أولى

ما بعد الزيارة… دور جديد للأردن

 سعادة مصطفى أرشيد_

تأتي أهمية زيارة الملك عبد الله الثاني بن الحسين إلى واشنطن لأكثر من سبب الأول أنها زيارة أول زعيم عربي للبيت الأبيض بعد انتخاب بايدن، وثاني هذه الأسباب أنها تأتي بعد أزمات أردنية منها ما هو داخل العائلة الأمر الذي زعزع مكانة الملك وأثار تساؤلات حول العرش، وثالث هذه الأسباب هو أنّ الزيارة غير محدّدة الزمن وإنما مفتوحة للتمديد، ورابع هذه الأسباب في الحفاوة البالغة والودّ الخارج عن مألوف الزيارات الرسمية وتقاليد البيت الأبيض، فقد تبسّط الرئيس الأميركي في اللقاء وردّد أبياتاً من قصيدة ييتس الشهيرة: كلّ شيء قد تغيّر، فقد ولد جمال رائع، كما أدار حديثاً جانبياً حميماً مع ولي العهد الأمير حسين، بعد مغادرة الملك وولي عهده المكتب البيضاوي عرّجا على مكتب الأمن القومي لمتابعه الملفات، وتضمّن البرنامج لاحقاً زيارات لوزارة الخزانة، وبالطبع وزارة الخارجية وغير ذلك من إدارات، ولعلّ تعريف ولي العهد بأصول العمل وتعارفه مع رجال الإدارة كان من الأمور الأولوية.

سبق هذه الزيارة توقيع اتفاقية عسكرية بين المملكة والولايات المتحدة، حيث نقلت الولايات المتحدة اثر التوقيع معظم قواتها العاملة في المنطقة للأردن  وستنقل مع نهاية العام ما تبقى خاصة تلك القوات العاملة في العراق، الذي أصبح بموجب هذه الاتفاقية وبواقع التواجد العسكري، قاعدة أميركية بامتياز .

تريد الولايات المتحدة بخطوتها هذه أن تبتعد مكانياً وقدر الإمكان عن إيران وأذرعها الطويلة، وعن الخليج وتعقيداته، وعن العراق ومشاكله وفوضاه، وهي وإنْ رأت في الصين وبحرها واقتصادها وطريق حريرها أولوية أولى، إلا أنها لا تستطيع الخروج نهائياً من المنطقة وتركها سائبة، وترى في خطوتها هذه ووجودها في الأردن بعداً بمقدار كاف عن أجواء الاحتكاك وإمكانية التورّط بمواجهه لا داعي لها، وقرباً بمقدار في حال احتاجت للتدخل .

أردنياً، تمثل الاتفاقية والزيارة مظلة حماية للأردن من محمد بن سلمان وخططه لزعزعة استقرار الأردن، والتعامل معها كدولة أجيرة تعمل بنظام المياومة، ومظلة حماية من اليمين «الإسرائيلي» الحاكم، والذي يبدو أنه سيبقى كذلك لزمن ليس بقصير، ولكنه في عهد حكومة نفتالي بينت يبدي قدراً من الاحترام والالتزام بتعليمات البيت الأبيض، وهي أيضاً مظلة لحماية العرش وتعزيز موقع ولى العهد، بالطبع سيحصل الملك وحكومة على دعم مالي مباشر وعوائد مالية من الخدمات التي ستقدّمها الدولة والقطاع الخاص للقوات الأميركية، ومن جانب آخر ففي جديد الأردن ما يشير إلى تغيّر جذري في الدور الوظيفي الذي قام لفترة طويلة جداً على نظرية الغلاف العازل ( buffer zone ) والمستوعب للفائض السكاني غرب النهر، إلى دور وظيفي جديد فعّال ونشط، وجاهز للعمل والتدخل حيثما وعندما يطلب منه .

وفق ما ورد في الأخبار فقد ناقش الملك مع مضيفه ملفات إقليمية، منها العراق حيث تمّ التركيز على دور رئيس الوزراء الكاظمي باعتباره قائداً كفوءاً، وقادرا على تحدي الدور الإيراني في العراق ومحاربة الإرهاب، ومنها سورية وضرورة الوصول إلى حلّ لأزمتها ولو على الطريقة الدستورية العراقية، وإبقاء الحدود مفتوحة والتواصل مع الحكومة في قدر معقول، وملف فلسطين شدّد على ضرورة دعم السلطة الفلسطينية في رام الله وعلى تثبيت وقف إطلاق النار في غزة، وإن كانت قد أصبحت في دائرة الاهتمام والرعاية المصرية، ثم على ضرورة العودة للتفاوض وبسرعة على أساس حلّ الدولتين وبما يقود إلى إقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود الرابع من حزيران 1967، وعاصمتها القدس الشرقية، ودون ذلك فإنّ جولة من العنف قد تندلع من جديد، وهو ما ينسجم مع الكلام المعلن للرئيس بايدن، وقد لا ينسجم مع ما يجرى على أرض الواقع، وملف حكومة بينت ودور الأردن في القدس وطلب الملك من مضيفه، ضرورة التدخل لوقف الإجراءات (الإسرائيلية) أحادية الجانب في القدس عموماً والمسجد الأقصى خصوصاً .

كان في ذهن الملك الراحل حسين بن طلال عندما وقع اتفاقية وادي عربة (اتفاقية السلام الأردنية ـ «الإسرائيلية») أنّ بإمكان هذه الاتفاقية ضمان وجود الأردن كدولة ووطن نهائي، وكذلك ضمان استمرار العرش الهاشمي، ولكن تداعيات السياسة والتطرف اليميني الصاعد في (إسرائيل) أدّت إلى قتل الشريك في الاتفاقية إسحاق رابين، وفشل ورثته في الحفاظ على الموقع القائد لحزب العمل الذي أصبح اليوم حزباً هامشياً، فيما تتداول أحزاب اليمين السلطة، وجميعها ترى في الأردن وطناً بديلاً ودولة للفلسطينيين، فهل تستطيع إدارة بايدن ضمان الأردن هذه المرة كوطن نهائي تحت الراية الهاشمية؟

*سياسي فلسطيني مقيم في الكفير – جنين – فلسطين المحتلة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى