مقالات وآراء

سيادة الدولة والسفارات العميقة!

} شوقي عواضة

شهدتِ الكثير من دول العالم العديد من التّدخلات بالشّؤون الداخليّة لبعض الدّول لا سيّما التدخلات الأميركيّة والأوروبية، وتمّت مواجهتها بصلابة الموقف وبالنِّدية في التعامل في بعض الدول وفقاً للأصول والأعراف الديبلوماسيّة التي نصّ عليها ميثاق الأمم المتحدة الصّادر في كانون الأول/ ديسمبر 1981 أصدرت الجمعية العامّة للأمم المتحدة القرار رقم 36/103 الذي اكدت فيه وفقاً لميثاق الأمم المتحدة على أنّه لا يحقّ لأيّة دولة مهما بلغت قوّتها أن تتدخّل بشكلٍ مباشر أو غير مباشر ولأي سبب كان في الشّؤون الداخليّة والخارجيّة لأي دولةٍ أخرى، كما جاء في القرار أنّ من واجب جميع الدّول عدم التهديد أو التلويح بالقوّة واستعمالها ضدّ سيادة أيّة دولة أخرى أو تهديد استقلالها والمساس بسيادتها وسلامتها الإقليميّة وأمنها بغضّ النّظر عن طبيعة النّظم السياسية والاقتصاديّة والاجتماعيّة ومستوى تطوّرها ونموّها.

وبالرّغم من صدور الإعلان الذي أثبت وغيره من القرارات بالشّواهد الحقيقيّة والتاريخيّة أنّ سياسة الأمم المتحدة هي سياسة عوراء تنظر بعينٍ واحدةٍ وتغمض الأخرى، لم تستعِد حقاً عربيّاً ولا إسلاميّاً ولم تطرح سلاماً إلّا بعيونٍ صهيونيةٍ، وبالتالي فإنّ كفاح الشّعوب ومقاومتها هي من حمت القضية الفلسطينيّة وحرّرت جنوب لبنان من الاحتلال «الإسرائيلي»، وهزمت داعش في سورية والعراق وأذلّت قوى العدوان على اليمن وفي مقدّمتها الولايات المتحدة الأميركيّة، وبالتالي فإنّ الأمم المتحدة قد فقدت مصداقيتها وشرعيتها المستمدة أصلاً من أميركا والكيان الصّهيوني وإنمّا أوجدت للدّفاع عن مصالحهم وحمايتها واستعمار الشّعوب.

تلك هي السياسة التي تمارسها الولايات المتحدة وفرنسا وغيرها من الدول التي تشكّل الأمم المتحدة غطاءً شرعيّاً لعدوانيتها على الدّول الأخرى. قرارات لم تمنع الولايات المتحدة من عدوانيتها على المنطقة من اليمن إلى فلسطين، من حصار اليمن إلى غزو العراق الجديد بجيوشها السّرية من منظمات ال ngo إلى قانون قيصر في سورية إلى فرض العقوبات على لبنان بالتزامن مع عملية نشر الديمقراطيّة الأميركيّة من خلال اعتمادها على عملائها ودور ngo وصولاً الى تدخلات سفيرتها الوقحة في بيروت دوروثي شيا وشريكيها السفيرة الفرنسية آن غريو والسفير السّعودي وليد البخاري، الذين تداعوا الى اجتماع ثمّ زيارة للرياض للتّباحث في شأن الأزمة اللبنانيّة وتشكيل الحكومة، تلك الوقاحة الموصوفة في التدخّل بالشّؤون اللّبنانيّة لم تكن من مصدر قوّتهم بل إنّها نتاج لضعف ووهن أغلب السّياسيين اللّبنانيين وخوفهم وخنوعهم إذ يتغنّون بالسّيادة اللّبنانية وبالحيادية، وهم أكثر النّاس انحيازاً لأميركا وفرنسا وحتى لـ “إسرائيل”. يستشرسون بالدفاع عن مصالحهم ومناصبهم وعن سفارات الدول الراعية لفسادهم بينما هم مرجفون في الدفاع عن لبنان وسيادته.

قلّةٌ وطنيّةٌ هم من وقفوا وصدحوا وأعلنوا موقفهم من تلك التّدخلات السافرة التي لا تزال مستمرةً بشكلٍ يومي وهي لا تقلّ خطورةً عن خرق العدو الصّهيوني للسّيادة اللّبنانية، ولطالما إنّ التدخلات تستهدف الدّولة وانهيارها وتستهدف بالدّرجة الأولى الشّعب اللبناني بأسره ذلك الشعب الذي تُشدّد إدارة دوروثي شيا حصارها عليه في حين تتباكى هي على الشّعب وتبحث عن حلٍّ لأزماته، التي أوجدتها أميركا بعقوباتها التي لن تؤدي إلى تحقيق أيّ إنجاز في ظلّ وجود المقاومة وثباتها التي باتت الحصن الأقوى للتصدي للهيمنة الأميركيّة في حين أنّ المطلوب من جميع أصحاب السيادة الوقوف في وجه تلك التدخلات وأخذ العبر من الدّول التي واجهتها أميركا وحاولت تدميرها فلبنان بمقاومته ليس أضعف من فنزويلا المحاصرة ولا طهران النوويّة والبالستيّة، ولا أضعف من دمشق التي انهزم على أعتابها أكبر عدوان كوني على مدى عشر سنوات.

ففي فنزويلا وفي ذروة الحصار الأميركي لها أعلن الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو في التاسع والعشرين من يونيو/ حزيران 2020 طرد سفيرة الاتحاد الأوروبي البرتغاليّة إيزابيل بريلانتي، ردّاً على فرض التّكتل عقوبات على 19 من كبار المسؤولين الرّسميين وأمهلها 72 ساعة لمغادرة البلاد، أمّا في إيران فقد استدعت وزارة الخارجيّة الإيرانيّة في حزيران 2021 السفير البريطاني في طهران للاحتجاج على الصّعوبات التي واجهت الإيرانيين المقيمين بالمملكة المتحدة خلال الإدلاء بأصواتهم في انتخابات الرئاسة التي أجريت الشّهر الماضي.

هذه المواقف التاريخيّة والسياديّة بامتياز ليست بعيدةً عنّا بالزّمان ولا بالمكان بل لا تزال قائمةً وحيّةً ونرى نتائجها من رضوخ أميركي لمطالب إيران بالاتفاق النووي، في لبنان فقط سفيرة توبّخ رئيساً للحكومة وأخرى تهدّد وزراء، في لبنان فقط سفير الديكتاتوريّة العالميّة يريد أن يعلّم اللبنانيين ديمقراطيّة المنشار، في لبنان فقط يُقال وزير الخارجيّة في حكومة تصريف الأعمال شربل وهبي نتيجة كلمة حق قالها في مقابلة تلفزيونيّة فيُستدعى على أثرها سفراء لبنان في الكويت والبحرين والسّعودية والإمارات ليستلموا مذكرات احتجاج رسميّة على تصريح الوزير الذي وصّف الواقع بدقة، ولم يقف الأمر عند ذلك بل وصل إلى حدّ مطالبة مجلس التعاون الخليجي بتقديم “اعتذار رسمي” لدول المجلس، إضافةً إلى رفض واستنكار الأمين العام لمجلس التعاون نايف الحجرف لتصريحات الوزير. مواقف واستدعاءات واستنكارات لم يشهدها لبنان خلال الاحتلال ولا خلال عدوان تموز 2006، من لبنان أيضاً يعلن وزير التّجارة الخارجية الفرنسي فرنك ريستر أنّه سيفرض المزيد من العقوبات على بعض الشّخصيّات السياسيّة في لبنان. أما إذا ما أشرنا إلى تدخّل البرلمان الفرنسي على تقرير توصية لجنة الدّفاع الفرنسية لمساعدة لبنان من خلال إرسال قوّاتٍ دوليّة تحت اسم الأمم المتحدة والبنك الدّولي فإنّ هذا القرار يعني احتلال لبنان وبالتالي فإنّ التعاطي مع هذا القرار في حال تمّ تنفيذه لن يكون بغير النّار فلبنان محرّم على كلّ محتلٍّ وجبّار. فقليلاً من الكرامة أيّها السّياديون وقليلاً من الشّرف والعزّة أيّها الحياديون في قضية خلاص لبنان. كونوا أحراراً في دنياكم فالحياة ليست إلّا وقفة عزٍّ فقط…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى