أولى

ميسلون… ووحدة المسار والمصير

 معن بشور

يُحكى أنّ ضابطاً لبنانياً كان يدرس في الكلية الحربية في حمص في عشرينيات القرن الماضي، تشاجر مع زميل لبناني له في الكلية الحربية التي كانت تضمّ تلامذة سوريين ولبنانيين، وسبب المشاجرة هو انّ زميل ذلك الضابط قال أمامه “انّ يوسف العظمة بطل معركة ميسلون مجنون”… فثارت ثائرة ذلك الضابط وقام بضرب زميله بكرسي وهو يصرخ فيه: “من أنت حتى تقول عن بطل كيوسف العظمة انه مجنون…”

 اسم الضابط اللبناني الشهم هو جميل لحود، والد الرئيس المقاوم العماد إميل لحود، وبقيت تلك الحادثة في سجلات الكلية الحربية في حمص، التي أشارت أيضاً الى انّ لحود قد تأخرت ترقيته لأكثر من عام لأنه رفض المشاركة في الحملة الفرنسية ضدّ الثورة السورية الكبرى بقيادة سلطان باشا الأطرش، وهي ثورة كانت كثورات غيرها في الساحل السوري  وغوطة دمشق وريف حلب وحمص والجزيرة السورية ومدينتي حماة وحمص ودرعا وإدلب، من ثمرات تلك المعركة الخالدة  التي خاضها يوسف العظمة وزير الدفاع في “الجيش العربي” رغم الفارق الكبير في موازين القوى بين جيشه والمتطوعين فيه وبين الجيش الفرنسي الذي كان يقوده الجنرال غورو، والذي كان أول ما فعله  يوم احتلال دمشق بعد معركة ميسلون التي استشهد فيها يوسف العظمة هو ذهابه الى ضريح صلاح الدين الأيوبي قرب المسجد الأموي وقال كلمته الشهيرة “ها قد عدنا يا صلاح الدين”، فيما كان زميله البريطاني الجنرال اللّنبي يدخل الى حرم المسجد الأقصى في القدس ويقول “اليوم انتهت الحروب الصليبية”.

أن نتذكر تلك الحادثة في ذكرى معركة ميسلون في 24 تموز /يوليو عام 1920، ليس مجرد فعل وفاء لبطل من أبطال الأمة ورائد من رواد المقاومة العربية المعاصرة، التي لم تتوقف منذ نهايات القرن الثامن عشر مع حملة نابليون على مصر حتى اللحظة الراهنة، بل هي أيضاً حادثة مليئة بالمعاني والعبر، لعلّ أبرزها وحدة المسار والمصير التي طالما جمعت  شعب لبنان وسورية في مواجهة الاستعمار والصهيونية ، ومن يزور قلعة الاستقلال في راشيا يلاحظ لائحة شرف تضمّ أسماء الشهداء اللبنانيين من وادين التيم وراشيا والبقاع الغربي، الذين شاركوا في الثورات السورية ضدّ الاستعمار الفرنسي، خصوصاً انّ أعداء لبنان وسورية يذكّروننا اليوم بحصارهم المريع على البلدين، بوحدة المسار والمصير بينهما.

 *العبرة الأخرى التي تستحضرها تلك المعركة، هي أنّ موازين الإرادات هي الأقوى والأبقى من موازين القوى، فشعار يوسف العظمة في ميسلون أنه “ليس من العار ان تدخل جيوش الاستعمار الفرنسي بلادنا، ولكن العار كلّ العار ان لا تجد من يقاومها…”

كان شعاراً مؤسّساً لمقاومة امتدّت الى سورية كلها، ساحلاً وداخلاً، حتى تمّ جلاء القوات الفرنسية عن الأراضي السورية واللبنانية بعد حوالى ربع قرن على تلك المعركة.

الشعار نفسه رفعناه في بيروت لمواجهة الجيش الصهيوني يوم دخل العاصمة اللبنانية في مثل هذه الأيام عام 1982، فانطلقت في ظلّه مقاومة وطنية وإسلامية لم تطرد العدو من أرضنا فحسب، ولم تردع قدراته على العدوان في عام 2006 فقط، بل تحوّلت الى رقم صعب في المعادلة الإقليمية لا يمكن للعدو وحلفائه تجاهله…

*العبرة الثالثة هي أنّ في لبنان وسورية الكثير من المقاومين الشجعان، وهم غالباً ما غيروا معادلات في المنطقة والإقليم والعالم، وليس من قبيل الصدف ان يكون أول المتصدّين للاحتلال الفرنسي عام 1920 هو اللواء الراحل جميل لحود، وان يكون أبنه الرئيس العماد المقاوم أميل لحود على رأس  جيش بلاده يوم التصدي للعمليتين العسكريتين الصهيونيتين “تصفية الحساب” (تموز/ يوليو 1993)، و”عناقيد الغضب” (نيسان /ابريل 1996)، بل على رأس بلاده كلها يوم التحرير عام 2000، ثم يوم النصر عام 2006.

*العبرة الأخيرة  أننا نتذكرهذه المعركة فيما ينسى كثيرون ان “الانتداب” الذي خرج من الباب في لبنان وسورية قبل حوالي الثمانية عقود، يحاول العودة الى البلدين من “شبابيك” مختلفة ، مستغلاً الى أبعد الحدود انهيار نظام طائفي جائر في لبنان صنعه بيديه، ومنظومة حاكمة فاسدة رعاها وحماها وما زال حتى اليوم.

فالخلود ليوسف العظمة وكلّ شهداء الدفاع عن كرامة سورية ولبنان والأمة العربية منذ ذلك الحين حتى اليوم.

 والتحية لروح أحد رموز الوطنية اللبنانية الراحل جميل لحود وللرئيس المقاوم أميل لحود.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى