أولى

ترويت العاصي مورد غذائي وصحي منذ ستينيات القرن الماضي

الجوهري: وزارة الزراعة ملزمة بحماية الثروة السمكية في العاصي المقهور: التوجه إلى السوق السورية يحرّك العجلة الاقتصادية في المنطقة

تحقيق ـ عبير حمدان

عام 1964 استقدم الدكتور غسان العميري إبن مدينة الهرمل أوّل فرخ سمك ترويت من فرنسا، حيث تبيّن أنّ مياه نهر العاصي هي المكان الأمثل لتربية هذا النوع من الأسماك وفقاً لمستوى الأوكسيجن الموجود فيها ونقائها ودرجة حرارتها، وأنشأ أوّل مزرعة لتربيته في بلدة حوش السيد علي عند الحدود اللبنانية ـ السورية.

 اليوم تشكل الثروة السمكية في العاصي مصدر رزق أساسي لمربّي الأسماك بل أبعد من ذلك فقد أصبح ترويت العاصي علامة فارقة ومميّزة بحيث يغطي السوق المحلية ويتمّ تصديره الى الخارج، ويُعدّ مورداً غذائياً صحياً لاحتوائه على الأحماض الدهنية غير المشبعة المفيدة للقلب والأوعية الدموية والمساعدة في خفض نسبة الكوليسترول في الدم.

إلا أنه رغم أهمية هذا المورد يغيب الاهتمام من قبل الوزارات المعنية وتتصاعد أزمات أصحاب المسامك ومستثمريها لجهة التكلفة على صعيد استيراد العلف وفق تسعيرة السوق السوداء من جهة وحجم الخسائر المحتملة جراء السيول التي تحصل باستمرار فتقضي على الموسم، ناهيك عن المزاعم الإعلامية للبعض المشككة بجودة هذه الثروة الطبيعية دون أية قرائن مثبتة.

خلال جولة «البناء» على أحواض تربية سمك الترويت تبيّن أنّ العاملين في هذا القطاع جدّيين لجهة الحفاظ على مصدر رزقهم وجودة منتوجهم وهم غير آبهين بما يتمّ ترويجه من خلال تقارير كيدية لجزء من الذين يمتهنون الإعلام الاستعراضي القائم على قاعدة الكانتونات.

الجوهري: الوزارات المعنية تعطينا النصائح والوعود

يؤكد يوسف الجوهري أنّ مياه العاصي هي المكان الأمثل لتربية سمك الترويت، ويقول: «جريان المياه ونوعيتها ودرجة حرارتها ونقاؤها وجزئياتها تشكل بيئة مثالية لتربية سمك الترويت تحديداً كون هذا السمك لا يعيش في برك أو في مياه درجة حرارتها 18، إذن يجب أن تكون المياه باردة والعاصي لا تتخطى درجة حرارته الـ14 حتى في الأيام الحارة، وهذا لا يمكن أن نجده في أيّ مكان آخر في لبنان».

 

 

 

 

 

 

 

 

يضيف: «هذه الزراعة بدأت في الستينيات وتحديداً عام 1964 مع الدكتور غسان العميري الذي كان يدرس الطب في فرنسا وهناك تعرّف على أشخاص يملكون مسامك، فأتى بها الى الهرمل وعمل على تطبيق ما تعلمه منهم في منطقة اسمها العميرية نسبة لعائلته، فكانت أوّل مسمكة في طاحونة قديمة يمتلكها والده ولم تزل موجودة حتى اليوم، وقد تمكن من استخراج بيض سمك الترويت وتوليد أفواج منه الى حدّ أنه لم يعد بحاجة لاستيراده من الخارج».

ويوضح الجوهري أنّ هناك نوعاً من الترويت مختلف عن الذي يعرفه الناس موجود في الهرمل ويسمّونه «الهرملاني» وهو في الأساس صناعة فرنسية، ذلك لأنّ الفرنسيين زرعوه في المنطقة.

ويشرح الجوهري عن مراحل زراعة الترويت فيقول: «أنا أبدأ عملي في مجال زراعة الأسماك من الصفر، في المسامك التي أستثمرها، والحلقة تبدأ من البيض الذي نستورده من الخارج، وأغلبه كان من فرنسا والآن من أي دولة طقسها بارد، المرحلة الأولى تكون بوضعه في «الفقاسة» والتعاطي معه بطريقة معينة الى حين خروج «الشعرات» وبعدها تنتقل الى مرحلة الحضانة، وبالطبع الأعلاف تختلف من مرحلة الى أخرى حسب حجم السمكة، إذ يجب اعطاؤها العلف المناسب لحجمها الذي قد يصل الى أكثر من 15 كيلو، إلا انّ استمرارية نمو الفوج يعتبر مخاطرة حيث أنّ الخسارة محتملة ولا يوجد من يعوّضها».

وعن طبيعة هذه المخاطرة يقول الجوهري: «من جهتي لا أخاطر وأكتفي بأن يصل حجم الترويت الى 3 كيلو فقط كي لا أخسر موسمي ذلك لأنّ الأمراض موجودة في العاصي في ظلّ غياب العناية البيئية حيث أنّ هناك أشخاصاً يرمون الأوساخ في النهر مما يضاعف وجود الباكتيريا التي تؤذي السمكة ونضطر لمعالجتها وبالطبع المواد العلاجية مستوردة ومكلفة، إضافة الى أنّ مياه العاصي ينخفض منسوبها في أوقات كثيرة مما يؤثر على الأسماك أيضاً، والمخاطرة الأكبر تتمثل بالسيول التي الى جانب جرفها الأسماك من أحواضها تجلب معها الأتربة التي تخنقها في ظلّ غياب كمية الأوكسيجن عنه، وللأسف لا يوجد تحذير من السيول ولا أيّ حلّ لها من قبل الجهات المعنية، رغم أنّ الحلول بسيطة بإنشاء سدود تجميعية للمياه والأتربة ليصل السيل خفيفاً وبضرر أقلّ، وهذا يتطلب جهود دولة من المفترض ان تكون مسؤولة عن مواطنيها والقطاعات الإنتاجية على أراضيها، وللأسف هذه الجهود ليست قائمة».

وبالانتقال الى أسعار العلف يقول الجوهري: «الخسائر التي يتكبّدها هذا القطاع كبيرة في ظلّ انهيار العملة الوطنية مقابل ارتفاع الدولار، وأعطيك مثالاً بسيطاً على ذلك… أنا اشتريت علفاً بقيمة 12 ألف دولار حين كان الدولار بـ2000 ليرة واتفقنا ان أسدّد المبلغ خلال أربعة أشهر وبدأ سعر الصرف بالارتفاع وحين حان وقت التسديد كان قد وصل سعر الصرف الى تسعة آلاف ليرة للدولار، وبالتالي بدل ان يكون المبلغ24  مليون ليرة أصبح أكثر من 100 مليون ليرة، وكما تعلمين السمك تسعيرته بالليرة، لذلك مهما زاد سعره لا يمكن أن يعوّض مردود بيعه الخسارة التي تكبّدتها، وبالطبع هذا الوضع ينسحب على جميع مربّي الأسماك في العاصي».

في إطار متصل يتابع الجوهري: «من المفروض أن يكون هذا القطاع مدعوماً من وزارة الزراعة التي تكتفي بتقديم النصائح والوعود بأن توقف الأشخاص الذين يطعمون الأسماك بقايا الدجاج، ولم تفعل، وبأنها ستدعم الأعلاف ولكنها لم تفعل باستثناء بعض المحسوبيات للتجار الذين يتسلّمون علفاً مدعوماً ويعمدون الى بيعه أحياناً بسعر أغلى من المصادر التي نستورد منها، المطلوب من الدولة ان يكون هناك سقف لسعر صرف الدولار على الأقلّ للمزارعين كنوع من الدعم كي يتمكنوا من الاستمرار، زيادة على ذلك أجزم أنّ استيراد الأسماك من الخارج أصبح عبئاً على الدولة كونه يدخل ضمن نطاق الواردات بحيث يقلل من قيمة الصادرات بالدرجة الأولى وهو مسعّر بالدولار، فلماذا لا يتمّ وقف استيراد الأسماك من الخارج طالما نملك إمكانية تصديره ونحن نصدّره بالفعل رغم الكثير من المشاكل التي نعاني منها في ظلّ غياب التنظيم، مع العلم انّ البلدان التي نصدّر إليها الترويت متعطشة له ومطلوب لديها بشكل كبير، وهذا يمكنه أن يجعل قطاع تربية الأسماك ثروة حقيقية للدولة إذا ما قامت بدعمه».

وعن أنواع العلف يقول: «العلف الأجنبي هو الأفضل مثل الاسباني والفرنسي والإيطالي الذي يعطي كمية لحم أكبر، ولكن في ظلّ الأزمة يتمّ الاستيراد من مصر والأردن ولكنها أعلاف قيد التجربة. المشكلة التي يعاني منها مستوردو الأعلاف تتمثل برفض الدولة احتواءها على مشتقات لحم حيواني، مع العلم أنّ الترويت سمك لحمي بمعنى انه يأخذ أعشاباً بنسبة قليلة ولكن يجب ان تحتوي الأعلاف في تركيبتها على طحين الدجاج واللحم وبروتينات أخرى بنسب مدروسة، وهذا القرار اتخذ في فترة جنون البقر والمفارقة انّ كلّ الدول تخطت هذه المرحلة وألغت كلّ التدابير التي كانت قد اتخذتها في تلك الفترة إلا دولتنا، أضف الى ذلك تبقى مشكلة اعتماد بعض المزارعين إطعام السمك بقايا الدجاج دون أيّ تنظيم حيث أنّ الدولة تلزم أصحاب المسالخ التخلص من البقايا دون أيّ رقابة! وعليه يعمد أصحابها الى بيعها لبعض المزارعين الذين يستسهلون الحصول على علف بكلفة أقلّ ويتمّ نقل هذه البقايا بشكل غير صحي فتكون غير موضبة ومكشوفة تحت أشعة الشمس لتصل مشبعة بالبكتيريا، مع العلم انه من الممكن تنظيم هذا الأمر إذا ما تمّ إنشاء محارق خاصة لتجفيفها كما يحصل في فرنسا على سبيل المثال وبعدها تُطحن ويتمّ استعمالها في تركيبة الأعلاف ولكن لا يوجد أيّ نية فعلية من قبل الجهات المعنية لتنظيم هذا القطاع بشكل علمي وبيئي».

وفي الختام يؤكد الجوهري أنّ وزارة الزراعة ملزمة بتحمّل المسؤولية بشكل جدي، كما أنّ الإعلام يتحمّل جزءاً كبيراً من المسؤولية لجهة الإضاءة على هذا القطاع وما يعانيه ونقل واقعه كما هو دون أيّ اجتهادات وتقارير مشبوهة بهدف إحداث ضجيج مفتعل على قاعدة «البروباغندا» في مواجهة المهنية والمصداقية.

المقهور: ترويت العاصي يغطي السوق المحلية ويُصدّر الى الخارج

من جهته يؤكد مصطفى المقهور أنّ الثروة السمكية في الهرمل تشكل مردوداَ أساسياَ للكثير من العائلات التي يعمل أبناؤها في هذه الزراعة منذ أربعين سنة، فيقول: «تربية سمك الترويت ناجحة في العاصي بسبب طبيعة المياه لجهة حرارتها وصفائها، في مرحلة ما أنشأت البلدية معمل أعلاف في المنطقة ولكن هذا المشروع لم يدم طويلاً جراء الفساد في الإدارة ليتمّ إقفاله لاحقاً واختفاء معداته بالكامل».

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

ويضيف: «الترويت يحتاج الى كمية مياه كبيرة وهذا الشيء متوفر في العاصي، والمشكلة الفعلية التي يعاني منها هذا القطاع تتمثل في التكلفة المرتفعة جراء الأزمة التي نمرّ بها لجهة انهيار العملة مقابل الدولار وكوننا بلد اقتصاده ريعي وبسياسة غير إنتاجية مما يجعل كافة القطاعات محكومة بالاستيراد مما يضاعف الخسارة».

ويشير المقهور إلى أنّ بعض المزارعين يستبدلون العلف المستورد ببقايا المسالخ مما قد يلوّث النهر على المدى الطويل وهنا من المفروض ان تعمد الجهات المعنية الى معالجة المشكلة من خلال الرقابة والمتابعة بشكل جدي.

ويتوجه المقهور الى وزارة الأشغال بالدرجة الأولى حين يتحدث عن السيول، فيقول: «الخطة موجودة للحدّ من كوارث السيول ولكنها تبقى في إطارها النظري إنْ لم تعمد وزارة الأشغال الى التنفيذ بشكل جدي وفعلي من خلال استحداث سدود وبرك لامتصاص السيل والأتربة التي يحملها بدءاً من نقطة انطلاقه وصولاً الى العاصي».

ويختم المقهور كلامه قائلاً: «سمك الترويت يتمّ تصديره الى الخارج كما أنه يغطي كلّ السوق المحلية، والتصدير الأقوى يكون إلى سورية، لذلك يجب أن يكون هناك قرار جدي من قبل الدولة بالتوجه الى السوق السورية القادر على تلقف كمية كبيرة من هذه الثروة مما يحرك العجلة الاقتصادية في المنطقة دون أيّ عوائق جمركية وتكلفة نقل مرتفعة».

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى