أولى

انتخابات نقابة المهندسين

من المفرح عودة الحيويّة والتنافس الى الانتخابات النقابية والطالبيّة فهذه علامة على الحياة وسط الصور السوداء المحبطة التي تنتشر في كل مكان، فمن يذكر سبعينيات القرن الماضي يذكر حجم الحيوية والتنافسية التي كانت النقابات والحركة الطالبيّة تضجّ بها وتعبّر من خلالها عن ظهور نخب جديدة تخوض الشأن العام واهتمامها بالسياسة.

قبل نصف قرن وبالرغم من سيطرة النظام السياسي المولود في كنف الهيمنة الغربيّة وسيطرة الاحتكارات وأقليّة الـ 4% ومَن يمثلها في الحكم من العائلات التقليدية، وإمساكها بمفاصل الدولة رئاسات ونيابة ووزارة وقضاء، كانت النقابات المهنية والهيئات الطالبية المنصات التي نمت خلالها أحزاب وتشكيلات سياسية جديدة، كانت ممنوعة من دخول النيابة والوزارة، أو محكوم عليها بحضور نسبيّ محدود فيها لا يتيح لها أكثر من توفير التغطية السياسية لنظام ليس لها.

ما جرى منذ عام 1990 أن الأحزاب التي صعدت خلال الحرب وكانت تُمسك بالنقابات والهيئات الطالبيّة قبلها، صارت في السلطة وتوسّعت شيئاً فشيئاً، ودخل عليها الوافدون الجدد إلى جنة الحكم والمال، لتصير بمجموعها السلطة، لكنها بقيت تقاوم الخروج من النقابات والهيئات الطالبية، للعودة الى ما كان عليه حال السلطة السابقة لاتفاق الطائف، وبقي هذا الإمساك سبباً لذبول دور النقابات والهيئات الطالبية المطلبي المفترض أن خصمها هو السلطة.

ما يجب إدراكه مع تبؤّ جماعات من خارج الأحزاب الموجودة في السلطة لقيادة العمل النقابي، ان ما يجري ليس الا اعادة الأمور إلى ما كانت عليه قبل الحرب، لا يصل حد الوعد بالتغيير من دون اكتمال شروط إضافية، فلو افترضنا أن الاتحاد العمالي العام قد شهد ما شهدته نقابتا المحامين والمهندسين فهذا لا يعني اكتمال شروط التغيير، فقد كان هذا هو الحال قبل الحرب ولم يحمل تغييراً مشابهاً في مجلس النواب.

شروط التغيير تبدأ بتشكيل أحزاب جديدة عابرة للطوائف تمسك بقواعد من آلاف اللبنانيين في الأرياف والمدن تستنهض الواقفين على الرصيف وتزجّ بهم في معركة التغيير ببرنامج سياسي اقتصاديّ قادر على الجمع المبدع بين ثلاثيّة، دولة لاطائفية واقتصاد ركيزته الإنتاج قادر على مقاومة العقوبات، وليس الرهان على صندوق النقد الدولي، واستقلال وطني بوجه مشاريع الهيمنة وتهديد العدوان ركيزته حماية المقاومة، وليس نزع سلاحها أو التفاوض حوله، بينما سقف الخطاب الذي نراه اليوم لا يزال بعيداً عن خطاب نقابات السبعينيات، ولعله مدعاة للتفكير معنى أن الأحزاب والتغييريين معاً لم ينجحوا بجذب أكثر من 18% من مهندسي لبنان للمشاركة في الانتخابات، كما هو لافت التذكير بأن النقيب السابق كان من معارضي أحزاب السلطة، وأن دور الشيوعيين والكتائب كان تقليدياً في النقابات.

تحية لكل مَن يغادر اليأس وينخرط بالعمل، ويفتح باباً للأمل، فله وإن أخطأ أجر وإن أصاب أجران.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى