سورية كان وعي الدولة السورية نظاماً وقيادة وشعباً ورئيساً، بحقيقة المؤامرة وحتميّة مواجهتها ومحاولة إلحاق الهزيمة بنا مثلما حدث. وواجهنا الصعاب والتحديات وانتصرنا، وتلك هي مصيبتهم الآن وأزمتهم، ونحن في طريقنا نصلح، ما أفسده المتآمرون. لذلك قلت لكل المتعاونين معي: العروبة أولاً وأخيراً، واستبعدنا من أجندتنا الانسلاخ عن العروبة نتيجة مؤامرة أصحاب المال والعملاء والتابعين للمشروع الصهيوني الأميركي، خصوصاً في منطقة الخليج. وهذا ما قد نبّهنا إليه العراق بشأن توريطه في حرب مع الثورة الإيرانية، ولم يستجب العراق آنذاك.

ثانياً: حتمية التمسك بالهوية والانتماء العربي: وقد استحضر الرئيس الأسد وقائع تاريخيّة تكشف عن عمق ثقافته واتساع الأفق والوعي بالحقيقة التاريخيّة وتداعياتها، حيث أشار إلى أنّ الهدف الأساسي بل والوحيد لتدمير سورية، ومن قبل العراق، وكما يحدث في اليمن وليبيا، وغيرها، هو تمزيق هوية الأمة العربية. فعندما ألتقي بكم اليوم، ألتقي باعتباركم ممثلي الشعب العربي الواحد الموزّع في كلّ قطر عربي نتيجة تقسيم الاستعمار وعملائه. ولا ألتقي بكم كممثلين لشعوب عربية، وإلا حققنا ما يطمح إليه المتآمرون. فهم يسعون إلى ضرب ثقافتنا العربية، وتمزيق تقاليدنا، وتقطيع أواصر التنوّع الطبيعي في مجتمعاتنا والتي لم يثبت تاريخياً أنها كانت أساساً لعدم الاستقرار، بل كانت من دعائم تثبيت الوحدة والعروبة والاستقرار، والتعايش السلمي، واستيعاب التناقضات دون عنف إطلاقاً. وكلّ ما حدث في الواقع العربي من سنوات، هو من صنع المشروع الصهيوني/ الأميركي لتضخيم المتناقضات غير الموجودة أصلاً، والنفخ فيها عبر وسائل إعلامهم وبأموال العرب للأسف، وكأن المؤامرة داخلية. بينما المؤامرة خارجية، وبأيد وأموال الداخل بكلّ أسف وخزي وعار وأسى!! ولذلك طالبنا بضرورة العمل سوياً لإنقاذ هويتنا العربية وضرورة الوحدة وحتميتها، وعدم الانجرار وراء الفرعيات التي تمزق أكثر مما توجد. ولذلك فرغم مؤامرتهم، فإننا نجدهم يأتون، ويخاطبوننا ويعتذرون، ونفتح الأبواب ولكن بحذر. فنحن نخاطب الشعب العربي بتصرفاتنا وسلوكياتنا، لا نخاطب الحكام الذين يجلسون من دون إرادة شعبية حقيقية.

ثالثاً: سورية قاعدة للانطلاق والقيادة: تساءل الحضور وأنا منهم عن الدور المستقبلي لسورية بعد تجاوز الأزمة وتحقيق الانتصار، وبداية الإصلاح الداخلي والمصالحات وغير ذلك؟ فكان ردّ الرئيس السوري واضحاً، أننا نسير في خطين متوازيين، الأول هو التركيز على الشأن السوري وإصلاح ما دمّر، وتحسين ظروف المعيشة ورفع مستوياتها، وتمّ اتخاذ إجراءات عديدة لعودة سورية الحقيقية التي لم يكن عليها ديون خارجية نهائياً، ولديها الاكتفاء الذاتي في كلّ السلع الأساسية، وقاعدة إنتاجية ضخمة ومتنوعة، وإنتاج نفطي وغاز بلا حدود يتجاوز احتياجات الشعب في سورية، وهذا الذي سبّب للمتآمرين الألم والمعاناة والحقد ضدّ سورية وشعبها، وإن شاء الله نحن في الطريق لاستعادة سورية قبل إعمال مؤامرة التدمير والخراب. والثاني: هو إعادة ترتيب العلاقات السورية عربياً وإقليمياً ودولياً، واستعادة الدور القيادي لسورية على كافة الأصعدة، من دون تنازلات مطلقاً. وأعد بأن تكون سورية قاعدة للانطلاق والقيادة لدعم الهوية والعروبة وبعث الفكر العروبي والوحدوي، وستكون في خدمة الشعب العربي في كل قطر مهما كانت اتجاهات نظام هذا القطر أو ذاك، معنا أو ضدنا.

رابعاً: سورية ومحور المقاومة والدعم المطلق للقضية الفلسطينية: حيث تساءل البعض عما تفكر فيه سورية حاضراً ومستقبلاً بشأن محور المقاومة ودعم القضية الفلسطينية، ومعركة «سيف القدس» مؤامرة وانتصار المقاومة الفلسطينية، وكانت كلمات الأسد قوية وحاسمة وانطلقت كالرصاص المدوّي، حيث قال: إنّ دول محور المقاومة في قارب واحد، ولا يمكن لطرف أن يتخلى عن الآخرين. فنحن أصحاب معركة واحدة من أجل الشعب العربي الواحد، ونصرة القدس وتحريره، وتحرير فلسطين من الاستعمار الصهيوني من النهر إلى البحر، ولا تفريط في بوصة واحدة من أرضنا في فلسطين والجولان. ولا تفريط في بوصة من أرض سورية وحتمية طرد المستعمر التركي، ونحن ننسّق في هذا مع الروس الذين تعاهدوا مع الأتراك المخادعين، على الرحيل، وعدم التزامهم مع روسيا، خذلان لروسيا، لن يتركوه، ونحن أيضاً سنقاوم الأتراك حتى رحيلهم من كلّ الأراضي السورية نهائياً، وبالتنسيق مع محور المقاومة في لبنان/ حزب الله، وفي إيران، وفي العراق وفي اليمن وليبيا، ولن نترك أية فرصة وسنضرب بكلّ عنف وشدّة على أيدي العملاء والمتآمرين، وضد الصهاينة وبدعم وتنسيق مع أصدقائنا في روسيا، وفي الصين، ومع كلّ شرفاء العالم، سنظلّ في معركة مستمرة حتى النصر بإذن الله على هؤلاء الأعداء. وأشار إلى أنّ سورية دعمت حزب الله بصواريخ «الكورنيت» التي كانت وراء انتصاره كما أشرنا لسيادته بالمعلومات التي سمعناها في زيارتنا للجنوب اللبناني في مارون الراس واستماعنا للمسؤول العسكري، وأيضاً سورية وبالتعاون مع إيران ندعم المقاومة الفلسطينية بمختلف فصائلها في غزة، من أجل نصرة المقاومة ضدّ الكيان الصهيوني، وأن الصواريخ التي تمّ ضرب مدن الكيان بها في تل أبيب وغيرها، انتقلت من سورية، وبطرق وأساليب مختلفة فالمقاومة محور ولد لينتصر.

لقد تحدّث الرئيس القائد بشار الأسد وفي حوار عاصف بالقضايا وهادئ بالحوار والتناول، وكانت الثمرة، مقالين، وهما قليل مما كنت أنوي كتابته.

فقد سبق أن كتبت عن لقاءاتي بسيادته مرات مختلفة سابقة، ولكن هذه المرة، كان لها طعم خاص. طعم الانتصار في سورية، وفي غزة وفي شهر الانتصار للمقاومة اللبنانية بقيادة حزب الله، الذي حرر لبنان في 25 أيار/ مايو 2000، وطرد الصهاينة إلى غير رجعة، مؤكداً مقولة الزعيم جمال عبد الناصر: «ما أُخذ بالقوة.. لا يُسترد إلا بالقوة».

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، والأمين العام المساعد للتجمع العربي الإسلامي لدعم خيار المقاومة، ورئيس الجمعية العربية للعلوم السياسية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى