أولى

أفغانستان: صورة مصغّرة عن آسيا الجديدة

– تقدّم أفغانستان خطاً بيانياً للسياسات الأميركيّة خلال أربعة عقود، فمنها بدأت مسيرة استنزاف الاتحاد السوفياتي وصولاً لتفكيكه، ومنها بدأ الرهان الأميركيّ على توظيف الإسلام بنسخته الوهابيّة لتأسيس تشكيلات إرهابية تحت شعار الجهاد، ومنها انطلق تنظيم القاعدة الذي كان أبرز هذه التشكيلات، ليضرب العمق الأميركي، وهي نقطة الانطلاق التي اتخذتها واشنطن لفرض زعامتها على العالم الجديد بحروب خاضها المحافظون الجدد لولايتين رئاسيتين للرئيس جورج بوش، ومنها يعلن الرئيس جو بايدن في خطابه أمس معادلته للانسحاب من دون تحقيق أي هدف من أهداف الحرب التي استمرّت عشرين عاماً، بقوله لو بقينا عشرين عاماً أخرى فلن تنجح القوة ببناء الاستقرار وسنبقى ننزف دماً وضحاياً.

– الخط البيانيّ الذي ترسمه أفغانستان للصعود والهبوط الأميركيين، واضح، فمنها كان الصعود وفيها تكرّس الهبوط، وما يصحّ في تفسير الاعتراف الأميركي بالفشل في أفغانستان يصحّ بصورة أقوى في سواها، فأول الاستنتاجات هي أن من فشل في أفغانستان ويقرّر الرحيل تفادياً للمزيد من الخسائر من دون تحقيق أي من الأهداف، لن يجرؤ على التفكير بحروب أخرى، يعتمد فيها على القوة العسكرية لبناء الاستقرار، وبصورة خاصة ما يعنيه الكلام الرئاسي الأميركي عن أفغانستان هو إعلان رئاسيّ باستحالة التفكير بالحرب على إيران.

– مسار التراجع الأميركيّ الذي يجسّده قرار الفرار من أفغانستان، يجعل الجواب بسيطاً عن معنى البقاء الأميركي في العراق وسورية، وهو أنه عندما يبدأ النزيف ويسقط الضحايا يكون قرار الانسحاب.

– سيحاول الأميركيّون تمييز أسباب بقائهم في العراق وسورية متذرّعين بألف سبب وسبب تحت عنوان مفتعَل للخصوصية، لكن السبب معلوم وهو أن واشنطن باقية لتحمي كيان الاحتلال، وتحاول مقايضة انسحابها بإجراءات تحفظ له المزيد من الأمن، كفرض رقابة على الحدود السورية العراقية أو فرض ترتيبات على حدود الجولان المحتل، أو فرض إجراءات على الحدود اللبنانية السورية، لكن الأميركيين الذين اتخذوا قاعدة جديدة لهم في الأردن قالوا إنها قاعدة لإعادة انتشار قواتهم الموجودة في العراق وسورية، تأكيداً لحقيقتي أن بقاءهم في المنطقة يرتبط بحمايتهم لكيان الاحتلال، وأن قرار الانسحاب من العراق وسورية موجود على الطاولة.

– مهما كابر الأميركيون ستبقى أفغانستان هي النموذج المصغّر لصورة آسيا في العقد الحالي، ولعل أبلغ المعاني تأتي من أن واشنطن تعلن هزيمتها، بينما يجتمع وفدان للحكومة الأفغانيّة وحركة طالبان في طهران كراعٍ لعملية السلام بينهما.

التعليق السياسي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى